في مشهد شعبي غير مسبوق منذ سنوات، احتشدت جحافل من المتظاهرين في قلب العاصمة الرباط، الأحد 6 أبريل، في مسيرة مليونية هادرة دعمًا لغزة ورفضًا صريحًا لأي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل. المسيرة، التي دعت إليها الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، عكست زخمًا إنسانيًا وسياسيًا تجاوز البُعد الرمزي إلى رسائل داخلية وخارجية، قد لا تمر دون أثر.
لكن… هل ستُسهم هذه الحشود في الضغط على صُنّاع القرار لوقف الحرب على غزة؟ أم أن الشعارات المرفوعة قد تعقد المشهد أكثر، كما يروّج البعض على المنصات الرقمية؟
“الشعب يريد إسقاط التطبيع”… رسالة لا تخطئها العين
امتد الطوفان البشري على طول الشوارع الكبرى للعاصمة، رافعًا الأعلام الفلسطينية وصور شهداء المقاومة، وعلى رأسهم إسماعيل هنية ويحيى السنوار وأبو عبيدة. كما تعالت الشعارات التي وصفت ما يحدث في القطاع بـ”الإبادة الجماعية”، مطالبة بقطع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي وإلغاء اتفاقيات التطبيع.
اللافت أن المسيرة جمعت أطيافاً سياسية وحقوقية متباينة، من جماعة العدل والإحسان إلى فدرالية اليسار الديمقراطي، مروراً بحركات المقاطعة (BDS) وهيئات المجتمع المدني… ما يطرح سؤالاً ضرورياً: هل نحن أمام لحظة إجماع وطني حقيقي يتجاوز الانتماءات، أم مجرد توافق مرحلي تؤطره مشاعر الغضب؟
اندفاعة شعبية… ولكن بأي ثمن؟
رغم البُعد الرمزي القوي للمسيرة، طفت على السطح مشاهد وشعارات أثارت الجدل، خاصة تلك التي استهدفت شخصيات بعينها، كالمستشار الملكي أندري أزولاي، إضافة إلى شعارات مسّت المؤسسة الملكية بشكل غير مألوف في هذه الأنواع من المسيرات.
منصات التواصل الاجتماعي اشتعلت خلال الساعات الماضية بين مرحب بالموقف الشعبي الحازم، ومنبّه إلى أن مثل هذه الانزلاقات قد تضر بجوهر القضية الفلسطينية وتُستخدم ذريعة للحد من التعبئة الشعبية في المستقبل.
وهنا يطرح سؤال صعب: هل ما حدث يُعد تجاوزًا غير مقبولًا لحدود حرية التعبير؟ أم أنه انعكاس طبيعي لحالة السخط الشعبي المتراكم؟
الرسائل التي قرأها العالم… وصمت الدبلوماسية المغربية؟
من على الأرض، تحدث الدكتور أيوب أمغار، الطبيب المغربي العائد حديثاً من مهمة إنسانية في غزة، قائلًا:
“أؤكد أن هذه المسيرات لها أثر بالغ على أهالينا في القطاع… المغاربة أوصلوا رسالة بأنهم حاضرون رغم بعد المسافة”.
في المقابل، غابت المواقف الرسمية الواضحة من هذه التعبئة الجماهيرية. هل يعود ذلك إلى استراتيجية تجنب التصعيد الداخلي؟ أم هو تريث دبلوماسي إلى حين اتضاح المشهد الإقليمي؟ في الحالتين، الرباط أصبحت مطالَبة بإعادة تقييم موقفها أمام ضغط الشارع من جهة، وتوازناتها الاستراتيجية مع واشنطن وتل أبيب من جهة أخرى.
إحياء للكرامة… أم أزمة جديدة في العلاقات؟
بحسب محللين، قد تشكّل هذه المسيرة منعرجاً حاسماً في مسار علاقة الدولة مع قوى المجتمع الحي، خاصة إذا ما رُفعت شعارات تتقاطع مع محرمات سياسية في الحقل الرسمي المغربي. لكن في الوقت نفسه، قد تكون هذه المسيرات فرصة لإعادة بناء خطاب رسمي أكثر اتزانًا يُطمئن الداخل ويُقنع الخارج.
السؤال الذي يبقى معلقًا: هل تتجه الدولة نحو احتواء هذه التعبئة الشعبية، أم نحو تطويقها؟ وهل تُعيد الدبلوماسية المغربية تموقعها بناءً على نبض الشارع، أم تواصل تجاهله؟
في الختام مهما اختلفت القراءات، يظل ما حدث في الرباط محطة فارقة في ذاكرة النضال الشعبي المغربي لفلسطين. وقد أثبتت الجماهير مرة أخرى أن قضية فلسطين ليست فقط قضية عدالة، بل أيضًا قضية كرامة وطنية.