نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” إن وباء كورونا قد أثّر بشكل كبير على الجزائريين وفاقم من مصاعب الاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة ويعاني أصلا من آثار انهيار أسعار النفط والقيود على الاستثمار المحلي والأجنبي، مشيرة إلى أن الجزائر تتجه نحو كارثة اقتصادية.
ونشرت صحيفة تقريرا أعدته هبة صالح ومحمد أرزقي حيمور، تحت عنوان “الجزائر على الحافة في وقت ترك فيه الوباء وانخفاض أسعار النفط آثارهما”، قالا فيه إنه حتى قبل الوباء، بلغت نسبة العاطلين عن العمل بين الشباب الثلث. وعبّر الكثيرون عن أملهم من حدوث تغييرات بعد الإطاحة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 2019.
وأضافت الصحيفة أن الجزائر قد تواجه كارثة اقتصادية قريبة نظرا لاعتمادها على صادرات النفط والغاز المتراجعة وانخفاض مستويات احتياطاتها من العملة الصعبة.
ولا أحد يعتقد أن الساسة لديهم القدرة على إحداث تغيير، وهو واقع بدا واضحا في نسب الإقبال على الانتخابات التشريعية التي عقدت نهاية الأسبوع.
وبالنسبة للنظام الذي يقف وراءه الجيش، فالانتخابات البرلمانية، وهي الأولى منذ بداية حركة الحراك، هي محاولة للإحياء الديمقراطي، لكن أي تحالف ينتج عنها بين المستقلين والأحزاب المؤيدة للحكومة لن يكون قادرا على هز الوضع القائم.
ويقول ريكاردو فابياني، مدير شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية “التوجهات الاقتصادية سلبية”، “فهذه أزمة سيولة في المصارف والشركات المحلية. في مجال الإنشاءات، والنظام وهو أكبر قطاع بعد النفط، وسجلت حالات عالية من الإفلاسات. وربما كان البلد يسير نحو كارثة اقتصادية بثمن اجتماعي باهظ”.
وبحسب أرقام صندوق النقد الدولي فقد تقلص الاقتصاد العام الماضي بنسبة 6%. وتوقع صندوق النقد نموا في 2021 بنسبة 2.9% نتيجة لارتفاع أسعار النفط. وتوقع أن يكون العجز في الميزانية للعام الجاري بنسبة 18.4% من مجمل الناتج المحلي العام.
وحتى تكون الحكومة قادرة على موازنة ميزانيتها، فهي بحاجة لأن يكون سعر برميل النفط 169.6 دولارا، وهو ضعف السعر الحالي للبرميل. إلا أن المحللين ليست لديهم فكرة حول الكيفية التي يخطط فيها النظام لوقف الكارثة الاقتصادية.
ويقول المحاضر الجامعي والمحلل في شؤون السياسة العامة مبروك عايب: “يقول الساسة إنهم يرغبون بفتح الاقتصاد وتنويعه. هم يريدون عمل الكثير من الأمور، وهو ما يزعمون، ولكن لا يعرفون إن كانت لديهم استراتيجية واضحة حول تنفيذ ذلك”.
وحتى مع انخفاض أسعار النفط في السنوات الأخيرة والذي أثر على مالية الحكومة وقدرتها على توزيع الهبات والمساعدات وخلق فرص للعمل لسكان البلد الشباب، فشل صناع القرار في التحرك نحو تنويع الاقتصاد. وبدلا من ذلك، استخدمت الحكومات المتعاقبة الاحتياطي النقدي الأجنبي الذي تراجع من 200 مليار دولار في 2014 إلى 47 مليار دولار في العام الماضي.
وتردد الجيش الذي يسيطر على القرارات في البلد منذ استقلاله عن فرنسا عام 1962 في إدخال إصلاحات تفك القيود عن القطاع الخاص وتحفز الاستثمارات وتدخل الشفافية في النظام الاقتصادي القائم على شبكة من المصالح الخاصة والمحسوبية المدفوعة بالبترودولار.
وسُمح في عهد بوتفليقة لقطاع خاص ضيق من أصحاب المصالح القريبة من النظام للنمو والاستفادة من الرعاية السياسية وسخاء الحكومة. وبات عدد كبير من رجال الأعمال في السجن اليوم بتهم فساد، كما صادرت الحكومة بعضا من شركاتهم.
ويرى فابيان، أن غياب الديْن الخارجي وزيادة أسعار النفط قد تعطي النظام الجزائري “عاما أو عامين”، وربما أعادت القروض الثنائية من الصين أو الخليج. ورفض الرئيس عبد المجيد تبون العام الماضي فكرة الاقتراض من صندوق النقد الدولي، بحجة أن ذلك سيحدّ من قدرة بلاده على إدارة سياسة خارجية مستقلة.
وقامت الشرطة الخائفة من حركة الاحتجاج بقمع وملاحقة الناشطين قبل الانتخابات ومنعت مسيرات “الحراك” الذي أطاح ببوتفليقة، وغمرت الحكومة شوارع العاصمة الجزائر بسيارات الشرطة، حيث جرى اعتقال أكثر من 200 شخص بسبب علاقتهم بالاحتجاجات.
وربما حاولت السلطات قمع المعارضة، لكنها تعرف أن الظروف المعيشية باتت قاسية لمعظم الجزائريين الذين يعانون من آثار الإغلاق بسبب فيروس كورونا وإغلاق مصالحهم والتضخم.