بلغ سقف الدين الوطني في المغرب حوالي 100 مليار دولار بزيادة 10 في المئة على أساس سنوي، في وقت تشهد فيه المملكة ارتفاع معدلات التضخم وأسعار المواد الغذائية على وجه الخصوص.
الرباط – ذكرت مصادر متطابقة، بزيارة كريستالينا جورجيفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، بالمغرب ابتداء من غذا السبت والأحد .
وتأتي زيارتها في إطار متابعة الأعمال التحضيرية لعقد الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي المقرر عقدها في الفترة من 9 إلى 15 أكتوبر المقبل في مراكش.
وستلتقي مديرة صندوق النقد الدولي برئيس الحكومة ووزير الاقتصاد والمالية. وبحسب أليكس سيغورا أوبيرغو، مستشار صندوق النقد الدولي، الذي أعلن الخبر اليوم الخميس خلال ورشة عمل، نظمها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووزارة الاقتصاد والمالية في الرباط، فإن كريستالينا جورجيفا ستلتقي أيضًا بفاعلين في المجتمع المدني، الذي سيتم دعوته، لأول مرة، إلى الاجتماعات العامة لمؤسستي بريتون وودز.
البنك الدولي يوافق على قرض جديد للمغرب بـ350 مليون دولار.. البلاد تغرق “دين المغرب يتجاوز 100 مليار دولار”
وأخيرًا، خلال وجودها في المغرب، ستقوم المديرة العامة لصندوق النقد الدولي بزيارة الموقع الذي سيقام فيه الحدث في أكتوبر، بهدف الاطلاع بشكل مباشر على التقدم المحرز في أعمال الاجتماع، الذي سيرحب بحوالي 20 ألف مشارك؛ بما في ذلك وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية والخبراء وممثلي أكثر من 800 وسيلة إعلامية حول العالم.
أغرقت سياسات الحكومة المغربية الحالية، الم في الديون، حيث استدانت منذ شهر سبتمبر الماضي فقط من 6 بنوك، بمعدل قرض كل شهر، كان اخرها من صندق النقد العربي الذي أقرضها فبراير الماضي 166 مليون دولار لتلبية احتياجات وصفتها حكومة أخنوش ب”الطارئة”، كل هذا في وقت توسعت فيه دائرة الفقر بشكل مذهل، ما يطرح تساؤلات عن وجهة هذه القروض.
وشهد شاهد من أهلها
أخيراً، وبعد سنوات طويلة من الإنكار، اعترف تقرير أصدره صندوق النقد الدولي في إبريل/ نيسان الجاري، تحت عنوان “آفاق الاقتصاد العالمي: تعافٍ متأرجح”، وتحديداً فصله الثالث المعنون بـ”النزول إلى أرض الواقع: كيف نعالج تصاعد الدين العام”، وبشكل أكثر تحديداً في الصفحة رقم 73، بأنّ الإجراءات المتمثِّلة في التقشُّف والزيادات الضريبية وخفض الإنفاق العام لم تؤدِّ إلى خفض نسبة الدين العام من إجمالي الناتج المحلي في عيِّنة مؤلَّفة من 17 اقتصاداً متقدِّماً خلال الفترة الممتدة من 1978 إلى 2020، و14 اقتصاداً ناشئاً خلال الفترة الممتدة من 1989 إلى 2020.
وهذا ما يشكِّل تناقضاً صارخاً مع استمرار صندوق النقد الدولي بفرض وصفته الموحَّدة التي تشترط الالتزام بسياسات التقشُّف، التي تعيق بدورها النمو الاقتصادي، ولم تؤتِ أكلها وفقاً لمؤلِّفي الفصل الثالث من هذا التقرير المثير للجدل.
توصَّل كُتَّاب الفصل الثالث من تقرير صندوق النقد الدولي إلى نتيجة في غاية الأهمية، مفادها أنّ ضبط أوضاع المالية العامة من خلال رفع الضرائب وتقليل الإنفاق العام من المرجَّح أن يقلِّل الديون في اقتصادٍ متنامٍ في ظلّ وجود ظروف مالية مؤاتية، وإصلاحات هيكلية تعزِّز النمو، وأطر مؤسسية قويّة.
لم يعد خافياً البؤس العمدي الذي أحدثته سياسات صندوق النقد الدولي في الدول المتعثِّرة مالياً التي لجأت إليه، فقد كان بإمكان الصندوق تجنيب تلك الدول ويلات ما وصلت إليه أوضاعها المالية، وما جرَّته أزماتها الخانقة، من خلال تقديم الدعم المستمرّ والإشراف على السير الحسن لاستخدام القروض في تدوير عجلات الإنتاج وتعزيز النمو الاقتصادي والتعفُّف عن فرض الشروط المجحفة.
فإخراج الدول من براثن الديون لم يكن يوماً إحدى أولويات صندوق النقد الدولي، الذي لطالما وضع نصب عينيه خطط الخصخصة الضارّة لا النافعة التي تمهِّد الطريق للسيطرة والنهب، حيث يبدأ أوّلاً بإغراق الدول المديونة في مزيد من الديون من خلال منحها قروضاً جديدة لتمويل خدمة الديون القديمة، ثمَّ يتطوَّر الأمر بهذه الدول إلى خصخصة أهمّ مؤسساتها الحيوية والاستراتيجية التي لم تكن أصلاً سبباً في نشوء الأزمة واستفحالها، ليصل بها الحال فاقدة للسيادة والاستقلالية وفي مواجهة انتفاضات شعبية واسعة، نتيجة عدم القدرة على تحمُّل جرعة التقشُّف الزائدة المفروضة وفقاً لإملاءات الصندوق، لينتهي بها المطاف في دوامة من الانسداد السياسي وعدم الاستقرار وسنوات من الضياع.
من بين الدول التي تنتظر في طابور قروض صندوق النقد الدولي نجد باكستان، سريلانكا، بنغلادش، مصر، غانا، تونس، لبنان، حيث تفعل هذه المؤسَّسة ما بوسعها لفرض أقسى الشروط مستغلَّة كونها المؤسَّسة الدولية الوحيدة التي لديها المواردالكفيلة بمساعدة أيّ بلد يواجه ضائقة اقتصادية شديدة، والغريب في الأمر عدم تردُّد السياسيين في الانصياع لمطالب مؤسَّسة تهيمن عليها حكومات أجنبية وصولية وخبيثة النوايا.
جدير بالذكر أنّ صندوق النقد الدولي انتقائي في تقديم قروضه ومساعداته، فعلى سبيل المثال هو متساهل في تقديم القروض إلى الدول التي لها علاقة صداقة واستدانة مع الصين، حيث يعمل صندوق النقد الدولي على تعديل شروطه مع الدول التي يمكنها الوصول إلى تمويل صيني غير مشروط، وفقاً لما جاء في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست تحت عنوان “لا يمكن لسريلانكا الاعتماد على الصين لحلّ مشاكل ديونها”، وتتكرَّر ظاهرة مماثلة في البنك الدولي وفقاً لما كشفت عنه دراسة تحت عنوان: “هل يتحدَّى المانحون “الجدد” شرطية البنك الدولي؟”.
خلاصة القول، لقد أثبت باحثو صندوق النقد الدولي فشل أهمّ سياساته وعدم جدوى وصفاته، وهي خطوة بلا شكّ في الاتِّجاه الصحيح، لكنّها غير كافية وحدها، حيث ينبغي على هذه المؤسَّسة الدولية أن تتخلَّى عن فرض الإجراءات التي تحوِّل أوضاع الدول التي تطرق بابها من سيئ إلى أسوأ، وأن تعتزل أسلوب الاستغلال والاستعباد الذي مارسته خلال عقود.