“قانون التعليم المدرسي الجديد بالمغرب: أي إصلاح فعلي في ظل تحديات التنزيل وضعف الرؤية اللغوية؟”

0
98

قانون التعليم الجديد بالمغرب: بين طموح الإصلاح ومأزق التنفيذ

في خطوة يُراد منها فتح فصل جديد في تاريخ التعليم المدرسي بالمغرب، قدم محمد سعد برادة، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، مشروع القانون رقم 59.21 أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب. المشروع يهدف، حسب الوزير، إلى “ترسيخ قيم التسامح والمشاركة والتمسك بالثوابت”، مع مراجعة مستمرة للبرامج والمناهج وهندسة لغوية تستند إلى التوجهات الاستراتيجية للدولة.

لكن، ما الذي يجعل هذا المشروع مختلفاً عن محاولات الإصلاح السابقة؟ وهل يحمل في طيّاته أجوبة عن التحديات البنيوية التي ظلت تعيق المدرسة العمومية المغربية لعقود؟ وهل يستند المشروع فعلاً إلى تقييم صريح لنقاط الضعف التي كشفت عنها تقارير وطنية ودولية؟

تعليم إلزامي من 4 إلى 16 سنة… ولكن بأي ضمانات؟

يُعلن المشروع أن التعليم سيكون إلزامياً بين سن 4 و16 سنة، دون تمييز بين الجنسين. لكن الواقع يُظهر أن أكثر من 300 ألف تلميذ ينقطعون سنوياً عن الدراسة (المجلس الأعلى للتربية والتكوين، 2022). فهل يكفي التنصيص القانوني لمحاربة الهدر المدرسي، أم أن الحل يكمن في إصلاح جذري للعدالة المجالية وضمان النقل المدرسي والإطعام والتأطير التربوي في العالم القروي والمناطق الهشة؟

المشروع يقترح آلية للرصد المبكر للمتعلمين المهددين بالانقطاع، وهو أمر إيجابي في الظاهر، لكنه يطرح سؤالًا حول مدى جاهزية الموارد البشرية والتقنية على الأرض لتفعيل مثل هذه الأدوات.

بين الطموح اللغوي والارتباك الاستراتيجي

يتحدث الوزير عن “هندسة لغوية” مستوحاة من التوجهات الاستراتيجية للدولة، دون تحديد ماهية هذه التوجهات. فهل نحن أمام تعميق للثنائية اللغوية (العربية – الفرنسية)؟ أم تعزيز للغة الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية؟ أم انفتاح على الإنجليزية باعتبارها لغة العلوم العالمية؟ التقارير الدولية (منها تقرير البنك الدولي 2023) تؤكد أن ازدواجية التعليم اللغوي بالمغرب تُشكل أحد أبرز عوائق التحصيل، حيث يُدرّس التلميذ بلغات متعددة دون تملك فعلي لأي منها.

استقلالية المؤسسات… ولكن بأي معنى؟

ينص مشروع القانون على “استقلالية المؤسسة التعليمية” و”انفتاحها على محيطها”، وهي عبارات مألوفة في خطاب الإصلاح. لكن هل تتوفر المؤسسات على الكفاءات الإدارية والتربوية التي تؤهلها فعلاً لممارسة هذه الاستقلالية؟ وهل ستحظى هذه الاستقلالية بالدعم المالي الكافي، أم أنها ستُستغل لتبرير رفع يد الدولة عن مسؤولياتها؟

الخصوصي كشريك… أم كبديل؟

المشروع يشدد على مساهمة التعليم الخصوصي في تعميم التعليم الإلزامي، بل ويذهب أبعد من ذلك بالسماح للقطاع الخاص بفتح مدارس لفائدة أبناء الجالية المغربية في الخارج. لكن التقارير الوطنية، ومنها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، تؤكد على اختلالات كبيرة في مراقبة القطاع الخصوصي، لا سيما في ما يتعلق بجودة التعليم، والتأمين، والرسوم الدراسية.

فهل تتجه الدولة إلى تفويض التعليم تدريجياً للقطاع الخاص؟ وهل نملك آليات حقيقية لضمان تكافؤ الفرص بين المدرسة العمومية والمدرسة الخصوصية؟ وإذا كان الجواب بالنفي، فهل نحن بصدد تكريس تعليم مزدوج الطبقات؟

مشروع المؤسسة… بين الطموح والتنفيذ

ينص القانون على ضرورة توفر كل مؤسسة على مشروع مندمج، ونظام داخلي، وجمعية للآباء. إلا أن العديد من المؤسسات اليوم تفتقر إلى هذا الإطار أو تفعّله شكلياً فقط، بفعل ضعف الكفاءات الإدارية أو غياب التأطير. كما أن مشاركة آباء وأولياء التلاميذ غالباً ما تكون محدودة، بسبب ضعف الثقة في المنظومة برمتها.

هل يستجيب المشروع لتوصيات الهيئات الدولية والوطنية؟

توصيات اليونسكو والبنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، شددت جميعها على أهمية إدماج المهارات الحياتية، والابتكار، والعدالة في الولوج، والرقمنة التربوية، والتعليم مدى الحياة. مشروع القانون الحالي يتطرق إلى بعض هذه المحاور، لكن دون استراتيجية واضحة أو مؤشرات تقييم دقيقة. كما أن المشروع لا يُحيل صراحة على خلاصات تقرير النموذج التنموي الجديد، رغم مركزية التعليم فيه.

في الختام: هل يمتلك المشروع الجرأة الكافية؟

مشروع القانون رقم 59.21 يحتوي على عناصر واعدة، لكنه يطرح أسئلة كبرى حول النجاعة والواقعية والموارد. فهل نحن أمام مشروع قانون يعكس فعلاً إرادة سياسية لتغيير جذري؟ أم أنه نسخة محسّنة من مقترحات سابقة أجهضتها البيروقراطية، ومحدودية الموارد، والتردد في اتخاذ قرارات استراتيجية حاسمة؟

وهل سيتم إشراك الفاعلين التربويين الحقيقيين، من مدرسين ومديرين ومجتمع مدني، في صياغة النصوص التطبيقية وتنزيل الإصلاح، أم سنكرر تجربة إصلاحات سابقة فرضت من الأعلى وانتهت إلى الفشل؟