كان لا بد لنا من آن نعرض لحالة التخبط، والتردد، وعدم القدرة على اتخاذ القرار الذي تغرق في اتونه وزارة التربية والتعليم الأولي والرياضة، وذلك من واقع مشاهداتنا اليومية عن قرب، وهو ما جعلها عنوانا للفشل الذريع في هذا البلد، وعدم القدرة على العطاء، وحتى التراجع عن الانجازات الكبيرة التي حققها جيل الرواد اؤلئك الذين بنوا صروح العلم والمعرفة في هذه البلاد، وهي وزارة يتضاؤل أداؤها الى درجة ان مخرجات العملية التعليمية باتت بهذا المستوى الذي يتراءى عيانا في السلوكيات المدرسية والجامعية، والتي أسفرت عن استعادة روح الغزوة، والخروج على وحدة ووئام المجتمع المغربي، وتكونت الشلل، والعصابات في التكوين الاجتماعي المغربي. وبذلك فشل المجتمع ولا تزال احتجاجات الأساتذة مستمرة في المغرب منذ أكثر من شهرين ما يزيد مخاوف الأسر من تأثيرها على تحصيل التلاميذ وتساؤلات عن إمكانية وكيفية تعويض الزمن المدرسي المهدور خصوصا بالنسبة للمقبلين على امتحانات الباكالوريا.
وبذلك تثبت هذه الوزارة انها بسياساتها الرعناء تستدعي الشارع، ولا تستجيب سوى لصوت الاعتصامات ، وانها لا تحافظ على الامن الوطني، ولا تستجيب بالقدر الذي يجنبنا الفوضى ، وانها غير قادرة على اتخاذ القرار سوى تحت ضغط الشارع، خاصة وان بعض المطالب مضت عليها السنوات دون حل. وبذلك لا بد من تحريك رواكد هذه الوزارة ، وايجاد هيكل اداري جديد يعمل على تفعيلها، ويكون قادرا على اتخاذ القرار المستقبلي، ووقف حالة الجمود التي تنتابها. وان نظرة الى الية عمل هذه الوزارة ستظهر مقدار عجزها عن مواكبة العصر، وهي تعتمد الطريقة اليدوية ، والملفات التي تحوي عشرات التواقيع لاتمام المعاملة الواحدة.
واني لارى ان فشل وزارة التربية والتعليم الأولي والرياضة عن اتخاذ القرارات الصحيحة في حق شرائح مجتمعية سيؤسس لمعارضة شعبية من نوع جديد.
وإذا كان الإجماع غائبا عن هذا قطاع التعليم في المغرب منذ سنوات، فقد حقق بنموسى لأول مرة الإجماع على رفض النظام الأساسي، رغم الأمل الذي علقه عليه كثيرون.
وأظهرت المقاربة التقنوقراطية التي جرى اعتمادها لحل عدد من القضايا الشائكة في قطاع التربية الوطنية، فشل وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى في نزع فتيل الاحتقان بقطاع التعليم، ولأن العبرة بالنتائج، فقد جاز الحكم بفشل شكيب بنموسى، في مهامه، بعدما نجح بإخراج جميع نقابات وتنسيقيات قطاع التعليم إلى الشارع، وأعاد لغة الإضراب والتصعيد بعدما انقشع غمام المفاوضات واتضح عدم جدواها.
و لم تجد وزارة بنموسى من مبررات لحفظ ماء وجهها سوى الاسترسال في تقديم تبريرات يرفضها الأساتذة لأنها تناقض الواقع، لذا أعلنت وزارة التعليم المغربية، أمس الثلاثاء، عن مجموعة من التدابير التي تروم تدارك الزمن المدرسي الضائع، وذلك في ظل استمرار الاحتجاجات الرافضة للنظام الأساسي الخاص بموظفي التعليم والتي تتخللها إضرابات لمدد تتراوح بين 3 إلى 4 أيام أسبوعيا.
“المهمة أُنجزت”.. لجنة العدل والتشريع بمجلس المستشارين تنهي المناقشة التفصيلية قانون “شراء أيام السجن”
وفي بلاغ لها تحت عنوان “خطة وطنية لتدبير الزمن المدرسي والتنظيم التربوي للتعلمات”، قالت الوزارة إنها قررت تمديد السنة الدراسية بأسبوع إضافي بالنسبة للأسلاك الثلاثة (الابتدائي والإعدادي والثانوي)، وتأجيل موعد إجراء الامتحانات الموحدة الوطنية والجهوية والإقليمية بأسبوع.
وإضافة إلى ذلك، أعلنت الوزارة أنه سيتم “تكييف البرامج الدراسية لجميع المستويات التعليمية، من أجل إكمال المقررات الدراسية” و”تعزيز آليات الدعم التربوي من أجل مساعدة التلميذات والتلاميذ على تثبيت مكتسباتهم”.
يأتي ذلك في الوقت الذي تتواصل احتجاجات الأساتذة، إذ أعلن “التنسيق الوطني لقطاع التعليم” (22 تنسيقية) خوض إضراب وطني جديد لمدة ثلاثة أيام متتالية بدءا من اليوم الأربعاء وتنظيم وقفة أمام البرلمان غدا الخميس.
وحمل التنسيق في بلاغ له الثلاثاء “مسؤولية عواقب هدر الزمن المدرسي لكل الأطراف الحكومية التي تراجعت عن التزاماتها بالتحاور الإيجابي مع المعنيين بالأمر لإيجاد مخرج حقيقي للوضع المأزوم”.
جزء كبير من الأزمة التي دخلها قطاع التعليم، خاصة مع تنزيل النظام الأساسي الجديد لموظفي الوزارة، وما أعقبها من إضرابات واحتجاجات متواصلة، يرى متابعون أنه ناتج عن الرؤية التقنوقراطية للوزير بنموسى والمحيطين به، خاصة أن التعليم قطاع اجتماعي مركب ومعقد، ويتطلب استحضار مجموعة من الأبعاد في معالجة مشاكله، خاصة تلك المتعلقة بالموارد البشرية.
وفي الوقت الذي يعرف قطاع التعليم مشاكل كبيرة بسبب تراكم فشل الإصلاحات وتعدد الفئات المتضررة التي ترفع مطالبها، يقرِّب بنموسى من دائرته أشخاصا لا خبرة سياسية أو نقابية كبيرة لهم، ما يؤشر على مزيد من الارتباك في علاقة الوزارة بالأساتذة، لا سيما بعد فشل مشاورات النظام الأساسي، التي امتدت لما يناهز سنتين، قبل أن يدخل رئيس الحكومة على الخط لترميم فشل وزيره في التعليم ونزع فتيل الاحتقان الذي عمر لأشهر. وهو سحب البساط من تحت أقدام “عراب النموذج التنموي” في أعقاب تكليف لجنة ثلاثية بإدارة الحكومة ونقابات التعليم.
تعليقا على الموضوع، يرى الخبير التربوي عبد الناصر ناجي، أنه “إذا استمرت إضرابات الأساتذة لن تكون هناك فائدة من أي إجراء أو تدبير لوزارة التعليم”، مردفا أنه “بدون عودة الأساتذة لا يمكن الحديث عن تدارك الموسم الدراسي مما يستوجب على الحكومة معالجة أسباب الإضراب وإخراج نظام أساسي يستجيب لمطالب رجال ونساء التعليم”.
وقال عبد الناصر ناجي في تصريحات إعلامية، إلى أنه “في حال عودة الأساتذة إلى المدارس خلال الأسبوع الجاري سينبغي التعامل مع التلاميذ على أنهم في وضع استثنائي بالاعتماد على ممارسات بيداغوجية تساعد على تحصيل دراسي أقوى من الأيام العادية وخطة قوية للدعم التربوي”.
و انتقد ناجي تمديد الموسم الدراسي لأسبوع واحد، وقال إنه “لا يمكن خلال أسبوع تدارك ما ضاع لمدة عشرة أسابيع أو أكثر”، مشددا على أن “انقطاع التلاميذ عن الدراسة منذ بداية الموسم يشكل خسارة مضاعفة بسبب تراكم التعثرات وإمكانية نسيان ما تم تحصيله سابقا”.
وحذر المتحدث ذاته من “تكييف الامتحانات وفق مستوى قدرات التلاميذ خاصة بالنسبة لامتحانات البكالوريا التي تشكل نسبة النجاح فيها هاجس كل الحكومات المتعاقبة” وفق تعبيره.
من جهته، قال رئيس “الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ”، نور الدين عكوري، إن التمديد لأسبوع “رغم ضياع 50 يوما من زمن التعلم مرتبط بالامتحانات الإشهادية وخاصة البكالوريا”، موضحا أن الاقتصار على أسبوع جاء “لتجنب حرمان التلاميذ من إجراء اختبارات الالتحاق بالمعاهد والجامعات داخل وخارج البلاد”.
وأضاف عكوري في تصريح صحفية، أن “الخطة سترتكز على تدريس المواد الأساسية في كل مستوى مع تخفيف البرنامج الدراسي والمواكبة بالدعم التربوي”، مشيرا إلى أن “الأساتذة المضربين سيتم تعويضهم بإدماج ساعات إضافية مؤدى عنها من طرف الأساتذة الملتحقين بعملهم أو المتقاعدين أو طلبة السنة الختامية بمدارس التعليم العليا تحت إشراف المفتشين”.
مع ذلك، يرى عكوري أن “خطة الحكومة لإنقاذ السنة الدراسية الحالية تبقى غير كافية أمام استمرار بعض الأساتذة في الإضراب وحرمان التلاميذ من حقهم في التعلم أسوة بزملائهم في القطاع الخاص”.
وأكد المتحدث ذاته أن إضراب الأساتذة “تسبب في شلل المدرسة العمومية” معتبرا أن “انقطاعهم عن العمل يخالف ما جاء في قانون الوظيفة العمومية”.
ويطالب المعلمون بزيادة معاشات التقاعد والرجوع إلى نظام الأساتذة القديم التابعين مباشرة لوزارة التربية الوطنية، وليس العمل بعقد محدد أو طويل الأمد، والحفاظ على حقوقهم في التقاعد والترقية، بالإضافة إلى خفض ضرائب الأجور والتعويضات وإلغاء الاقتطاع الضريبي من المعاشات.
نوفمبر الماضي ،طالب حميد بوغلالة، عضو التنسيقية الوطنية لقطاع التعليم في الدار البيضاء، وزارة التربية الوطنية بسحب النظام الأساسي “الذي نعتبره نظام المآسي، والذي فيه تراجعات كثيرة ومهام كبيرة للأساتذة دون أي تعويض”.
وبحسب بوغلالة، فالحكومة المغربية وضعت بهذا النظام الأساتذة خارج نظام قطاع الوظيفة العمومية، قائلاً: “نحن لا نطالب فقط بتجويد النظام وتكييفه بشكل جيد وملائم وإرجاعه لطاولة الحوار، بل مطالبنا تتركز حول إلغائه بصفة نهائية”.
وأردف: “الحكومة المغربية مطالبة بزيادة مهمة في أجور الأساتذة، وأيضاً إدماج الأساتذة المتعاقدين في أسلاك الوظيفة العمومية، وجعلهم تابعين مباشرة لوزارة التربية الوطنية، وليس العمل بعقد محدد أو طويل الأمد، مع الحفاظ على حقوقهم في التقاعد والترقية”.
وكان رئيس الحكومة الملياردير عزيز أخنوش عقد اجتماعاً في بداية نوفمبر الماضي مع النقابات التعليمية الموقعة على اتفاق يناير 2023، وهي الجامعة الوطنية للتعليم، والنقابة الوطنية للتعليم، والجامعة الحرة للتعليم، والنقابة الوطنية للتعليم، وتعهد بإصلاح النظام الأساسي “تماشياً مع تطوير إصلاح القطاع”.