قراءة نقدية في تحوّل نظام حكامة “اتصالات المغرب”

0
101

في خطوة تحمل أبعادًا تنظيمية واستراتيجية كبرى، أعلن مجلس إدارة مجموعة اتصالات المغرب عن تحوّل جوهري في نظام حكامته، عبر الانتقال من النموذج الثنائي (مجلس رقابة + مجلس إدارة جماعية) إلى نظام موحد بمجلس إدارة واحد، وذلك خلال اجتماعه المنعقد في 19 يونيو 2025، عقب مصادقة الجمعية العامة غير العادية المنعقدة يوم 18 يونيو. وقد تم ضمن هذا الإطار تجديد عضوية أعضاء مجلس الرقابة السابق، ليصبحوا جزءًا من التشكيلة الجديدة لمجلس الإدارة، في خطوة وصفت بأنها “ضامنة للاستمرارية والانسجام”.

وفي خضم هذا التعديل، تم إعادة تعيين محمد بنشعبون مديرًا عامًا للمجموعة، بعدما شغل سابقًا منصب رئيس المجلس الإداري الجماعي. غير أن هذا الانتقال التنظيمي لا يخلو من أسئلة حول خلفياته، وأبعاده، والرهانات المتصلة به في السياقين الوطني والدولي.

لماذا الآن؟ السياق الخفي وراء التغيير

التحوّل في نظام الحكامة يثير تساؤلات حول التوقيت والدوافع:

هل يتعلق الأمر بمجرد “توحيد إداري” لرفع الفعالية؟ أم أن الأمر يُعبّر عن توجه أعمق نحو تركيز السلطة وتبسيط مسارات القرار في ظل التحولات الكبرى التي يعرفها سوق الاتصالات؟

من المعروف أن النموذج الثنائي يُفترض فيه أن يضمن نوعًا من الفصل بين من يتخذ القرار ومن يراقبه، وهو ما يعزز منطق المحاسبة الداخلية. فهل جاء التغيير لأن هذا الفصل أصبح عبئًا تنظيميًا؟ أم أن تطورات السوق فرضت نماذج أكثر مرونة تُفضّل السرعة على التوازن الرقابي؟

في سياق مغربي… ونظرة عالمية

على المستوى الوطني، تتزامن هذه الخطوة مع نقاش واسع حول حوكمة المؤسسات العمومية الكبرى، وتوجه الحكومة نحو إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية كما ورد في تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. كما أن التوصيات المتكررة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي طالبت بتحسين حكامة الشركات الكبرى ذات الطابع شبه العمومي، وإضفاء الشفافية في تعيين مسؤوليها ومراقبة أدائها.

أما دوليًا، فقد اتجهت العديد من الشركات متعددة الجنسيات إلى إعادة النظر في أنظمة الحكامة بعد أزمة كوفيد-19، إذ فرضت الحاجة إلى قرارات سريعة وفعّالة إعادة هيكلة المجالس الإدارية بشكل يُقلّل من البيروقراطية، مع الحفاظ على الاستقلالية والمسؤولية.

فهل تعكس خطوة اتصالات المغرب هذه الدينامية الدولية؟ أم أنها محاولة لتعزيز المركزية في لحظة حساسة تعرف منافسة رقمية شديدة، خاصة مع تصاعد استثمارات الفاعلين الخليجيين والصينيين في مجال الاتصالات الإفريقية؟

محمد بنشعبون: عودة بصيغة تنفيذية

إعادة تعيين محمد بنشعبون مديرًا عامًا للمجموعة ليست مجرد إجراء تقني، بل تُترجم تواصلاً للنفوذ المؤسساتي لرجل سبق له أن شغل مواقع حساسة: من إدارة مجموعة التجاري وفا بنك، إلى وزارة المالية، إلى سفارة المغرب بباريس، ثم تولي صندوق محمد السادس للاستثمار، قبل أن يعود إلى قيادة واحدة من أهم المجموعات الاقتصادية بالمملكة.

هل نعيش “دورة امتداد” للنخبة المالية التقليدية في قلب شركات الدولة الاستراتيجية؟
وهل سيتم إقران هذه العودة بتنزيل فعلي لرؤية استراتيجية أم الاكتفاء بتحديث شكلي في آليات التدبير؟

أي أثر على الأداء؟ وأين الشفافية؟

رغم تأكيد اتصالات المغرب في بيانها على التزامها بـ”حكامة نموذجية تعزز الأداء والابتكار وخلق القيمة المضافة”، إلا أن المؤشرات الفعلية للأداء تحتاج لتتبع دقيق. ففي تقارير سابقة للبنك الدولي والـ OECD حول حوكمة الشركات العمومية، تبيّن أن توحيد الهيكلة لا يضمن بالضرورة رفع الجودة، ما لم يُقترن بمنظومات تقييم شفافة، ومعايير استحقاق صارمة، وآليات محاسبة مستقلة.

كيف سيتم تقييم فعالية هذا النظام الجديد بعد 6 أشهر أو سنة؟
وهل سيكون للمساهمين والمستهلكين كلمة في مراقبة أثر هذا التحول على الخدمات والأسعار والاستثمارات في البنية الرقمية؟

خاتمة: بين ضرورات الإصلاح ومخاطر التمركز

يُمكن اعتبار تغيير نظام حكامة اتصالات المغرب فرصة لإعادة التفكير في دور المؤسسات الكبرى في تحقيق السيادة الرقمية للمملكة، شريطة أن لا يُستغل هذا التعديل في تكريس تمركز السلطة وضعف الشفافية. النجاح الحقيقي لهذا النموذج الجديد لن يُقاس بعدد الاجتماعات أو سرعة اتخاذ القرار، بل بمدى اندماج المجموعة في تحولات العصر الرقمي، وتعزيزها لثقة المواطنين، واستقلاليتها عن منطق التحكم الإداري.