فضيحة الشهادات الجامعية المدفوعة: هل يقف المغرب أمام لحظة مساءلة عميقة لمنظومة التعليم العالي؟

0
107

تحقيقات القضاء المغربي في فضيحة التلاعب بالشهادات الجامعية مقابل مبالغ مالية، التي تورط فيها أستاذ بجامعة ابن زهر بأكادير، كشفت عن زلزال أخلاقي يمس أحد أقدس المجالات: التعليم. ما بدأ كاتهام فردي سرعان ما تحول إلى قضية رأي عام تتقاطع فيها خيوط السلطة، المال، والجامعة، وتضعنا أمام سؤال مقلق: هل نعيش حالة فساد بنيوي داخل التعليم العالي أم مجرد انزلاق فردي؟

شهادة بثمن… ومكانة مزيفة

المتهم، وهو أستاذ بكلية الحقوق، يوجد رهن الاعتقال بالسجن المحلي “الوداية” بمراكش بعد متابعته من طرف قاضي التحقيق، وسط معطيات صادمة تفيد بأنه أشرف على منح شهادات الماستر والدكتوراه مقابل مبالغ مالية مهمة، استفاد منها محامون وموظفون وأبناء ميسورين. القضية لا تقتصر على رشوة أو فساد إداري، بل تهدد بنسف الثقة في الشهادة الجامعية المغربية، وتحولها إلى سلعة قابلة للتفاوض والتفويت، وهو ما يُعتبر ضربًا في صميم مبدأ تكافؤ الفرص.

لكن هل هذا الأستاذ كان لوحده؟ هل نسج خيوط الفساد بمفرده أم داخل منظومة متكاملة تغض الطرف عن مثل هذه الانزلاقات؟

المال العام والعدالة الاجتماعية في مهب الريح

مصادر التحقيق أفادت بأن الهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية تقدمت بشكاية في 2023 ضد الأستاذ ذاته، أشارت فيها إلى وجود “شبكة” تُعطى فيها الشهادات بمقابل مالي، وتُقصى فيها كفاءات حقيقية لصالح أصحاب النفوذ والمال. ما الذي يمنع إذن تكرار هذه الحالة في جامعات أخرى؟ وهل لدينا آليات صارمة لضبط الشفافية في الولوج إلى الدراسات العليا؟

وإذا كانت هذه الشهادات تُستغل في الترقيات الإدارية، فهذا يعني أن المال العام قد تم استنزافه بقرارات مبنية على وثائق مشكوك في نزاهتها. وهنا يصبح السؤال أكثر إلحاحًا: من يضمن اليوم أن الإدارة العمومية تسير بكفاءات حقيقية وليست مزورة؟

حين تختلط السياسة بالجامعة

القضية أخذت بُعدًا سياسيًا بعد الكشف عن أن الأستاذ المتابع كان يشغل منصب منسق إقليمي لحزب الاتحاد الدستوري بأكادير، وهو ما دفع الحزب إلى تجميد عضويته فور تفجر الفضيحة. هل كانت الجامعة جسرًا لتمكينه من موطئ قدم سياسي؟ وهل نحن أمام نمط جديد من التداخل بين النفوذ الأكاديمي والطموحات السياسية؟

ما يجدر التحذير منه هو استغلال التعليم العالي كبوابة لـ”تبييض” المكانة الاجتماعية والسياسية، على حساب الجدارة والاستحقاق.

نحو مراجعة شاملة لمنظومة الشهادات؟

القضية التي تنظر فيها محكمة الاستئناف بمراكش يجب أن تشكل، إذا ما أُحسن التعامل معها، نقطة تحول في سياسة الدولة تجاه الجامعات. فهل آن الأوان لفتح ورش وطني لمراجعة معايير القبول في سلكي الماستر والدكتوراه؟ وهل نمتلك اليوم منظومة معلوماتية شفافة تُسهل التتبع والمراقبة؟

لا يمكن بناء اقتصاد قائم على الكفاءة، ولا إصلاح الإدارة، ولا تعزيز الثقة في المؤسسات، في ظل منظومة تعليمية مخترقة.

في الختام…

هذه القضية أبعد من مجرد أستاذ وطلاب مشبوهين، إنها إنذار مدوٍّ لواقع يحتاج إلى مراجعة. إنها لحظة لاختبار جدية الدولة في محاربة الفساد داخل الجامعات. فهل نمتلك الشجاعة لإصلاح عميق يعيد للجامعة المغربية هيبتها ومصداقيتها؟

العدالة ستقول كلمتها، ولكن هل سنتوقف عند حدود القضاء، أم نُكمل الطريق نحو إصلاح شامل؟