“فضائح تفويت العقارات الجماعية: هل يتحوّل الاستثمار إلى غطاء للهدر والفساد؟”

0
100

في خضم ما يتردد من أخبار وتسريبات متواترة عن تفويتات مشبوهة لأراضٍ جماعية بأثمان زهيدة، يطفو على السطح سؤال جوهري: هل أصبح شعار “تشجيع الاستثمار” مجرد قناع لتبييض صفقات هدر المال العام؟ هذا ما تلمح إليه الاستفسارات التي نقلها عمال الأقاليم إلى رؤساء جماعات بجهات الدار البيضاء-سطات، مراكش-آسفي، وفاس-مكناس، والتي تشير إلى تورط أسماء وازنة في عمليات تفويت عقارات جماعية بطرق تثير الشبهات.

ما وراء الأثمان الزهيدة: الاستثمار أم الإثراء؟

حسب ما كشفت عنه مصادر موثوقة لجريدة هسبريس الإلكترونية، فإن لجان تفتيش أُوفدت إلى هذه الجهات على إثر شكايات وتقارير توصلت بها وزارة الداخلية، كشفت أن بعض الأراضي الجماعية التي تم تفويتها تحت ذريعة الاستثمار، قد استغلت لإنشاء مشاريع عقارية وتجارية تدر أرباحاً ضخمة للخواص، في تناقض صارخ مع فلسفة التنمية المحلية.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل نحن بصدد اقتصاد موجه فعلاً نحو النفع العام، أم أن هناك نخبة سياسية محلية تستغل ثغرات القانون للتربّح الشخصي؟

السياق الوطني: ملكيات جماعية بلا حماية

تطرح هذه المعطيات إشكالات بنيوية في تدبير الأملاك الجماعية، وهي ليست جديدة، بل تعكس، وفق تقارير صادرة عن المجلس الأعلى للحسابات، اختلالات متراكمة في الحوكمة العقارية للجماعات الترابية. ففي تقريره لسنة 2022، نبّه المجلس إلى أن “نسبة كبيرة من الأملاك الجماعية غير محفظة، ما يجعلها عرضة للتصرفات غير القانونية”، وهو ما تناغم مع ما أكدته مديرية الممتلكات بوزارة الداخلية في خطتها الأخيرة، التي تهدف إلى حصر وتحصين العقارات الجماعية عبر التحفيظ والإحصاء الشامل.

فهل تتجاوز الحكومة منطق رد الفعل بعد الفضيحة، نحو بناء سياسة عقارية وقائية شفافة؟

السياق الدولي: عندما تلتقي اللامركزية بسوء النية

لا تنفصل هذه الظاهرة عن ما تطرحه تجارب دولية مشابهة. في العديد من البلدان التي تبنت خيار اللامركزية، كان نقل الاختصاصات إلى الجماعات المحلية محفوفاً بمخاطر سوء التدبير، خاصة حين يغيب التكوين، وتضعف آليات الرقابة الداخلية والخارجية. البنك الدولي، في أحد تقاريره (2021)، نوّه إلى أن “اللامركزية دون تقوية آليات الشفافية والمساءلة قد تفتح الباب أمام فساد محلي أكثر خفاءً”.

في الحالة المغربية، فإن هذا التحدي يتعاظم بفعل غياب قاعدة بيانات رقمية وطنية محدثة للأملاك الجماعية، واستمرار الاعتماد على أساليب تقليدية في الجرد والتتبع.

تواطؤات صامتة أم فشل في الحكامة؟

المعطيات المسربة تشير أيضاً إلى ما هو أخطر: تفويتات لأراضٍ في مواقع استراتيجية، بعقود “مبادلة” و”تسويات” لصالح منعشين مقربين أو منتخبين وموظفين جماعيين في حالة تضارب مصالح.

بل إن بعض رؤساء الجماعات، بحسب ما نقلته مصادر هسبريس، تجاهلوا عمداً تنفيذ أحكام إفراغ محتلي عقارات جماعية، ما يطرح تساؤلاً صارخاً: هل نحن أمام حالة تواطؤ ممنهج؟ أم أن ضعف الكفاءة وقصور المراقبة الداخلية وراء هذا الانفلات؟

نحو إصلاح شمولي أم ترقيع ظرفي؟

الملاحظ أن وزارة الداخلية –وفق نفس المصادر– بدأت تضيق الخناق عبر خطة شاملة لحماية الأملاك الجماعية، لكنها في الآن ذاته أقرت –ضمنياً– بأن الإصلاح التشريعي وحده غير كافٍ، ما دام لا يواكب بإجراءات إدارية وتقنية، على رأسها تحفيظ الممتلكات، وتعزيز الرقمنة، وإنشاء هيئة مستقلة للرقابة العقارية المحلية.

فهل تشكل هذه الخطوة بداية مسار تصحيحي فعلي؟ أم أنها مجرد استجابة ظرفية لاحتواء الغضب الشعبي والإعلامي؟

الخلاصة: هل يملك المغرب شجاعة كسر دائرة الإفلات من العقاب؟

ما يجري تداوله من استفسارات ومراقبة هو إشارة إيجابية على يقظة إدارية آخذة في التبلور، لكن دون نتائج ملموسة تُترجم إلى متابعات قضائية حقيقية وأحكام رادعة، ستظل هذه الجهود ناقصة، وستبقى الجماعات الترابية خزائن مفتوحة لمن يحسن اللعب داخل دواليبها.

في نهاية المطاف، على الدولة أن تجيب عن سؤال حرج: هل تتعامل مع الجماعات باعتبارها شريكاً في التنمية، أم مجرد محمية سياسية تُدار بمنطق الولاءات والمصالح؟