“فوزي لقجع وكلفة الفساد في المغرب: دعوة للمساءلة أم مناورة سياسية؟ تحليل لموقف الحكومة وهيئة النزاهة وتحديات مكافحة الفساد”

0
233

في خضم الجدل السياسي حول قضايا الفساد والميزانية المخصصة للحوار الاجتماعي في المغرب، برزت تصريحات فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، التي دعى فيها رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، محمد البشير الراشدي، إلى توضيح الرقم المثير للجدل بشأن كلفة الفساد في المغرب، والتي تُقدر بـ 50 مليار درهم سنوياً.

هذه الدعوة جاءت في سياق مناقشة مشروع قانون المالية لعام 2025، في الوقت الذي قارنت فيه المعارضة بين هذه الكلفة الضخمة وبين المبالغ التي خصصتها الحكومة للحوار الاجتماعي.

لكن، هل كانت هذه الدعوة فعلاً خطوة نحو المساءلة الحقيقية؟ أم أنها مجرد مناورة سياسية تهدف إلى تحييد المسؤولية عن الحكومة؟

السياق الأساسي: من أين جاء رقم 50 مليار درهم؟

في تقريرها السنوي لعام 2023، كشفت الهيئة الوطنية للنزاهة أن الفساد يكلف المغرب حوالي 50 مليار درهم سنوياً، ما يعادل 4% من الناتج الداخلي الخام. وأضاف التقرير أن 23% من المقاولات المغربية تعرضت لأفعال الفساد، كما أشار إلى أن ترتيب المغرب في مؤشرات إدراك الفساد لم يتحسن طوال العشرين سنة الأخيرة.

التساؤل الأهم: لماذا لا يتم تقديم حلول عملية؟

إن الرقم الضخم الذي ذكرته الهيئة يشير إلى أبعاد خطيرة للفساد الذي يعصف باقتصاد المملكة. لكن يبقى السؤال: لماذا لم تستطع الهيئة منذ تأسيسها تقديم حلول فعالة للحد من هذه الكلفة؟ وهل الأرقام التي تصدرها الهيئة تعكس الواقع الفعلي، أم أنها مجرد تقديرات تستند إلى فرضيات غير دقيقة؟ وماذا تعني هذه الأرقام في غياب آليات تنفيذ حقيقية لمكافحة الفساد؟

لقجع بين المساءلة والمناورة: هل الدعوة لتفسير الرقم كافية؟

تصريحات فوزي لقجع، والتي بدا فيها وكأنه يشكك في الرقم الذي قدمته الهيئة، تثير جدلاً واسعاً. حيث قال:
“هي دعوة صريحة وواضحة لشرح من أين يأتي مبلغ 50 مليار درهم، لأننا نتحدث هنا عن أربع نقاط من الناتج الداخلي الخام.”

لكن، هل الدعوة فقط لتفسير الرقم تكفي لتقديم الحلول الفعالة؟ إذا كان لقجع، وهو المسؤول المباشر عن الموازنة العامة للدولة، يطالب بتفسير الرقم دون تقديم حلول أو آليات للتعامل مع هذه الكلفة، فما هي القيمة الفعلية لتصريحاته؟

هل هو مجرد تحرك سياسي لتحويل الأنظار عن الحكومة وقراراتها الاقتصادية؟

الحوار الاجتماعي: أولوية أم ورقة سياسية؟

إلى جانب دعوته لتوضيح رقم كلفة الفساد، استغل لقجع المناسبة للحديث عن إنجاز الحكومة في موضوع الحوار الاجتماعي. حيث أشار إلى أن الحكومة ضخت 44 مليار درهم لدعم الأطباء وأساتذة التعليم العالي وموظفي التربية الوطنية. لكن هذا الرقم يثير التساؤلات: إذا كانت كلفة الفساد تقدر بـ 50 مليار درهم سنوياً، فكيف يمكن أن تكون كلفة الحوار الاجتماعي أقل منها؟

هل تسعى الحكومة لتحقيق توازن بين مكافحة الفساد وتمويل المشاريع الاجتماعية؟ أم أن الحكومة تستخدم هذه المشاريع لتجميل صورتها أمام الشارع المغربي ولإبراز إنجازاتها؟

هيئة النزاهة: هل هي مجرد هيئة رمزية؟

الهيئة الوطنية للنزاهة، التي أُسست لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، تواجه انتقادات متزايدة. تقرير الهيئة الأخير الذي تناول كلفة الفساد والركود في ترتيب المغرب بمؤشرات إدراك الفساد أثار ردود فعل حادة من بعض الوزراء.

إذا كانت الهيئة عاجزة عن تقديم حلول عملية لمكافحة الفساد، فما هي القيمة الحقيقية لتقاريرها؟ وهل يمكن للهيئة أن تستمر كجهة محايدة ذات تأثير إذا لم تتوفر لها صلاحيات تنفيذية حقيقية؟

أبعاد سياسية واقتصادية: من يدفع ثمن الفساد؟

تصريحات لقجع أعادت تسليط الضوء على ملف الفساد، ولكن النقاش لم يتطرق إلى تفاصيل حاسمة:

  • مصادر الفساد: ما هي القطاعات الأكثر تضرراً من الفساد؟ وهل هناك علاقات بين الفساد وهيمنة بعض النخب السياسية والاقتصادية؟

  • التدابير الحكومية: ماذا فعلت الحكومة فعلاً لمكافحة الفساد؟ هل لديها الجرأة لمواجهة مراكز النفوذ التي تغذي هذه الظاهرة؟

إن الحكومة لا تكتفي بالحديث عن الفساد، بل يجب عليها تقديم خطوات واضحة لمكافحته، بدءاً من تعميق الإصلاحات التشريعية وصولاً إلى تعزيز آليات الرقابة على المؤسسات العمومية.

هل تصريحات لقجع بداية لتغيير أم استراتيجية للتغطية؟

في النهاية، تبقى تساؤلات جوهرية: هل دعوة لقجع لتفسير كلفة 50 مليار درهم تشير إلى بداية تحول حقيقي في سياسات الحكومة لمكافحة الفساد؟ أم أنها مجرد محاولة لتحويل النقاش بعيداً عن جوهر المشكلة: الممارسات الفعلية التي تغذي الفساد في البلاد؟

إن هذه الدعوة يمكن أن تكون خطوة نحو تعزيز الشفافية، لكنها قد تكون أيضاً مناورة سياسية تهدف إلى امتصاص غضب الشارع وإبعاد الانتقادات عن الحكومة، دون تقديم حلول حقيقية.

خاتمة: ما المطلوب اليوم؟

إذا كان المغرب يسعى فعلاً لتقليص كلفة الفساد التي تهدد اقتصاده ومصداقية مؤسساته، يجب أن تبدأ الخطوة الأولى بتمكين الهيئة الوطنية للنزاهة من أدوات فعلية لمكافحة الفساد. علاوة على ذلك، يجب على الحكومة تبني إصلاحات جذرية بدلاً من الاكتفاء بالتصريحات والشعارات.

الاختبار الحقيقي هو: هل ستترجم هذه التصريحات إلى إجراءات ملموسة وفعالة، أم ستبقى مجرد سجال سياسي لا يُغير من الواقع شيئاً؟