في قلب محاكمة حميد المهدوي: هل أصبحت حرية التعبير في المغرب رهينة بين أروقة السلطة والقضاء؟

0
251

في خضم صخب المتابعات القضائية والتضييقات الإدارية المتصاعدة، يقف الصحفي حميد المهدوي اليوم أمام سلسلة من التحديات القانونية التي تجاوزت الحدود المعتادة، بعد أن زادت شكايات وزير العدل عبد اللطيف وهبي ضدّه لتصل إلى خمس، بعضها جاء في توقيت حاسم يُعيد فتح ملف حرية التعبير في المغرب إلى دائرة النقاش الحاد.

لكن، لماذا تصاعدت وتيرة هذه المتابعات الآن؟ وهل هي مجرد إجراءات قانونية، أم رسالة ضمنية تخفي وراءها محاولة لإسكات صوت ناقد لا يخشى المواجهة؟ في ظل الدستور الذي كفل حقوق الحريات منذ 2011، تبدو هذه القضية اختبارًا صارخًا لمصداقية المؤسسات، ومدى قدرة الدولة على تقبل الاختلاف السياسي والصحفي.

بين استدعاءات متزامنة وأحكام إدارية قاسية، يطرح الملف أسئلة حاسمة: هل حرية التعبير في المغرب على محك السلطة؟ وهل القضاء والإدارة يعكسان استقلالية تامة، أم أنهما يعملان كأدوات لضبط الخطاب السياسي عبر ضغوط قانونية مخفية؟

في هذا التقرير، نغوص في تفاصيل هذه المحاكمة التي باتت رمزًا لمعركة أكبر، بين حق الصحافة في النقد وحق الدولة في فرض السيطرة، وسط رهانات حقيقية على مستقبل الديمقراطية والشفافية في بلد لا تزال حرية الكلمة فيه تموج بين الأمل والقلق.

توقيت مريب ومسارات متقاطعة

اللافت في مستجدات هذه القضية، ليس فقط عدد المتابعات، بل التوقيت المدروس بدقة. ففي ذات اليوم الذي يمثل فيه المهدوي أمام الهيئة القضائية التي تنظر في قضيته الرئيسية، يتلقى استدعاءً جديدًا من ولاية الأمن بالرباط، ليُخضع لاستنطاق في قضيتين جديدتين. ما الذي يمكن أن يوحي به هذا التزامن؟ هل هو محض مصادفة إدارية؟ أم أن الأمر يتجاوز ذلك نحو محاولة للضغط غير المباشر على القاضي السعداوي وهيئته، كما أشار المهدوي في تدوينة له بعد خروجه من مخفر الشرطة؟

إن الإشارات المبعوثة من هذا التزامن لا يمكن استبعاد دلالاتها السياسية، خصوصًا حين تكون الجهة المشتكية هي وزير العدل، الذي يمثل قمة الهرم التنفيذي للنيابة العامة سابقًا، وصاحب موقع سياسي حساس في الحكومة.

قرارات متسلسلة: المسار الإداري كرافد للملاحقة

في خلفية هذه المواجهة القضائية، تطلّ قرارات إدارية زادت الطين بلة: فقد قررت لجنة حكومية، عيّنها رئيس الحكومة عزيز أخنوش، سحب بطاقة الصحافة المهنية من المهدوي لمدة سنة، مستندة إلى تعبير استخدمه في إحدى خرجاته الإعلامية، قبل أن ترفض نفس اللجنة لاحقًا تجديد بطاقته. ورغم تقديم المهدوي لمعطيات جديدة، فإن المحكمة الإدارية أيدت القرار دون فتح مداولات إضافية.

هل نحن أمام تقاطع ممنهج بين القضاء والإدارة في مواجهة صحفي مشاكس؟ وهل يمكن اعتبار هذه المتابعات مجرد تطبيق حيادي للقانون، أم أننا أمام سياسة تكميم صوت غير مرغوب فيه؟

سؤال المشروع السياسي ومكانة الصحافة

من زاوية أعمق، تضع هذه القضية مجددًا موضع تساؤل جوهر المشروع الديمقراطي في المغرب، وحدود ما يسمى “حرية التعبير المؤطرة”. ففي الوقت الذي تعج فيه المنصات الإلكترونية بكمّ هائل من التجاوزات الأخلاقية والمهنية، دون أن تطال أصحابها المساءلة، يبدو أن المتابعة القضائية والإدارية تُسخّر بكثافة ضد صحفي معروف بمواقفه السياسية المعارضة، وسجله الطويل في انتقاد السلطة.

كيف نميّز بين ممارسة الحق في النقد وبين “القذف” و”التشهير”؟ من يملك سلطة التأويل؟ وهل يمكن إعمال القانون في سياق مختل من حيث ميزان القوة والتأثير؟

ردود فعل وقلق حقوقي

في مواجهة هذا التصعيد، عبّرت عدة أصوات سياسية وحقوقية عن قلقها، من بينها آمنة ماء العينين، القيادية في حزب العدالة والتنمية، التي تساءلت عن دوافع هذا التتالي السريع في المتابعات. بل ذهبت أبعد من ذلك حين أكدت أن “الصحفي حين يُلاحق بسبب الرأي، يجب أن يُحاط بحماية مضاعفة، لا أن يُسلّط عليه سيف الملاحقات المتكررة”.

تصريحات ماء العينين تنبه إلى منزلق خطير: أن تصبح بعض النصوص القانونية غطاءً لإضعاف حرية الصحافة، بدل أن تكون حامية لها، وهو ما يعيد النقاش إلى روح الدستور ومقاصده، لا إلى تأويلات جزئية ومعزولة للقانون.

ختامًا: أي أفق؟

الصحفي حميد المهدوي ليس مجرد فرد في مواجهة القضاء، بل حالة اختبار حقيقية لمصداقية المؤسسات، ومدى استقلالية القضاء، وقدرة المشهد السياسي المغربي على التعايش مع الأصوات الناقدة.

هل ستتحول هذه القضية إلى لحظة تراجع، أم إلى منبه يعيد فتح نقاش جوهري حول الإعلام والسلطة والديمقراطية؟
وهل ما يحدث هو استثناء أم مقدمة لنمط قمعي جديد لا يمر عبر الاعتقال المباشر، بل عبر “خنق تراكمي” بالأدوات القانونية والمؤسساتية؟

أسئلة تبقى معلقة في زمن ما زال يبحث عن التوازن بين “السلطة” و”الحق”، بين “الدولة” و”الحرية”.