فاجعة فيضانات آسفي: حين تعود مسؤولية الدولة وتعويض المتضررين إلى قلب النقاش العمومي

0
221

لم تكن ليلة الأحد عادية في مدينة آسفي. فخلال ساعات قليلة، تحوّلت الأمطار الغزيرة إلى سيول جارفة خلّفت، وفق حصيلة أولية، وفاة 37 مواطناً، وأعادت إلى الواجهة أسئلة مؤلمة ومؤجَّلة حول جاهزية الدولة، ونجاعة التدبير الوقائي، وحدود مسؤولية الحكومة في تعويض المتضررين من الكوارث الطبيعية.

الحدث، بما يحمله من خسائر بشرية ومادية، لم يعد مجرد واقعة عابرة في سجل الأحوال الجوية، بل صار اختباراً حقيقياً لمنظومة التدبير العمومي للأزمات، ولقدرة الدولة على الانتقال من منطق ردّ الفعل إلى منطق الاستباق والمساءلة.

بين “الكارثة الطبيعية” والمسؤولية المؤسسية

أول الأسئلة التي يفرضها هذا الحدث: هل ما وقع يُصنَّف قانونياً ككارثة طبيعية؟ وهل يفتح هذا التصنيف الباب أمام تفعيل آليات التعويض المنصوص عليها، وفي مقدمتها صندوق التضامن ضد الكوارث الطبيعية؟

هذا الصندوق، الذي أُنشئ ليكون أداة تضامن مؤسساتية في مثل هذه اللحظات الحرجة، يثير اليوم تساؤلات حقيقية حول حضوره وفعاليته، خاصة في ظل استحضار تجارب سابقة، من بينها فيضانات الجنوب الشرقي، حيث اشتكى متضررون من غياب الأثر الملموس لهذا الإطار التضامني.

وفي آسفي، لا تقتصر الخسائر على الأرواح فقط، بل تمتد إلى ممتلكات خاصة، من سيارات جرفتها المياه إلى محلات تجارية غمرتها السيول، في وقت تؤكد فيه شهادات محلية أن بعض المتضررين وُوجهوا بشروط مادية قاسية، من قبيل أداء مبالغ إضافية لاسترجاع سياراتهم، ما يضيف بعداً اجتماعياً وإنسانياً معقداً للأزمة.




فتح البحث القضائي: خطوة ضرورية أم بداية مسار أطول؟

قرار النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بآسفي فتح بحث قضائي في ملابسات الفيضانات يشكّل خطوة أساسية، لكنه يطرح في الآن نفسه سؤالاً جوهرياً:
هل سيتوقف الأمر عند تحديد الوقائع، أم سيمتد إلى مساءلة حقيقية لمسؤوليات التقصير المحتملة؟

ففي حالات كهذه، لا ينحصر النقاش في “ما حدث”، بل في “ما الذي كان يجب أن لا يحدث”، و”ما الذي كان بالإمكان تفاديه”.

المجتمع المدني: صوت الإنذار في غياب الاستباق

في هذا السياق، يرى أيمن أماليك، عضو لجنة إشراف الحكومة المنفتحة والكاتب العام لجمعية من أجل الشباب، أن اعتراف الحكومة بطابع الكارثة الطبيعية لما وقع يشكّل المدخل القانوني والإنساني لتعويض المتضررين، خاصة أن عدداً منهم شيدوا مساكنهم ومحلاتهم بتراخيص رسمية، ما ينقل المسؤولية من الفرد إلى المؤسسة.

ويذهب أماليك أبعد من ذلك، حين يربط ارتفاع عدد الضحايا بضعف التدخل الاستباقي، معتبراً أن المبادرات التطوعية للشباب ساهمت في الحد من الخسائر البشرية، في ظل ما وصفه بغياب تفاعل حكومي ملموس وسريع.

هذا المعطى يعيد طرح إشكالية متكررة في تدبير الأزمات: هل نعتمد على منطق التعبئة الظرفية بعد وقوع الفاجعة، أم على سياسات وقائية دائمة؟

المسؤولية الدستورية: ماذا يقول القانون؟

من زاوية قانونية، يذكّر عبد الرحيم العلام، الأستاذ والباحث في الشأن الدستوري، بأن الدستور المغربي يتضمن فصولاً واضحة تُحمِّل الدولة مسؤولية الأضرار الناتجة عن إهمال مصالحها، مستحضراً الفصول 40 و93 و136، التي تؤسس لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

ويؤكد العلام أن الفيضانات ليست دائماً “قضاءً وقدراً” بالمعنى المطلق، بل ظواهر طبيعية متوقعة يمكن الحد من آثارها عبر سياسات وقائية واضحة، مثل صيانة البالوعات، وتنظيف المجاري المائية، واتخاذ تدابير استباقية عند صدور نشرات إنذارية.

وفي هذا الإطار، تصبح مسؤولية الدولة مزدوجة:

  • مسؤولية وقائية لم تُفعَّل بالقدر الكافي،

  • ومسؤولية تعويضية ثابتة قانونياً، ومدعومة بسوابق قضائية حمّلت الدولة تعويض المتضررين في حالات مماثلة.




التعويض قبل التقاضي: معضلة اجتماعية صامتة

من بين الإشكالات التي يلفت إليها الباحث القانوني، أن شريحة واسعة من المتضررين لا تمتلك القدرة المادية أو المعرفية للجوء إلى القضاء، ما يفرض على الدولة المبادرة إلى التعويض دون انتظار مسارات قضائية طويلة، قد تزيد من تعميق الإحساس بالهشاشة وفقدان الثقة.

أسئلة مفتوحة بعد الفاجعة

فاجعة آسفي لا تختزل في أرقام الضحايا ولا في صور الدمار، بل في الأسئلة التي تطرحها على السياسات العمومية:

  • هل نتوفر فعلاً على منظومة فعالة لتدبير مخاطر الكوارث؟

  • أين يبدأ التقصير، وأين تنتهي المسؤوليات؟

  • وهل تتحول المساءلة إلى ممارسة مؤسساتية، أم تبقى رهينة الظرف والضغط الإعلامي؟

بين الحداد والبحث القضائي، وبين التضامن الشعبي وانتظار القرار الحكومي، تظل فاجعة آسفي لحظة اختبار حقيقي لقدرة الدولة على الإنصات، والمساءلة، وجبر الضرر… لا فقط بالكلمات، بل بالفعل الملموس.