مافيا مواعيد الفيزا في المغرب: حين تتحول الخدمة العمومية إلى سلعة في السوق السوداء! تحقيق تحليلي | صحافة نظر وسياق في واحدة من أكثر الحلقات الصريحة من بودكاست “مايند سيت”، خرج مواطن مغربي عن صمته، ليكشف – بعفوية صادمة – حجم التلاعبات التي تطال عملية الحصول على مواعيد التأشيرات “الرونديفو” في المغرب، لا سيما عند السفارات الأوروبية.
“باش تشد نوبتك للفيزا خاصك 2000 ولا 3000 درهم… بلا رشوة، نساها!” بهذه العبارة، يفتح المتحدث باباً على واقع مرير يعانيه آلاف المغاربة يومياً، وخاصة الشباب، ممن يحلمون بالسفر للدراسة، العمل، أو حتى السياحة… لكنهم يصطدمون بـ”مافيا” غير مرئية تتلاعب في مواعيد القنصليات وتحتكر الوصول إليها.
“الرونديفو” صار تجارة: من المسؤول؟ المواطنون لا يتهمون أشباحاً، بل يشيرون إلى شبكة متعددة الأطراف: شركات وسيطة متعاقدة مع السفارات (مثل TLS، VFS…) مواقع إلكترونية يتم اختراقها أو تسخيرها لحجز المواعيد بالجملة ثم إعادة بيعها موظفون “من الداخل” يُسهّلون المرور مقابل عمولات لكن السؤال الذي يُطرح بقوة: هل هناك إرادة سياسية فعلية لكشف هذه الشبكة؟ أم أن الجميع يستفيد من “الوضع القائم”، ما دام المواطن البسيط وحده من يدفع الثمن؟
من الفيزا إلى البلديات: نفس المنطق ونفس “الوسيط” الفضيحة لا تقف عند “الرونديفو”، فالمتحدث نفسه روى أنه حتى في أبسط المعاملات الإدارية داخل الجماعات المحلية، كالبلدية، يضطر المواطن إلى “الوساطة” لتجاوز الطوابير أو تسريع الوثائق. “مشيت نوقف في الصف مع الناس، قلت نكون مواطن صالح… جا واحد سمّيتو محمد، داز قدامي ومشى يقضي، علاش؟ حيت عندو معرفة.” فهل يعاني المغرب من أزمة خدمات؟ أم من أزمة “عدالة في الولوج” إلى هذه الخدمات؟ وهل يعكس هذا الواقع تقويضاً يومياً لمفهوم المواطنة نفسه؟
“العيد بلا طبيب”: الصحة أيضًا رهينة الفوضى في لحظة أخرى مؤلمة، يقصّ الرجل كيف عانى ألماً شديداً في يوم العيد، وذهب لمستعجلات مستشفى بيكّرا، ليكتشف أن الطبيب المكلف بالطوارئ غير موجود، وأن من يفترض به إنقاذ المرضى كان يشرب “البيرة” في المكتب، حسب شهادته. “فتحت الباب لقيتو كيشرب بريريدات… هذا هو الطبيب اللي خاصو يكون كيعتني بينا؟” هنا ننتقل من أزمة الفيزا إلى أزمة إنسانية في النظام الصحي، حيث يُترك المواطن لمصيره في لحظات حرجة. أين الرقابة؟ وأين الأخلاقيات؟ وماذا عن كرامة الإنسان المغربي؟
“بلادي ولا فرنسا؟” سؤال يطرحه الشباب يوميًا ما يؤلم أكثر هو المقارنة الحارقة التي عقدها المتحدث بين ما شهده في فرنسا من احترام للنظام وتكافؤ الفرص، وبين ما يعيشه في وطنه من فساد صغير يتكرر كل يوم: “ففرنسا كتوقف في الصف، كتعرف نوبتك، ماكين لا رشوة لا باك صاحبي… أما فالمغرب، إلى ما خلّصتي، ما تدير والو.”
هل نبالغ إذا قلنا إن هذا الإحساس يفقد المواطنين ثقتهم في وطنهم؟ وهل يمكن لهذا التراكم من الظلم أن يمرّ دون أن يولّد موجة غضب اجتماعي في قادم السنوات؟
الفيزا ليست المشكلة… بل ما تعريه من واقع الرونديفو والفيزا، الرشوة في المستشفيات والبلديات، سوء الخدمات في العطل والمناسبات، كلها أعراض لمرض عميق اسمه “غياب الحوكمة العادلة” و**”تآكل الثقة في المؤسسات”**. فهل يمكن اعتبار هذه الشهادات “صرخة تحذير” يجب أن تُسمع في البرلمان والحكومة؟ أم سنكتفي كعادتنا بالقول: “هادو كيهضرو بزاف” وندفن رؤوسنا في رمال التطبيع مع الرداءة؟
الرسالة الأخيرة: هل ما زال في المغرب متسعٌ للأمل؟ رغم كل شيء، كان صوت المتحدث حاملاً لأمل خافت، حين قال: “أنا بغيت نرجع ونعيش مع ولادي هنا، ولكن خاصنا نبدلو، خاصنا نغوتو، حيت لا غوتناش، غيبقاو الشفارة هما اللي كيهضرو.” الأمل إذن، ليس في الهروب، بل في المطالبة بالتغيير.
لكن هذا التغيير لن يحدث ما لم تتحرك الصحافة، والمؤسسات، والمجتمع المدني، لطرح الأسئلة المحرجة، ولرفض التطبيع مع الفساد الصغير… الذي يصنع الكارثة الكبرى.