داخل قبة البرلمان، وأمام وزير الصحة، لم تكن مداخلة فاطمة التامني، نائبة فيدرالية اليسار الديمقراطي، مجرد تعقيب عابر. لقد بدت أقرب إلى صرخة احتجاج تنقل صدى الشارع الغاضب إلى المؤسسة التشريعية.
التامني لم تكتف بالانتقاد، بل ذهبت أبعد من ذلك: ربطت بشكل مباشر بين الاحتقان الاجتماعي في الشوارع وفشل السياسات الصحية للحكومة.
ما بين السطور: استقالة الحكومة كحد أدنى
أخطر ما حملته مداخلتها هو ذلك المقطع الذي دعت فيه الحكومة إلى تحمل مسؤوليتها السياسية، بما في ذلك تقديم الاستقالة، وهو مطلب نادراً ما يُطرح علناً تحت قبة البرلمان.
الرسالة هنا مزدوجة: فهي توجه سهامها نحو الحكومة، وتوجه في الآن ذاته إشارة تضامن مع الشارع المحتج، لتقول إن المطلب ليس مجرد تحسين خدمات، بل أزمة شرعية وثقة.
الصحة بين الحق والصفقات
ركزت التامني بشكل لافت على ما وصفته بـ “الهجمة المنظمة على صحة المواطنين”، حيث اتهمت الحكومة بأنها لا ترى في الصحة سوى مجال للصفقات و”البزنس”. انتقادها للشراكة بين القطاعين العام والخاص لم يكن تقنياً أو محصوراً في تفاصيل التدبير، بل فكرتها الجوهرية أن هذه الشراكة لم تكن حلاً، بل مدخلاً لتسليع المرضى وتحويل المستشفى العمومي إلى سوق مفتوح أمام من يملك القدرة على الدفع.
صور صادمة من الواقع اليومي
استعملت النائبة لغة تصويرية قوية: نساء حوامل يُنقلن في ظروف مهينة، قرى بلا سيارات إسعاف، شباب يُنقلون من وجدة إلى الرباط لإنقاذ حياتهم. هذه الصور لم ترد صدفة، بل جاءت لتفضح الهوة بين الخطاب الحكومي المتفائل وبين واقع المستشفيات المنهارة. إنها محاولة لزرع مشاهد إنسانية في وعي الرأي العام، بما يجعل الأزمة ملموسة لا مجرد أرقام وتقارير.
الاحتجاجات: شرعية مقابل قمع
موقفها من احتجاجات “جيل زد” كان واضحاً: اعتبرتها مشروعة لأنها رفعت مطالب مشروعة، على رأسها الصحة والتعليم. لكنها لم تقف عند هذا الحد، بل أدانت بشدة القمع الأمني، ووصفت المشاهد التي تخللته بالعبثية: رجال يزورون مستشفى ومعهم أطفال رُضّع يتعرضون للتفريق، نساء يُدفعن وسط الزحام، شباب يُلاحقون بشكل عشوائي. هذه الصور حملت معنى واحداً في مداخلتها: الدولة لا تفهم رسائل الشارع، وترد على المطالب بالعنف بدل الحوار.
بين المساءلة والمشروعية
حين كررت التامني أن هذه الجلسة هي “لحظة مساءلة ومحاسبة”، لم تكن تخاطب الوزير فقط، بل كانت تخاطب الرأي العام الغاضب، محاولة أن تقول: البرلمان أيضاً يتحمل مسؤوليته، والمعارضة ليست متفرجة. وفي الوقت ذاته، أرادت أن تنزع عن الحكومة مشروعية خطابها الإصلاحي، معتبرة أن كل ما تقدمه ليس سوى حملة انتخابية دائمة بلا أثر فعلي على الأرض.
الخلاصة: ما الذي تريد أن تكشفه التامني للرأي العام؟
-
أن الأزمة الصحية ليست تقنية ولا ظرفية، بل هي نتيجة خيارات سياسية ممنهجة.
-
أن الحكومة حولت الصحة إلى مجال للربح الخاص بدل أن تعتبرها حقاً دستورياً للمواطن.
-
أن الاحتجاجات الاجتماعية ليست شغباً ولا فوضى، بل صرخة طبيعية في وجه انسداد الأفق.
-
أن القمع يزيد من فقدان الثقة، والحل السياسي – في نظرها – يبدأ من الاعتراف بالفشل وتحمل المسؤولية حتى حدود الاستقالة.


