فيدرالية اليسار تدق ناقوس الخطر: تضارب المصالح يفتح النقاش حول حدود الشفافية والمساءلة في المغرب

0
125

في خضم سجالات سياسية وإعلامية متصاعدة، دعت فيدرالية اليسار الديمقراطي إلى فتح تحقيق قضائي عاجل في ما وصفته بـ”شبهات فساد واستغلال نفوذ”، مستندةً إلى ما أوردته تسريبات إعلامية أثارت جدلاً واسعاً، وعلى رأسها ما بات يعرف بـ”تسريبات جبروت”، التي أعادت تسليط الضوء على قضايا تضارب المصالح في صفوف عدد من وزراء الحكومة الحالية.

البيان الصادر عن المكتب السياسي للفيدرالية لم يكتف بسرد الاتهامات، بل عبّر عن قلق بالغ إزاء ما أسماه تزايد المؤشرات على تحكم منطق المصالح الخاصة في قرارات عمومية حساسة، سواء تعلق الأمر بصفقات وتفويتات أو بمعطيات تهم التهيئة المجالية والجبايات، ما يجعل من سؤال الشفافية والمساءلة قضية مركزية في تدبير الشأن العام.

وإن كانت الاتهامات لا تزال في دائرة الإعلام، إلا أن الفيدرالية تعتبر أن هذه المعطيات تستدعي تحقيقاً نزيهاً وشفافاً، ليس فقط لتبيان المسؤوليات، بل لتجديد الثقة في المؤسسات، خاصة في ظل ما وصفته بـ”الإفلات من العقاب” في جرائم المال العام، والذي تقول إنه أصبح “قاعدة شبه مألوفة”.

المثير للانتباه في البيان هو ربط هذه الممارسات بسياق أوسع من التهميش الاجتماعي والاقتصادي الذي تعرفه مناطق عدة من البلاد، مما يعكس تفاقم الإحساس بـ”لاعدالة التوزيع” و”لاعدالة المحاسبة”، ويعزز الشعور العام بأن هناك فجوة متزايدة بين الخطاب الرسمي والتطبيق العملي لمبادئ الحوكمة الرشيدة.

البيان كذلك توقف عند ما اعتبره استهدافاً ممنهجاً للصحفيين والنشطاء المناهضين للفساد، في وقت لا تزال فيه الصحافة المستقلة والمجتمع المدني يحاولان الاضطلاع بدورهما في الرقابة المجتمعية. وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى استعداد الدولة لاحتضان الأصوات الناقدة ضمن فضاء ديمقراطي تعددي.

من جهة أخرى، عبّرت الفيدرالية عن استعدادها لخوض معركة مجتمعية ضد الفساد، من خلال الإعلان عن تنظيم “يوم احتجاج وطني” دفاعاً عن كرامة المبلّغين عن الفساد، وهو ما يمكن قراءته كخطوة لتوسيع النقاش من داخل المؤسسات الحزبية إلى الفضاء العمومي، عبر استنهاض وعي جماعي يعيد الاعتبار لفكرة المصلحة العامة.

في السياق نفسه، يرى عدد من المتابعين أن دعوة الفيدرالية، رغم طابعها السياسي، تسائل بنية المنظومة الرقابية والقضائية، ومدى استقلاليتها وقدرتها على التحرّك في قضايا يتداخل فيها النفوذ السياسي بالمصالح الاقتصادية. كما تضع الحكومة أمام مسؤولية الرد العملي، لا الخطابي، على الاتهامات، من خلال تفعيل آليات الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة كما ينص عليه دستور المملكة.

وإذا كانت هذه الاتهامات لا تزال تحتاج إلى تدقيق قضائي، فإن الأهم هو أن لا تتحول الجرأة على التبليغ إلى تهمة، ولا النقد إلى تهديد، لأن ذلك – في المحصلة – لا يهدد فاعلاً بعينه، بقدر ما يهدد ثقة المواطن في المنظومة بأكملها.