10 قتلى و6 جرحى تحت أنقاض بناية في حي الحسني بمدينة فاس. لم يكن الحدث مفاجئًا لسكان الحي. العمارة المنهارة كانت موضع تنبيه منذ سنوات، وأوامر الإفراغ لم تُنفذ. لا حديث اليوم في فاس سوى عن المسؤول: من كان عليه التدخل؟ ولماذا لم يفعل؟
لكن القصة لا تبدأ ولا تنتهي في فاس. من الرباط إلى الدار البيضاء، ومن طنجة إلى العرائش، تعيش مئات البنايات القديمة على وقع الانتظار، بينما يمر الوقت وتزداد التشققات.
المدن العتيقة: ترميم من الواجهة فقط
في الرباط، خُصصت ميزانيات ضخمة لترميم المدينة العتيقة وحي “الملاح”، بتمويل من مؤسسات مغربية ودولية. النتيجة؟ طلاء جديد عند مداخل الأزقة، فيما بقيت الأعماق على حالها. لا إصلاح للبنية، ولا تحديث للبنايات، فقط تحسينات شكلية لغايات سياحية أو بروتوكولية.
هل الهدف حماية الناس، أم تحسين صورة الواجهة؟ ومن يراقب صرف هذه الميزانيات؟
التحذير لا يكفي
في حالة فاس، تلقى السكان إخطارًا بالإفراغ منذ مدة. لكن دون بدائل أو خطة سكن مؤقت. فبقيت العائلات في منازل مهددة، إلى أن انهار السقف على رؤوسهم. التحذير وحده لا يحمي. يحتاج إلى قرار، ومتابعة، وتنفيذ.
بين الترميم والهدم: غياب رؤية موحدة
الخبير أحمد الطلحي يميز بين أنواع البنايات:
-
تلك ذات القيمة التاريخية، تُدعم وتُرمم.
-
أما التي تعاني تصدعًا إنشائيًا، فيجب إفراغها فورًا، ودراسة حالتها هندسيًا قبل التدخل.
لكن هل تطبق الجماعات المحلية هذا التصنيف؟
أين تبدأ مسؤولية الدولة؟ وأين تنتهي؟
كلفة الترميم… من يدفع؟
المهندسة مليكة بنجيد العروسي ترى أن الدولة لا يمكن أن تتحمل وحدها كلفة الترميم، وتقترح مساهمة السكان. لكن الواقع مختلف. في كثير من الأحيان، يكون مالكو هذه البيوت من ذوي الدخل المحدود. فهل يعقل أن يُطلب منهم تمويل الترميم؟ هل نملك آلية عادلة لتوزيع الكلفة بين الدولة والمواطن؟
ترحيل السكان: حل مؤقت أم تهجير دائم؟
برامج الإسكان المؤقت موجودة، لكنها بطيئة ولا تغطي الجميع. الترحيل دون ضمانات للعودة قد يعني اقتلاع السكان من أحيائهم، وتغيير هوية المدينة تدريجيًا.
هل تُستخدم الكوارث ذريعة لإفراغ المدن العتيقة لأغراض استثمارية؟
وهل العدالة المجالية حاضرة في التخطيط العمراني؟
خاتمة: ما بعد فاس
ما حدث في فاس ليس حادثًا منعزلًا، بل نتيجة تراكم قرارات مؤجلة، ومشاريع لم تُراقب، وسياسات لم تُراجع. كل مدينة عتيقة في المغرب تحمل داخلها احتمال الانهيار القادم، إذا لم يتحول الحديث إلى خطة واضحة، بمسؤوليات دقيقة، وجداول زمنية ملزمة.
أسئلة مفتوحة للقارئ والمسؤول معًا:
-
من يملك القرار بالتدخل؟
-
من يراقب تنفيذ مشاريع الترميم؟
-
ما دور السكان؟
-
وهل لدينا استراتيجية وطنية لحماية المدن العتيقة لا تكتفي بالتجميل، بل تضمن الحياة والسلامة؟