قراءة نقدية لبلاغ الأغلبية الحكومية: خطاب فارغ وسط غضب شعبي متصاعد

0
243

صدر يوم الثلاثاء 30 شتنبر 2025 بلاغ رئاسة الأغلبية الحكومية المغربية، عقب اجتماع عقده رئيس الحكومة وأمناء أحزابها الممثلة في الأغلبية. جاء البلاغ في وقت يشهد فيه المغرب موجة احتجاجات شبابية واسعة، قادها جيل Z، عبر الفضاءات العامة والرقمية، للمطالبة بحقوق أساسية في الصحة والتعليم والعمل، وسط غلاء متصاعد في المعيشة وتدهور الخدمات العمومية.

البلاغ الحكومي ركّز على الاستجابة الرسمية للمطالب الشبابية، والانخراط في الإصلاحات الكبرى، والحوار المؤسساتي. لكن هذا الخطاب سرعان ما واجه ردوداً نقدية حادة من طرف الشباب ومنظمات المجتمع المدني، التي اعتبرت البلاغ محاولة لتهدئة الرأي العام دون معالجة جذور الأزمة.

خداع شعبي بمفردات خشبية

البلاغ الحكومي يحتوي على عبارات مثل “الإنصات الجيد” و”التجاوب المسؤول”، وهي مفردات تبدو في ظاهرها إيجابية، لكنها أمام الواقع الميداني تتحول إلى ألفاظ فارغة.

الواقع يشير إلى أن الشباب يُسحلون ويُعتقلون في الشوارع لمجرد رفع شعارات احتجاجية سلمية ضد غلاء المعيشة، وضعف الخدمات الأساسية في الصحة والتعليم والشغل.

هذا التناقض بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني يظهر الاستخفاف الصريح بمطالب الشباب ويطرح سؤالاً هامًا: هل الكلمات الرسمية تكفي لتهدئة غضب شعبي متصاعد؟

تزييف الواقع بالخطاب

البلاغ تحدث عن “تفاعل متوازن للسلطات الأمنية”، لكن الواقع يكشف عن قمع ممنهج واعتقالات عشوائية ومحاكمات صورية لشباب خرجوا للتعبير عن مطالبهم.

هذا التناقض بين الورق الرسمي والشارع يؤكد ازدواجية الخطاب: لغة رسمية تهدف للطمأنة على الورق، ولغة ميدانية تمارس الضبط بالقوة.

السؤال الذي يطرحه الواقع: كيف يمكن وصف هذا التفاعل بأنه متوازن، بينما تتعرض الحقوق الدستورية الأساسية للدهس؟

تحميل الماضي مسؤولية الحاضر

البلاغ أشار إلى “تراكمات وإشكالات منذ عقود” لتبرير البطء في الإصلاح، وهو ما اعتبره الشباب محاولة للتملص من المسؤولية السياسية المباشرة.

الأحزاب الممثلة في الأغلبية الحالية هي نفسها التي شاركت في إدارة الشأن العام لعقود، ونتائج سياساتها اليوم تظهر جليًا في الفقر، البطالة، وانهيار الخدمات العمومية.

هذا الأسلوب يعكس استراتيجية الحكومة لإعادة توجيه النقاش بعيداً عن مسؤوليتها المباشرة.

وعود فارغة ومتكررة

البلاغ تضمن الإشارة إلى إصلاحات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، وهي برامج مهمة من الناحية النظرية، لكنها مكررة ولم تُترجم إلى واقع ملموس.

الشباب والمواطنون يعانون يومياً من تدهور الخدمات العمومية وخصخصة القطاعات الاستراتيجية، ما جعل خطاب الحكومة يفقد مصداقيته أمام أعينهم.

الدرس هنا واضح: المواطن يريد أفعالًا ملموسة، وليس مجرد كلام نظيف على الورق.

التناقض مع دولة الحق والقانون

البلاغ يؤكد على التزام الحكومة بـ”ترسيخ دولة الحق والقانون”، بينما الواقع يشهد قمعاً للتظاهر السلمي ودهساً للحقوق الدستورية.

هذا التناقض ليس عفويًا، بل يعكس استراتيجية واضحة لاحتواء الغضب الشعبي دون معالجة جذوره.
الخطاب الورقي يطمئن الرأي العام والمؤسسات الدولية، بينما الميدان يعكس إجراءات صارمة لتقييد التعبير الجماعي.

الحراك الشبابي: مطالب مشروعة ورسالة واضحة

الحراك الشبابي ليس موجهاً ضد الأحزاب أو المؤسسات بحد ذاتها، بل ضد سياسات لا تخدم المواطنين وتفاقم الفقر والبطالة والإقصاء.
المطالب الجوهرية تشمل:

  • إطلاق سراح المعتقلين فوراً،

  • فتح حوار وطني حقيقي مع القوى الاجتماعية والسياسية الحية،

  • تنفيذ إصلاحات ملموسة على أرض الواقع في الصحة والتعليم والعمل.

الاستمرار في سياسة التسويف والقمع لن يؤدي إلا إلى تأجيج الغضب الشعبي، بينما الحل الجذري يتطلب شجاعة سياسية ومصداقية في الخطاب والإجراءات.

خاتمة

المشهد الحالي في المغرب يعكس توترًا بين خطاب رسمي يطمئن ويؤكد الإصلاحات وبين واقع ميداني يفضح التناقضات.

البلاغ الحكومي يحاول إعادة رسم الصورة الرسمية للأغلبية والحكومة، لكنه يظل بعيدًا عن واقع مطالب جيل Z.

القراء أمام خيار طرح الأسئلة الكبرى: هل ستستجيب الحكومة لمطالب الشباب بطريقة حقيقية، أم سيبقى الخطاب الورقي مجرد غطاء لشكل من أشكال التسويف؟

في النهاية، هذا التحليل يوضح أن المسؤولية الآن تقع على الحكومة والأغلبية في تقديم إصلاحات ملموسة وحوار حقيقي، وإلا فإن الغضب الشعبي لن يختفي وسيستمر في الضغط على كل مستويات القرار.