فيضانات آسفي: حين ينتقل القرار من التعليمات الملكية إلى اختبار الفعل الميداني

0
82

لم يكن اجتماع عامل إقليم آسفي، المنعقد اليوم الجمعة بمقر العمالة، مجرد محطة إدارية عابرة في روزنامة التدبير الترابي، بل جاء محمّلاً بدلالات تتجاوز شكل اللقاء إلى جوهره. فالفيضانات التي ضربت الإقليم لم تكن حدثاً طبيعياً معزولاً، بقدر ما كانت لحظة كاشفة لهشاشة عمرانية واجتماعية تراكمت على مدى سنوات، وامتحاناً جديداً لقدرة الإدارة الترابية على تحويل التوجيهات الملكية إلى إجراءات ملموسة يشعر بها المتضررون في تفاصيل حياتهم اليومية.

الاجتماع، الذي انعقد تنفيذاً للتعليمات السامية للملك محمد السادس الداعية إلى التعبئة الشاملة لمؤازرة المتضررين من هذه الفيضانات الاستثنائية، جمع طيفاً واسعاً من المتدخلين: من اللجنة الإقليمية لليقظة والتتبع، إلى المنتخبين، وممثلي المصالح اللاممركزة والمؤسسات العمومية، مروراً بالغرف المهنية والتجار والحرفيين، وصولاً إلى ممثلي الساكنة المتضررة وفعاليات المجتمع المدني. هذا الحضور المتعدد ليس تفصيلاً شكلياً، بل يعكس إدراكاً بأن تدبير الكوارث لم يعد شأناً تقنياً صرفاً، بل ورشاً جماعياً تتقاطع فيه المسؤوليات وتُختبر فيه الثقة بين الدولة والمواطن.

وخلال الاجتماع، جرى استعراض مكونات برنامج إعادة التأهيل، الذي وُصف بكونه ذا طابع استعجالي، لكنه في العمق يحمل رهانات أبعد من منطق “الإسعاف المؤقت”. البرنامج يتضمن تدابير عملية للتخفيف الفوري من آثار الكارثة: مساعدات مستعجلة للأسر التي فقدت ممتلكاتها، التكفل بالمنازل المتضررة عبر أشغال الترميم الضرورية، وإعادة بناء وتأهيل المحلات التجارية المتضررة، مع مواكبة أصحابها. غير أن القيمة الحقيقية لهذه التدابير لا تكمن فقط في عناوينها، بل في طريقة تنزيلها، وفي مدى احترامها لروح التوجيهات الملكية التي تضع كرامة المواطن وضمان شروط العيش اللائق في صلب أي تدخل عمومي.

اللافت في هذا السياق هو التأكيد المتكرر على ضرورة التنسيق المحكم بين مختلف المتدخلين، والتجند الكامل لتسريع وتيرة التنفيذ. وهو تأكيد يعكس، بشكل غير مباشر، وعياً بتجارب سابقة أُطلقت فيها برامج واعدة، لكنها تعثرت عند أول اختبار ميداني بسبب تداخل الصلاحيات، أو بطء المساطر، أو غياب الحكامة في التنزيل.

فيضانات آسفي، إذن، لم تفرض فقط أجندة استعجالية لإعادة التأهيل، بل أعادت إلى الواجهة أسئلة أعمق: عن نجاعة السياسات الوقائية، وعن التخطيط العمراني، وعن العدالة المجالية في توزيع الاستثمارات والبنيات التحتية. والاجتماع الذي ترأسه عامل الإقليم يظل خطوة ضرورية في مسار المعالجة، لكن نجاحه الحقيقي سيقاس بمدى انتقاله من لغة الالتزامات إلى أثر ملموس يرمم البيوت، يعيد فتح المحلات، ويعيد قبل ذلك الإحساس بالأمان والثقة لدى ساكنة وجدت نفسها في مواجهة قاسية مع الطبيعة… ومع اختلالات راكمها البشر.