“قانون الإضراب الجديد: قيود مشددة على الحقوق النقابية تعيق قدرة العمال وتفرض تحديات إضافية على المقاولات الصغيرة والمتوسطة”

0
1142
صورة: أرشيف

شهدت عملية التصديق على قانون الإضراب في مجلس النواب المغربي خلال يوليو/ تموز 2024 جدلاً واسعاً بين الحكومة والنقابات والأحزاب السياسية، مما يعكس التوترات المتزايدة حول توازن الحقوق العمالية واحتياجات المقاولات. هذا القانون الذي كان موضوع نقاش منذ عام 2016، يبرز كأحد القوانين التنظيمية الكبرى التي لم تتم المصادقة عليها منذ دستور 2011، مما يعكس التحديات العميقة التي تواجهها السياسة العمالية في المغرب.

قانون الإضراب: قيود ومخاوف

أثار مشروع قانون تنظيم الحق في الإضراب جدلاً كبيراً، حيث اعتبرت النقابات أن بنود هذا القانون تقيد بشكل كبير الحق في الإضراب الذي يكفله الدستور. من بين النقاط الأكثر إثارة للجدل هي المواد التي تمنع غير الأجراء من الدعوة إلى الإضراب وتمنع الإضراب لأهداف سياسية، بالإضافة إلى فرض عقوبات صارمة على المشاركين في الإضراب.

الجدل حول هذا القانون يعكس مخاوف النقابات من تأثيره على الحريات النقابية، خاصةً مع المواد التي تحظر الإضراب لأسباب سياسية وتقييد حرية العمل خلال الإضراب. وأيضاً، يتم انتقاد هيمنة العقوبات الزجرية في النص القانوني، حيث تم تخصيص 12 مادة للعقوبات من أصل 49 مادة، مما يثير القلق من إمكانية استخدامها لتقييد الحقوق العمالية بدلاً من تنظيمها.

تقييد الحق في الإضراب

أثار القانون الجديد جدلاً واسعاً بسبب القيود المشددة التي يفرضها على حق الإضراب، الذي يُعد حقًا دستوريًا. أبرز المواد التي تثير القلق تشمل:

  • المادة 5: تنص على أن “كل دعوة إلى الإضراب خلافاً لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة، كما يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعاً”. هذا النص يفرض قيوداً صارمة على الإضرابات التي قد تكون لها أهداف سياسية، مما يحد من قدرة النقابات على التعبير عن مطالبها ومواقفها.

  • المادة 7: تلزم بإجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للعمال قبل الشروع في الإضراب، للسعي لإيجاد حلول. وفي حال فشل المفاوضات، يتعين بذل جميع المساعي اللازمة للتصالح بين الأطراف. هذه المتطلبات قد تؤدي إلى تأخير اتخاذ الإجراءات اللازمة والضرورية.

  • المادة 13: تحظر على المضربين عرقلة حرية العمل خلال الإضراب أو احتلال أماكن العمل أو مداخلها. هذا قد يحد من فعالية الإضراب كوسيلة ضغط لتحقيق المطالب.

  • المادة 14: تقضي بأن العمال المشاركين في الإضراب لا يمكنهم الاستفادة من الأجر خلال فترة الإضراب. هذه المادة تضيف عبئاً إضافياً على العمال، مما قد يؤثر سلباً على مشاركتهم في الإضرابات.

  • المادة 23: تمنع اتخاذ قرار إضراب جديد للدفاع عن نفس المطالب إلا بعد مرور سنة على الأقل من انتهاء الإضراب السابق. هذه القيود قد تقيد قدرة العمال على العودة إلى الاحتجاج بسرعة في حال عدم تحقيق مطالبهم.

  • المادة 26: تمنح صاحب العمل الحق في مطالبة بتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت بالمقاولة بسبب الإضراب. هذا النص قد يؤدي إلى تحميل النقابات والعمال مسؤوليات مالية إضافية.

ردود الفعل والموقف النقابي

النقابات مثل الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أبدت اعتراضات قوية على هذا القانون. واعتبرت أن القانون يستهدف تقييد الحقوق الأساسية للعمال ويشجع على مصادرة الحريات النقابية. وقد انتقدوا بشكل خاص المواد التي تقيد حق الإضراب وتفرض قيوداً صارمة على المضربين، مما يعزز من التحديات التي يواجهها العاملون في المغرب.

صعوبات إضافية للمقاولات الصغيرة والمتوسطة

القانون الجديد يضيف تحديات إضافية للمقاولات الصغيرة جدًا والصغرى والمتوسطة من خلال فرض عقوبات مالية صارمة. يحتوي المشروع على 12 مادة مخصصة للعقوبات من أصل 49 مادة، مما يثقل كاهل الشركات الصغيرة والمتوسطة بالمزيد من الأعباء القانونية والإدارية.

تحديات المقاولات وتداعيات القانون

في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في معدلات البطالة وإفلاس المقاولات الصغيرة والصغرى، يتساءل البعض عن مدى قدرة هذا القانون على معالجة الأزمات الاقتصادية دون الإضرار بالحقوق العمالية.

الحكومة، من جانبها، أكدت أنها تسعى إلى التوافق وتعزيز الحقوق القانونية للمضربين، لكنها تواجه صعوبة في إيجاد توازن بين حماية حقوق العمال وضمان قدرة الشركات على الإنتاج.

المستقبل وما بعد التصديق

بعد تصديق البرلمان على القانون، سيتم نشره في الجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ، مما يفرض على الحكومة والبرلمانيين ضرورة التقييم المستمر لتأثيراته.

يظل من المهم متابعة تنفيذ هذا القانون ومدى قدرته على تحقيق التوازن بين حقوق العمال واحتياجات المقاولات، خاصةً في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تواجهها البلاد.

الأسئلة المطروحة:

  • هل يتوازن قانون الإضراب الجديد بين حماية حقوق العمال وضمان استمرارية العمل والإنتاج في الشركات؟

  • ما هي الخطوات التي يجب اتخاذها للتأكد من أن هذا القانون لا يضر بالحريات النقابية ولا يفاقم من أزمة المقاولات؟

  • كيف يمكن ضمان إشراك جميع الأطراف في إعداد وتعديل القوانين لضمان تلبية احتياجات الجميع بفعالية؟

التوصيات

  1. مراجعة المواد المقيدة لحق الإضراب لتتوافق مع المبادئ الدستورية ومعايير حقوق الإنسان.

  2. تبسيط إجراءات التفاوض والإضراب وتخفيف العقوبات المالية على المقاولات.

  3. إشراك جميع الأطراف المعنية في عملية مراجعة القانون لضمان تحقيق التوازن بين حقوق العمال واحتياجات المقاولات.

الخاتمة

بينما يسعى مشروع قانون الإضراب الجديد إلى تنظيم الحق في الإضراب، فإنه يثير قلقاً كبيراً بشأن القيود المفروضة على حقوق العمال والصعوبات التي قد تواجهها المقاولات الصغيرة والمتوسطة. ينبغي إجراء مشاورات موسعة لمراجعة القانون وتعديله بما يتماشى مع مبادئ العدالة والتوازن بين الحقوق والمصالح.