” في الانتخابات وغوأئلها ” .

0
287

الرباط، المكي أبو الشمائل.

يدور الحديث هذه الأيام في الدوائر الرسمية وبين عامة الشعب عن الانتخابات- التي تسمى تشريعية وما يحب المرء أن تكون كذلك.

أى نعم، يدور الحديث عن هذا الموضوع بكثرة متداولا بين الناس، وليته لم يشغل أحدا في هذا البلد الأمين لا الآن ولا بعد الآن، إذ ماذا ينتظر من انتخابات تصرف عليها الملايين وقت الإعداد كدعم للأحزاب والمرشحين، وتحمل الميرانية العامة للدولة الملايير تلزم بدفعها على شكل رواتب وتعويضات وما إلى ذلك، ولا تستفيد منها الدولة والشعب أى شىء.

ففي الغد القريب- واسفا- إن لم تلغ الانتخابات بسبب الظروف الصعبة الاستعجالية التي تمر بها البلاد، سنرى الصراع محتدما والتنافس على أشده في ساحة الوغى بين المرشحين بكيفية تكثر معها الأحقاد والضغائن والإحن، وهم مستسلمون للأنانية البغيضة والأيديولوجيات السياسبة الكاذبة جاعلة منهم أخوة أعداء ضاربين عرض الحائط بروابط الدين والمواطنة والتاربخ.

بل إن هذه العاهات من أحقاد وغيرها تعم الأسرأحيانا فتنفصم بينها أواصر القربى بسبب غوائل الانتخابات وكوارثها.

بيد أن أخطر وأقبح ما نعلمه عن الانتخابات في بلدنا، منذ سنوات- ونعلمه علم اليقين، كشهداء على العصر- هو تحولها أحيانا، هنا وهناك، إلى برصة للبيع والشراء عندما ينبري بعض منعدمي الضمير لشراء الذمم والأصوات، مجاهرين بالرشوة، كمعصية، الشىء الذي يبرر لعن هؤلاء وأولئك لأنهم، مشترين وبائعين، متساوون في الخسة والنذالة في ميزان مكارم الأخلاق، مبرهنون على انعدام الضمير الوطني من وجهة نظر القانون الوضعي.

يفعلون فعلتهم تلك بدون وازع من دين أو ضمير، ومن غير اهتمام بسمعة وطنهم المغرب كبلد حضاري عريق في المجد، وهكذا يكون من نتيجة ذلك فقدان هؤلاء للمصداقية قبل جلوسهم على كراسي البرلمان.

فلا عجب، وقد علمنا الفرصة الثمينة المتاحة بواسطة الانتخابات، أن نرى هذا التلهف من قبل الجميع على الفوز في معركة الانتخابات، إذ هي دليل امتيازات سيحصل عليها الفائزون فيها استقبالا كالمرتبات الشهرية المغرية وخدمة المصالح الشخصية، وتحقيق المآرب، وما إلى ذلك.

فكيف لا يحاول المتنافسون على الكراسي البرلمانية الفوز في المعركة هذه وهم يعتبرونها بمثابة الدجاجة ذات البيض الذهبي La poule aux œufs d’or التي يؤول كل واحد منهم يمينا على نفسه أن يستفيد منها بالحصول على النتيجة المرجوة ؟

أى نعم، فالانتخابات المزمع القيام بها استقبالا في بلادنا العزيزة، في هذا الوطن الغالي المظلوم من قبل بعص أهله، هي إذن، بحق وحقيق، عبارة عن عمل بغيض يؤدي إلي إفقار الدولة واستنزاف ميزانيتها الضئيلة الناتجة خاصة عن الضرائب، فضلا على أن هذه الانتخابات المشؤومة تنذر البلاد كلها والشعب المغربي، نظرا لما سبق ذكره، بالويل والثبور كالجوع والغلاء والبطالة وانتشار الإجرام، وبمزيد، لا محالة، من تفشي الوباء الأكبر الذي لا يبقي ولا يذر، كما هو متوقع، لا قدر الله، وهنا الخطر كل الخطر، وهنا قاصمة الظهر التي ليس بعدها من نهوض.

فالخطب جلل ذلك الذي يكمن في الاستعداد للانتخابات في الوقت الذي تعتبر فيه البلاد مهددة بالوباء الأكبر الذي لا يبقي ولا يذر، والذي هو لواح للبشر !!

فلا جرم أن العمل عمل انتحاري ذلك الذي يكمن في صرف أموال عمومية على أحزاب لها أرصدتها ومواردها كدعم لهذه التنظيمات وقت الحملة الانتخابية، وعلى أغنياء هم وحدهم القادرون على خوض المعركة الانتخابات دون غيرهم. فلماذا، بعد الإلمام بواقع الانتخابات المرير، وهو كما نعلم، لانعترف، جازمين، بأن الانتخابات في هذا الزمن العصيب لا مبرر لها مطلقا، ولماذا لا تلغى إذن نهائيا عندنا ما دامت ترهق ميزانية الدولة بمصاريف باهضة، ولا تجني منها البلاد منفعة تذكر ؟

فيا أصحاب الإقبال على الانتخابات من هؤلاء وأولئك، نبئوني بعلم، أوطن قوي بشعبه خال من أخطار كروونا فيروس المدمرة، وبدون برلمان، خير وأفضل أم بلد به برلمان يستنزف ميزانية الدولة وشعب ينخره المرض والفقر والجهل؟

بطبيعة الحال، لا وجه للقارنة، خاصة أن الأموال الصخمة التي ستصرف على الانتخابات والمصروفة استقبالا أجورا وتعويضات للبرلمانيين يمكن صرفها فيما ينفع الناس، أى من أجل تقوية البنيات الصحية في البلاد ومواجهة المرض الفتاك حماية للشعب من خطر الإبادة الجماعية بين فئاته بسبب الوباء الأكبر الجاثم على ربوع الوطن.

ففي الوقت الذي يتفاقم فيه انتشار الوباء الأكبر ليحصد مزيدا من الأرواح وويتم الأطفال ويترك الأسر بلا معيل، نتيجة قلة الأطر الطبية وانعدام بنيات الاستقبال، وعجز الدولة عن توفير الخدمات الطبية الناجعة، ينسى المسؤولون عن الشأن العام الأهوال المحيطة بالبلاد ليشتغلوا بالانتخابابات وكأنها العمل الإنقاذي الذي لا بديل عنه، ناسين أنها شر كلها بالنظر إلى الميزانية الضخمة التي ستخصص للعملية الانتخابية، كما هو معلوم، والملايير التي ستبدأ الدولة في تسديدها شهريا كأجور لفيلق من البرلمانيبن لا يقل عددهم عن 1000 فرد باحتساب باقي الموظفين بمؤسسة البرلمان، وفي تسديد مصاريف يتطلبها تسيير هذه المؤسسة المكلفة، بعد انطلاق أعمالها في عهدها الجديد.

إن مجرد التفكير في القيام بانتخابات في البلاد والشعب مهدد بالانقراض من جراء كورونا فيروس، لهو شىء مخجل، وجور ما بعده جور.

فعوض أن نرمم الاقتصاد الوطني ونحمي المال العام من الهدر لصرفه في ما ينفع الناس، وعوض أن نحمي ميزانية الدولة الهزيلة من جشع وطمع الطامعين بتحاشي صرف هذه الميزانية الضئيلة على الطفيليين والمبتزين وعلى أنشطة ومهام مؤسسات لا يرجى منها خير للعباد والبلاد، وعوض أن نوفر أموال الدولة المظلومة لصرفها في محاربة الوباء الأكبر الذي يهدد البلاد بالدمار، ها نحن في بلادنا العزيزة نظلم الدولة من جديد ونظلم الشعب معا بالاستعداد لانتخابات لا نجني منها، في آخر المطاف، إلا الخطب الرنانة من فوق منصة البرلمان، مقابل أموال هائلة تصرف في غير وجه حق !

إن بالبلاد أطرا كفئة وكفايات علمية وثقافية يمكن اسناد مناصب المسؤلية إليهم ليشاركوا بهمة عالية و بروح وطنية حقة، وعن جدارة واستحقاق، في تسيير الشأن العام بكيفية تضمن الازدهار والخير بين ظهرانينا، وإن الشر كل الشر هو في الاقتصار على الأحزاب السياسية وحدها كمصدر وحيد للأطر، خاصة أن معظم هذه الأحزاب، بعد أن لعبت دورها، قد اسنتفدت أغراصها، بل قد ملها الشعب قاطبة.

فلا بد لنا، في هذا الصدد، من التخلص من تلك الفكرة البراقة التي مفادها أن الأحزاب السياسية هي، من خلال نشاطها السياسي والاجتماعي، ” مؤطرة ” للشعب، كما تعلمنا ذلك من فقهاء القانون الدستوري الفرنسي الذي من أعلامه موريس دوفيرجي والعميد جورج فوديل.

قد يسألنا متحذلق لم يؤت سعة من العلم أو آخر ثأخذه العزة بالإثم : هل تتصور يا هذا حياة سياسية في البلاد وحكومة تدير الشأن العام فيها من غير برلمان ؟
والجواب هو، بدون مواربة، نعم وألف نعم !

فلنا ملك مقتدر عادل، محب لشعبه، قادر على تسيير دفة الحكم لوحده متى جمع حوله الكوادر العليا وذوي الهمم العالية من الوطنببن الخلص وأصحاب الضمائر النقية ليعملوا بجانبه، كمساعدين أقربين وكطاقم معبأ، من أجل الصالح العام، مثلما أن ملك البلاد نفسه معبأ لخدمة شعبه الوفي في هذا الوطن الغالي.

ملك غال وكوادر وطنية كفئة هما مقومات التقدم الاقتصادي والاجتماعي في هذا البلد الأمين والوطن الغالي، وما زاد على ذلك فهو مجرد لغو.

أجل، عنصران اثنان ثمينان هامان هنا هما المعول عليهما بعد الله لخدمة هذا الوطن خدمة حقيقية تجعله مزدهرا كأحسن ما يكون الازدهار ومحط أنظار بلدان العالم.

غوال ومكاسب كهذه هي محط أنظارنا نحن كمغاربة في بلادنا، ولا شىء غير ذلك ينبغي أن يسترعي اهتمامنا.

بعد بيان الإجراء الإيجابي الذي فيه الخلاص لنا، وطنا ومواطنين، نقول، عودا على بدء، بأننا بهذا الإجراء الإيجابي إيجابية مثلى نضمن في بلادنا العزيزة تحصيل نتيجتين مباركتين اثنتين، الا وهما، من جهة، تنمية حقيقية يصل نفعها إلى جميع أطراف المملكة من القرى والمداشر حيث التهميش والبطالة والجوع والمرض والجهل، وثانيتهما هي تحاشي إرهاق كاهل الدولة بمصاريف ضخمة لا يرجى منها للبلاد أى خير.

ومن جديد ينبري المتحذلق أو المعتز برأيه ليسأل، مستغربا، متحديا :

ولكن يا هذا ماذا ستقول عنا منظمات حقوق الإنسان ومنظمة الأمم المتحدة، والمجلس الأوربي إذا كنا دولة بدون برلمان؟

والجواب يا صاحبي هو، ببساطة، أن دولة ذات سيادة كالمغرب لا تنتظر شهادة حسن السلوك من أحد، وأن عظمة الدولة ليست مستمدة من برلمان وخطب برلمانية رنانة، بل من مدى الازدهار والرقى المحققين من قبل هذه الدولة بكيفية تضمن رغد العيش والحياة الكريمة للشعب، ولا شك أن نتيجة من هذا القبيل تتأتى بتلافي هدر الأموال العمومية لصرفها فيما جعلت له.

ومن البديهي أن الاكتفاء ببرلمان مصغر عند الضرورة الملحة إليه أو الاستغناء مطلقا عن برلمان البيروقراطبة والخطب والبذخ، وتسيير الشأن العام من طرف ملك همام محاط برعيل من الوطنيين الأكفاء لقمينان بأن يحققا لهذا الوطن الغالي المظلوم من قبل بعض أهله كل الازدهار والرفاهة وغير ذلك من مقومات التقدم المشار إليه آنفا.

فدعونا، جزاكم الله خيرا، من الكلام الذي تلوكه الألسن عن أزمة الديمقراطية وعن ” القاسم الانتخابي” وعن ” الاستحقاقات ” المقبلة…

فما يسمى” بالقاسم الانتخابي” هو تعبير غريب غامض لا ينبغي شغل الأذهان به وعندنا من المشاكل ما يستحق أن تشغل بها الأذهان.

وأما الذين يتحدثون، بإلحاح وببهرجة، ومنذ ردح من الزمان، عن ” الاستحقاقات ” المقبلة، فإننا نكتفي بأن نقول لهم : من خولكم يا ترى، أيها السادة المحترمون، هذه الاستحقاقات؟ ألمجرد كونكم أعضاء في أحزاب سياسية تفرضون على الناس وعلى البلاد حقوقا لا تستحقونها، بل لستم بأهل لها أكثر من غيركم ؟

إن هذا لشىء عجاب !!

فإن بقيت الحال على ما هي عليه من الإعداد والعزم من أجل إجراء الانتخابات، رغم تذمر الشعب منها وتضرر البلاد والدولة من نتائجها، فآخر أقوالنا هو الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم جرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها.