يعاني مهنيو قطاع البناء في المغرب منذ عدة أشهر من ارتفاع الاسعار وندوة عدة مواد أولية، أساسية لقطاع البناء والأشغال العمومية مثل الزجاج والألمنيوم والاسمنت، حسبما تداولته وسائل اعلام محلية. فقد ارتفعت أسعار مختلف مواد البناء أول مرة خلال الأزمة الصحية ثم مرة ثانية منذ نشوب الأزمة في أوكرانيا, حسب متعاملين وحرفيين استنادا للصحافة المغربية.
سوق العقارات في المغرب يعيش أزمة واسعة منذ فترة، حسب بيان لفدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين، حذر فيه من تراجع أداء الفدرالية بـ 50 في المائة بعد شهر رمضان، و أن المنعشيين العقاريين الأعضاء بها يعيشون أزمة غير مسبوقة ستؤثر على إمكانية الحفاظ على الآلاف من مناصب الشغل، وتوازن القطاع ككل.
النداء الذي أطلقه عبد الرزاق ولي الله، نائب رئيس الفدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين المكلف بالكتابة العامة قوله ، في ظل استمرار ارتفاع الخط البياني لأسعار مواد البناء، حاولت الفدرالية الوقوف على خلفيات ما يحدث، حيث كان التساؤل هل الأمر مرتبط بالأزمة الروسية الأوكرانية أو نتيجة التعافي الاقتصادي لفترة ما بعد كوفيد ـ 19، أم أن هناك مؤشرات أخطر من ذلك وهي المضاربات والاحتكار والتلاعب بالأسعار تحت يافطة تراجع العرض عالميا”.
ويفسر ولي الله أن أسعار مواد البناء بلغت أرقاما قياسية، مشيرا إلى أن ثمن الزجاج ارتفع بـ 190 في المائة، والنحاس بـ 60 في المائة، والخشب بـ 25 في المائة، وحديد الخرسانة بـ 20 في المائة، والكابلات الكهربائية بـ 30 في المائة.
وأفاد أن الفدرالية قامت بدراسة أظهرت أن هناك مؤشرات مؤثرة تتعلق على وجه الخصوص بفوضى الأسعار التي تستغل الأوضاع العالمية الحالية، وأضاف أن هذا المعطى هو ما دفع هذه الهيئة إلى طلب فتح تحقيق في الموضوع من قبل مجلس المنافسة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للوقوف على خلفيات ما يحدث.
و عليه, وصل سعر عارضة واحدة من الألمنيوم التي كانت تباع ما بين 430 الى 450 درهم مغرب قبل الأزمة الى 700 درهم مغربي اليوم فيما قدر سعر كلغ واحد من الحديد ما بين 7 الى 13 درهم مغربي حسب ذات المصدر.
و من جهته, ارتفع سعر الاسمنت ب 4 درهم مغربي فيما ارتفع سعر الجص ب 3 درهم مغربي للكلغ الواحد.
أما سعر آجر البناء الذي لم يكن يتجاوز 1,5 درهم مغربي قبل الازمة فقد بلغ 2 درهم مغربي حالي حسب المهنيين الذين يتوقعون زيادة جديدة خلال الأيام القادمة.
كما عرفت بعض المنتوجات ارتفاعا هاما على غرار النوافذ الزجاجية بأكثر من 180 بالمئة حسب وسائل اعلام محلية، مؤكدة أن المتر المربع من النوافذ الزجاجية الذي كان يباع ب 90 درهم مغربي قد تجاوز اليوم 260 درهم مغربي.
في هذا الصدد أعرب أحد الباعة عن أسفه قائلا “وقعنا على عقود مع زبائن عندما كان سعر الزجاج مستقرا لنجد أنفسنا منذ ارتفاع الأسعار قد وقعنا في فخ و لم نعد نعرف كيف نسير الوضعية” مشيرا الى أن “عدد الزبائن أصبح ضئيلا أكثر فأكثر منذ ارتفاع الأسعار”.
و حسب المهنيين فان عدة عوامل تشير الى سبب الارتفاع المتواصل: زيادة أسعار المواد الأولية على مستوى الأسواق الدولية بسبب زيادة الطلب وانخفاض العرض وارتفاع أسعار النقل و الوقود و تأثير التوترات الجيو-سياسية.
حزب اليسار: المواطن يعيش أوضاعا صعبة في المغرب أمام تغول الرأس المال وعجز الحكومة
ويذهب الخبير الاقتصادي، مصطفى ملغو في حديث سابق إلى أن سعر الإسمنت قفز من حوالي 5 دولارات للكيس الواحد، إلى أكثر من 6.5 دولارات قبل أن يصل إلى أكثر من 8 دولارات. وتأثرت مبيعات الإسمنت، وفق بيانات الجمعية المهنية لشركات الإسمنت، في العام ما قبل الماضي، بتداعيات الأزمة الصحية على نشاط البناء والأشغال العمومية، إذ انخفضت بنسبة 10 في المائة، بعدما كانت وصلت في عام 2019 إلى 13 مليون طن.
من جهته، قال رشيد ساري، محلل اقتصادي أن بيان الفدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين هو تحصيل حاصل للازمة الاقتصادية المترتبة أساسا على الارتفاع الكبير لمواد البناء جراء الحرب الروسية الاوكرانية.
وأضاف في تصريح لـ “الصحراء المغربية” أن انشغالات الدولة ربما جعلت الاجراءات المتخذة منحصرة فقط في مرحلة أولى في تعويض أرباب النقل لكن القطاعات الأخرى خاصة البناء وأوراش الطرق لم تخضع لتدخل سريع باستثناء منشور رئيس الحكومة رقم 09/2022 بتاريخ 18 أبريل الذي اهتم بمعالجة الصفقات التي هي في طور العمل أو التي لم يشرع في إنجازها.
واستطر المتحدث قائلا “لكن للأسف قطاع العقار لم يسن لفائدته ولا إجراء فعلي مما سيكبد هذا القطاع خسائر فادحة ربما تصل إلى حد الشلل الكلي لاعتبارات عديدة، أولها كما أشرنا سالفا التقلبات الكبير لمواد البناء ونسبة التضخم المرتفعة، أضف إلى هذآ انخفاض نسبة قروض السكن التي عرفت تدهورا كبيرا”.
وتابع رشيد ساري “الانخفاض المحتمل من طرف الفدرالية المعنية بنسبة 50 في المائة يبقى في نظري جد متفائل في الوضع الحالي خاصة وأن تداعيات كورونا لازالت تلقي بظلالها على القدرة الشرائية للمغاربة، اللذين أصبحوا يعزفون حتى على الجلوس في المقاهي فما أدراك باقتناء شقق مرتفعة الثمن”.
وقال المحلل الاقتصادي “إن بيان الفدرالية الذي هو من أربع نقط يتضمن تخفيض رسوم التسجيل والإعفاء الضريبي بالنسبة للأراضي غير المبنية وتمديد اتفاقية الوضع الامتيازي بخصوص السكن الاقتصادي واجراءات أخرى، لكن هذا لا يكفي يجب تدخل الوزارة الوصية وإعطاء دعم للمؤسسات المتضررة. غير ذلك القطاع سيكون معرض للسكتة القلبية”.
كما قررت الفدرالية القيام بمبادرة تتضمن أربع توجهات، حيث تعتزم في الخطوة الأولى عقد لقاء استعجالي مع الوزيرة الوصية على القطاع، وتقديم شكاية موثقة للمجلس الوطني للمنافسة، وطلب تحقيق من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى جانب المندوبية السامية للتخطيط.
أما الخطوة الثانية فتهم البعد الإداري ومساعدة مقتني العقار من خلال طلب تمديد الاتفاقيات بشأن السكن الاجتماعي لمدة سنتين، بسبب صعوبة الحصول التموين وارتفاع الأسعار. إضافة إلى طلب وقف تطبيق الضريبة على القطع الأرضية غير المبنية، وطلب التمديد لمدة سنة لفترة تراخيص البناء بالنظر إلى غياب الرؤية الذي يهيمن على الفاعلين القطاعيين، مع التماس خصم 50 في المائة من تكاليف التسجيل والتحفيظ لفائدة الزبناء ومقتني العقار الذين تأثرت قدراتهم الشرائية خلال السنوات الأخيرة.
وبخصوص خطوة حماية المهنة ضد التوافقات والمضاربات، أعلنت الفدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين أنها ستشرع في إنشاء مركز للشراء يسمح بتنسيق التموين لفائدة فاعلي قطاع البناء سواء من الممونين المغاربة أو الواردات المباشرة من الخارج.
ويشار إلى أن مبيعات الإسمنت، المؤشر الرئيسي لقطاع البناء والأشغال العامة، بلغت حوالي 3.43 مليون طن متم مارس 2022، بارتفاع نسبته 01 بالمائة، مقارنة مع الفترة ذاتها من سنة 2021، وذلك وفقا لمعطيات الجمعية المهنية لشركات الإسمنت.
وحسب الفئة، بلغ إجمالي الشحنات الموجهة لقطاعي “التوزيع” و “الخرسانة الجاهزة”، على التوالي 2.087.845 طن (ناقص 6,35 في المائة) و697.917 طن (زائد 24.45 في المائة).
من جهتها، بلغت أنشطة مبيعات “الجاهزة” و”البناء” و”البنية التحتية”، على التوالي 330.356 طن (زائد 6.94 بالمائة)، و164.804 طن (زائد 2.47 بالمائة)، و147.196 طن (زائد 9.57 بالمائة).
وكانت مبيعات الإسمنت بلغت حوالي 2,23 مليون طن حتى متم فبراير 2022، بارتفاع نسبته 5,81 بالمائة، مقارنة مع الفترة ذاتها من سنة 2021، وذلك وفقا لمعطيات الجمعية المهنية لشركات الإسمنت.
احتجاجات على غلاء الأسعار في 28 مدينة مغربية ومؤشرات تنبئ “بانفجار اجتماعي غير مسبوق”