تقرير جمال السوسي
تعتبر جماعة العدل والإحسان، واحدة من كبريات (الحركات الإسلامية الصوفية في المغرب)، وعلى الرغم من أن لها قيادات معروفين ومواقع رسمية على الإنترنت، فإن السلطات المغربية لا تزال تعتبرها جماعة محظورة، وهو تصنيف ترفضه الجماعة، وتقول إنها حصلت على ترخيص رسمي في الثمانينيات.
يصادف اليوم، 25 نوفمبر، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، وهي مناسبة تدوم 16 يوما، تبدأ اليوم بإطلاق حملة مناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي وتنتهي في الـ10 من ديسمبر المقبل، الذي يصادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
ومنذ عام 2008، تسعى هيئة الأمم المتحدة للمرأة من خلال أنشطة مختلفة، إلى تسليط الضوء على العنف الممارس ضد النساء، الذي يعد “واحدا من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا واستمرارا”، وفق المنظمة الأممية.
في هذا الصدد، استنكر نساء جماعة “العدل والإحسان” (المظورة) مسلسل العنف بالمغرب ضد مناهضي الفساد، والفئات المستضعفة، وعلى رأسهم النساء.
وقالت الجماعة في بيان لها بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، إن النساء في المغرب يواجهن عنفا متنوعا؛ نفسيا، وجسديا، وجنسيا، واقتصاديا، وسياسيا، تتعدد أماكنه، وتؤكده التقارير الرسمية وغير الرسمية.
وأضافت الجماعة أنه وفي الوقت الذي تنتظر فيه النساء في المغرب الحماية والإنصاف، والضرب على يد كل من تسول له نفسه العبث بأمن وسلامة المرأة، تزيد الدولة، التي يفترض فيها حماية هذه الفئة الهشة في المجتمع، أوضاع النساء تعقيدا، فتستهدفهن بتلاوين أخرى للعنف.
ومن جملة أشكال العنف المسلط على النساء من طرف الدولة؛ القمع في الشارع، والتضييق والاعتقال، وتكميم الأفواه، وتشويه السمعة والعرض، ناهيك عن استغلال هشاشة النساء النفسية والاقتصادية في إخراس الأصوات الحرة، والضغط على الخصوم وتصفية المعارضين السياسيين، وتوظيفهن في التلاعب بالقوانين، حسب ذات البيان.
وأكدت نساء الجماعة تعدد أسباب العنف المستشري ضد المرأة المغربية التي لا تملك إلا أن تعيد إنتاجه وسط المجتمع في سلسلة لا تنتهي، في واقع مترد ومهين.
وعبر القطاع النسائي للعدل والإحسان، عن شجبه لكل أشكال العنف الممارس على النساء المغربيات خاصة وعلى كل نساء العالم، مع التضامن مع كل النساء ضحايا عنف الأفراد أو المؤسسات أو الدولة ومع كل معتقلات الرأي.
وأكد القطاع أن مناهضة آفة العنف ضد النساء لا تتم إلا ضمن مقاربة شاملة، تجمع بين الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي والتشريعي، مشددا على أن القطع مع العنف ضد النساء لا يمكن أن يتم إلا في بيئة تقطع مع ممارسات الاستبداد والفساد.
في المغرب، سنت البلاد مدونة الأسرة عام 2004، وشكلت حينها “ثورة” في مجال الدفاع عن حقوق النساء وحمايتهن من جميع أشكال العنف والتمييز، كما اعتمد البرلمان المغربي رسميا قانونا جديدا لمحاربة العنف ضد النساء عام 2018.
وبعد مرور 18 عاما على الشروع في تطبيق مدونة الأسرة و3 سنوات على اعتماد قانون عام 2018، لا تزال البلاد تسجل معدلات مرتفعة في العنف الممارس ضد المرأة، حيث أكد الحسن الداكي، رئيس النيابة العامة بالمغرب، في تصريحات صحافية، سبتمبر الماضي، أن المغرب سجل 23 ألفا و879 قضية عنف عام 2021، مبرزا أن هذه المعطيات “مقلقة رغم الجهود المتواصلة”.
من جانبها، تقول إلهام الودغيري، الناشطة الحقوقية وعضوة الجمعية المغربية “مبادرات لحماية حقوق النساء”، إنه آن الأوان لـ”تغيير شامل” لعدد من القوانين المغربية، كمدونة الأسرة ومنظومة القانون الجنائي، موضحة أنها قوانين “تجاوزها الزمن”.
وترى الناشطة الحقوقية أن القوانين التي سنتها بلادها، “ساهمت إلى حد كبير” في خفض معدلات العنف الممارس ضد النساء، لكنها ترى في الوقت نفسه، أن المغربيات مدعوات إلى التحلي بالجرأة “لفضح طابوهات مثل الاغتصاب الزوجي وتعدد الزوجات والإجهاض السري وهي ظواهر ما تزال منتشرة في المجتمع”.
وأضافت الودغيري في تصريح لـ”أصوات مغاربية”، أن نجاح بلادها في تقليص عدد حالات العنف، يقابله ارتفاع في العنف الاقتصادي خصوصا بعد جائحة فيروس كورونا.
وتابعت موضحة “بعد كوفيد 19، زاد هذا النوع من العنف بمفهومه الجديد التي يتجاوز غياب المساواة في الرواتب وفي فرص العمل ليشمل إقدام الأزواج على منع زوجاتهم من العمل ومنهم من يستولي على رواتبهن بالإضافة إلى حرمان المطلقات من حقوقهن الاقتصادية بعد انتهاء العلاقة الزوجية”.
سبتمبر الماضي ، كشف رئيس النيابة العامة المغربي الحسن الداكي، بأنّ عدد قضايا العنف الممارس في حقّ النساء على المستوى الوطني بلغ 23.879 قضية في عام 2021، وبيّن في كلمة له في خلال افتتاح دورة تدريبية حول “تعزيز دور قضاة النيابة العامة في توفير حماية ناجعة للمرأة” في المغرب، أنّه على الرغم من الجهود المتواصلة لمواجهة العنف ضد المرأة فإنّه ما زال “مقلقاً”.
وقال الداكي إنّ هذا الأمر يسائل المتدخلين في الموضوع بالمغرب ويقتضي مضاعفة الجهود بهدف تطويق كلّ الأسباب المؤدية إلى هذا العنف، وفي الوقت نفسه مواجهة المتورّطين فيه بكلّ صرامة وبما يلزم من جزاءات قانونية، كما يستدعي من جهة أخرى تكثيف الجهد لتوفير أنجع السبل للتكفل بالضحايا.
ونبّه رئيس النيابة العامة إلى أنّ العنف ضدّ المرأة يُعَدّ حاجزاً في وجه تحقيق الأمن الاجتماعي، كما يحول دون تحقيق أهداف التنمية المستدامة، داعياً إلى تحقيق تكفّل ناجع بالنساء ضحايا العنف وفسح المجال أمام الانتصار لحقوق المرأة الإنسانية.
ولفت الداكي إلى أنّ نظرة رئاسة النيابة العامة إلى العنف ضد المرأة والفتاة تتّسع لتشمل موضوع زواج القاصرات بوصفه انتهاكاً لحقوق الفتاة، إذ يحرمها من حقها في النمو السليم ويعترض سبيل بناء شخصيتها المستقلة.
وعلى الرغم من مرور ثلاث سنوات على بدء العمل بأوّل قانون في تاريخ المغرب لمكافحة العنف ضد المرأة (القانون رقم 103 -13) في 12 سبتمبر/ أيلول من عام 2018، فإنّ تطبيقه على أرض الواقع ما زال يواجه صعوبات مختلفة. كذلك، ما زال القانون يثير جدالاً واسعاً ما بين الذين يعدّونه قانوناً “ثورياً” ينصف المرأة ويضع حداً لمعاناتها وبين الذين يشككون في قدرته على حفظ كرامتها وحمايتها.
وبحسب دراسة أعدّتها فدرالية رابطة حقوق النساء (غير حكومية) في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2019، فإنّ النساء في المغرب ما زلنَ يواجهنَ عوائق تحول دون لجوئهنّ إلى السلطات المكلّفة بإنفاذ القانون للتبليغ عن حالات العنف التي يتعرّضنَ لها، ويتعلق ذلك أساساً بالحقّ في الوصول إلى العدالة. وحُدّدت العوائق في خمسة أساسية ترتبط بالعوائق الثقافية المتمثلة في الموروث الثقافي الذي يطبّع مع ظاهرة العنف ضدّ المرأة ويتسامح معها، تتبعها العوائق القانونية المرتبطة بعدم وضوح الإطار التشريعي، ثمّ العوائق الاقتصادية المتمثلة في ضعف الإمكانيات وغياب المساعدة القانونية والقضائية للضحايا. أضافت الدراسة أنّ المغربيات يواجهنَ عوائق نفسية تتمثّل في الخوف وفقدان الأمل من الإنصاف اللذَين يمنعان النساء من التبليغ عن العنف الذي يتعرّضنَ له، إلى جانب العوائق الإجرائية المتعلقة بسلوك بعض الجهات المكلفة بإنفاذ القانون.
ومع بدء فرض الحجر الصحي لمحاصرة انتشار فيروس كورونا الجديد (سارس-كوف-2) في البلاد في مارس/ آذار من عام 2020، أطلقت منظمات نسائية في المغرب تحذيرات من تزايد وقائع العنف ضدّ المرأة، داعية إلى اتخاذ إجراءات وقائية عاجلة في ظلّ مؤشرات تفيد بتصاعد وتيرة العنف على خلفية التوترات التي بدأت تظهر جلياً في داخل الأسر، نتيجة الضغوط النفسية المرتبطة بالحجر الصحي.