غياب الشفافية في تلاوة أسماء المتغيبين: تساؤلات حول أداء البرلمان وتطبيق النظام الداخلي

0
59

شهدت الجلسة البرلمانية الأخيرة نقاشًا ساخنًا حول مسألة غياب بعض النواب، ما أثار جدلاً واسعًا حول كيفية تعامل المجلس مع غياباتهم وتلاوة أسماء المتغيبين. تم طرح اعتراضات من قبل الفريق الاستقلالي وحزب الاتحاد الاشتراكي على الطريقة التي تم بها تلاوة الأسماء، حيث اعتبروا أن هذه الطريقة كانت انتقائية ولا تتماشى مع ما ينص عليه النظام الداخلي للمجلس في مادته 395. لكن هل كان هذا الاعتراض حقًا حول الإجراءات فقط، أم أن هناك دلالات سياسية أعمق؟

وفقًا للمادة 395 من النظام الداخلي، ينبغي أن يُعامل غياب النواب على ثلاث مراحل: التنبيه الأول، ثم التنبيه الثاني، وفي حال تكرار الغياب تُتلى أسماء النواب المتغيبين في الجلسة العامة. ولكن المفاجأة كانت في تلاوة أسماء بعض النواب في البداية، دون احترام هذا التسلسل الإجرائي. السؤال هنا: لماذا تم تمييز بعض الأسماء عن غيرها؟ هل كان ذلك عن قصد أم نتيجة لتقصير في تنفيذ الإجراءات؟

إضافة إلى ذلك، طرح الفريق الاستقلالي مطالبة بتقديم اعتذار رسمي لجميع الأعضاء الذين تم تلاوة أسمائهم، وذلك لإعادة تصحيح هذا الخطأ الذي يعتبره البعض خرقًا للنظام الداخلي. هذا يثير تساؤلاً أعمق: هل فعلاً يمكن الوثوق في النظام الداخلي للمجلس إذا لم يتم تطبيقه بشفافية ودقة؟ وهل غياب الشفافية في تنفيذ هذه الإجراءات يهدد مصداقية المجلس في نظر الرأي العام؟

من جهة أخرى، أكد بعض النواب أن الأعذار المقدمة من بعض الأعضاء، والتي كانت تستند إلى ظروف قاهرة، لم تُؤخذ بعين الاعتبار، على الرغم من الوعود السابقة بمعالجة هذه الحالات. هذا يفتح الباب للتساؤل: هل يمكن للمجلس أن يطبق النظام الداخلي بإنصاف إذا لم يأخذ بعين الاعتبار الأسباب المبررة التي قد تطرأ على النواب؟ وكيف يمكن ضمان تطبيق هذه الآليات بشكل عادل وشفاف؟

ورغم الجدل الحاصل حول غياب النواب، فإن انتقادات أخرى طالت غياب الحكومة عن مناقشة قضايا حيوية تمس حياة المواطنين بشكل مباشر. فقد تم طرح موضوع نقص الأدوية الخاصة بأمراض القلب والشرايين والسرطان، وهو موضوع شديد الحساسية نظرًا لما يمثله من تهديد لصحة العديد من المواطنين.

ومع ذلك، لم تُبادر الحكومة للتفاعل مع هذا الموضوع في الجلسة كما كان متوقعًا. كيف يمكن تفسير هذا الغياب الحكومي؟ هل هو نتيجة لتقصير من الحكومة في معالجة القضايا الصحية الملحة؟ أم أن هناك تهميشًا متعمدًا لقضايا المواطنين لصالح قضايا أخرى؟ وإذا كانت الحكومة قد أعطت وعودًا سابقة بالتعامل مع هذا الموضوع، فما الذي يمنعها من الوفاء بها؟

الغياب الحكومي في مثل هذه القضايا يطرح تساؤلًا أكبر: هل حقًا هناك تنسيق فعال بين الحكومة والمجلس البرلماني لضمان معالجة القضايا التي تهم المواطن؟ وأين هي أولويات الحكومة في استجابة لاحتياجات المواطنين الصحية؟ هذا الغياب يعكس تحديًا مزدوجًا أمام البرلمان والحكومة، حيث يصعب عليهما تحقيق التوازن بين سلطاتهما الدستورية وتنفيذ التنسيق الفعال.

وفي هذه الأثناء، تتزايد الانتقادات من قبل النواب بشأن غياب التنسيق بين البرلمان والحكومة، ما يعكس خللًا في التناغم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. هذا الخلل لا يؤثر فقط على فعالية العمل البرلماني، بل يهدد أيضًا بتقويض الثقة العامة في المؤسسات السياسية.

هل حان الوقت لإصلاح النظام الداخلي؟

تطرح هذه الإشكاليات تساؤلات عديدة حول فعالية النظام الداخلي للمجلس وقدرته على ضمان الشفافية والتنظيم السليم لعمل النواب. فعدم احترام النظام الداخلي يفتح الباب أمام التساؤلات حول مدى فاعليته في ضمان سير العمل البرلماني بشكل منتظم.

وبالنظر إلى هذه الوقائع، هل يجب أن يتم تعديل بعض جوانب النظام الداخلي لضمان شفافية أكبر؟ وهل من الضروري تعديل الإجراءات بحيث يتم احترامها بشكل صارم، بما يضمن حق كل نائب في الدفاع عن نفسه في حال تقديمه لأعذار مبررة؟

الحاجة إلى إصلاحات حقيقية

من أجل ضمان أن تظل المصالح الوطنية في صلب أولويات العمل البرلماني، تبرز الحاجة الملحة إلى إصلاحات جادة في مستوى التنظيم الداخلي للمجلس، وفي العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. يتطلب هذا التنسيق الفعّال والواضح بين البرلمان والحكومة، بحيث يتم معالجة القضايا الحاسمة بشكل سريع وشفاف.

وفي هذا السياق، يجب أن تظل الشفافية والمصداقية في تطبيق النظام الداخلي على رأس الأولويات، بهدف تحقيق تعاون بناء بين مختلف الفرق البرلمانية، بما يخدم الصالح العام.

خلاصة: التحديات التي تواجه المجلس البرلماني تتطلب مراجعة شاملة للنظام الداخلي، بما يضمن تطبيق القوانين والإجراءات بشفافية ودون تمييز.

كما يتعين على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها بشكل أكبر، وأن تلتزم بالتفاعل مع القضايا الصحية والاجتماعية العاجلة، بدلاً من التغاضي عنها. إن تحقيق التنسيق الفعّال بين الحكومة والبرلمان هو السبيل الوحيد لتعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات السياسية وضمان استقرار النظام الديمقراطي.