ذكر تقرير، أن السلطات المغربية أعلنت أن 4747 مهاجرًا وصلوا إلى المغرب خلال العامين الماضيين ، من بينهم 56 سودانيًا ، قرّروا العودة إلى بلادهم مباشرة بعد مأساة مليلية في 24 يونيو الماضي والتي شهدت مصرع 23 شخصاً، التخلي عن حلم العبور إلى أوروبا و العودة إلى بلدانهم الأصلية ، بحسب تقرير للمنظمة الدولية للهجرة (IOM).
ويكشف التقرير ، أن المهاجرين العائدين إلى بلادهم بعد وصولهم إلى المغرب ، تخلوا عن حلم الهجرة إلى أوربا بالنظر إلى صعوبة الاستقرار في المغرب واستحالة العبور إلى أوروبا.
وأشار التقرير إلى أن غالبية المهاجرين الذين يتقدمون بطلبات للعودة إلى بلادهم هم من كوت ديفوار وغينيا والسنغال ومالي والكاميرون.
وتسببت محاولة اقتحام المعبر الحدودي لمليلية التي نفذها نحو ألفي مهاجر في مقتل 23 منهم وفق السلطات المغربية – 27 وفق الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي أبرز المنظمات الحقوقية المستقلة في المغرب – ما اثار استياء شديدا في المغرب وخارجه.
هذه الخسائر البشرية هي الأكبر على الإطلاق خلال محاولات المهاجرين دخول جيب مليلية وجيب سبتة المجاور اللذين يشكلان الحدود البرية الوحيدة للاتحاد الأوروبي مع القارة الإفريقية.
ومنذ 24 حزيران/يونيو، قضت المحاكم المغربية بسجن عشرات المهاجرين، معظمهم سودانيون، لمدد تراوح بين ثمانية أشهر وسنتين ونصف سنة. وتتواصل محاكمة مجموعات أخرى منهم أمام الاستئناف في تشرين الأول/أكتوبر.
وكان هؤلاء يلاحقون بعدة تهم بينها “الدخول بطريقة غير شرعية للتراب المغربي” و”العنف ضد موظفين عموميين” و”التجمهر المسلح” و”العصيان”، إضافة إلى “الانضمام لعصابة لتنظيم وتسهيل الهجرة السرية إلى الخارج” و”إضرام النار” بالنسبة لبعضهم، وفق المصدر نفسه. واعتقلوا مع عشرات المهاجرين، معظمهم سودانيون، إثر محاولة نحو ألفي مهاجر الدخول بالقوة إلى جيب مليلية الإسباني عبر معبر حدودي انطلاقا من الناظور، في 24 يونيو/حزيران.
وكانت المحكمة الابتدائية في نفس المدينة قضت في وقت سابق بالسجن 11 شهرا بحق 33 مهاجرا اعتقلوا أيضا إثر هذه المحاولة، كما أدينت مجموعة أخرى من 14 مهاجرا أوقفوا عشية الحادث بالسجن 8 أشهر، في ملفين منفصلين.
بينما تعد مكافحة الهجرة غير النظامية ملفا أساسيا في التعاون بين المغرب وإسبانيا، تدافع المنظمات الحقوقية عن حق المهاجرين في التنقل، باعتبارهم طالبي لجوء يسعون لحياة أفضل هربا من الحروب أو المجاعات أو الفقر.
وتشكل كل من مليلية وسبتة، الجيبين الخاضعين للسلطات الإسبانية شمال المغرب، الحدود البرية الوحيدة للاتحاد الأوروبي مع أفريقيا، مما يجعلها نقطة جذب للمهاجرين. وموّل الاتحاد الأوروبي عبر وكالته لحماية الحدود الخارجية “فرونتكس” تشييد السياجين بكلفة 66 مليون يورو.
وتعتبر هذه المحاولة هي الأكبر من نوعها منذ عبور أكثر من 10 آلاف مهاجر في أيار/مايو من العام الماضي جيب سبتة، إثر أزمة دبلوماسية اندلعت حينها بين الرباط ومدريد على خلفية استقبال الأخيرة لزعيم جبهة البوليساريو.
غير أن المغرب الذي نهج خطة سياسية و استراتيجية جديدة لتمركز قوي في أفريقيا، وحاجته إلى ضمان ود الدول الأفريقية، وحاجته إلى فك كل ألغاز العملية الأمنية في إطار نهجه الاستباقي، ومراعاة لالتزاماته بمقتضى القانون الدولي، و تقديره للجانب الإنساني والتضامني، فقد أقر بوجود أعداد من المهاجرين جنوب الصحراء فوق إقليمه يقدرون بالآلاف، و أعلن منذ 2014 عن نهجه سياسة استثنائية في ميدان الهجرة، بفتح الباب لتسوية الوضعية الإدارية للمهاجرين فوق ترابه، وهي الآن في نسختها الثانية منذ منتصف دجنبر 2016.
إلا أن هذا التطبيع لأوضاع المهاجرين الإدارية، لن يكون مكتملا إلا إذا أقترن بإجراءات وتدابير مادية، في إطار المنافذ الحقيقية للاندماج، لكفالة حقوق وحريات المهاجرين، وأبنائهم في التعليم والشغل والصحة والسكن وغيرها، وهي حقوق لها ارتباط وثيق بالموارد المالية للمغرب.
بيد أن الآني يقتضي القيام بحملات توعوية لدور الهجرة والتنوع في غناء المجتمعات و مناعتها، درءا لأعمال عنصرية قد تتولد عن فعل الاحتكاك اليومي، ونفس التحسيس مطلوب بين المهاجرين ليراعوا قيم ومشاعر مجتمع الاستقبال المغربي في سلوكهم وتصرفاتهم درءا لسقوطهم في المحظورات، التي يعاقب عليها القانون. فالهجرة معادلات صعبة، وفي خضمها يوجد الإنسان، الذي يجب أن يستأثر باهتمام الجميع.
أوروبا تتوحد في ميدان الهجرة وتنقل عبء الحراسة للمغرب
غير أن سياسة إغلاق الحدود ومراقبتها من البر والجو والبحر، بقيت بعيدةً، عن أن تشكِّل عائقًا ماديًّا يحول بين الشباب وتحقيق حلم وطموح الهجرة إلى أوروبا، فظهرت محاولات ناجحة للهجرة، والسفر خارج نقط العبور المعتادة: مطارات وموانئ ومراكز الحدود البرية، واتخذت مغامرات السفر والهجرة مسارات سرية، ووعرة، وباستعمال وسائل خطيرة، أو عبر معابر نظامية، باستعمال هويات مزيفة، وهو الشيء المعبَّر عنه تارة، بالهجرة غير الشرعية، وتارة أخرى بغير القانونية، وأحيانًا أخرى بالسرية، أو غير النظامية.
إلا أن الدول الأوروبية لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التحدي، تحدي نجاح المهاجرين بدخول إقليمها بأعداد غفيرة يوميًّا، الذي مرده قدرة الشباب المهاجر الخارقة، على تخطي الحواجز المادية، والقانونية، والتكنولوجية، ولو تضحيةً ومغامرة بالنفس، وتقديم الرُّوح فداء وقربانًا للحلم بالحياة، فعمدت الدول الأوروبية بدايةً إلى توحيد سياساتها في ميدان الهجرة، منذ قمة تامبير 1999، ولاهاي 2004، وستوكهولم 2008، وجعلت من أولى أولوياتها، محاربة الهجرة غير القانونية؛ حيث تحولت سياسة الحيلولة دون ولوج الشباب الإفريقي لأوروبا، إلى تدابير مادية تمنعهم، وقواعد قانونية زجرية تعاقبهم على مجرد ممارسة الحق في مغادرة أوطانهم(3).
وهي السياسات، التي أقرها البرلمان والمجلس الأوروبي من ذي قبل، سواء في الميثاق الأوروبي للهجرة واللجوء، الذي صادق عليه المجلس الأوروبي في 15 و16 أكتوبر/تشرين الأول 2008(4)، أو في مذكرة البرلمان والمجلس الأوروبي CE/2008/115، بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2008، المتعلقة بالقواعد والمسطرة المشتركة بين كافة الدول الأعضاء، من أجل ترحيل وعودة مواطني الدول الغير، في وضعية غير قانونية، ويُعرف هذا التوجيه الأوروبي بمذكرة “العار” أو مذكرة الطَّرد. وهي في جميع الأحوال اتفاقيات غير مطابقة للقوانين الدستورية الأوروبية، ومخالفة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتتناقض حتى مع القوانين الداخلية لدول الاتحاد الأوروبي وللدول المتعاقدة معها في خطط وبرامج محاربة هذه الظاهرة.
وقد أدرك خبراء وسياسيو أوروبا أن هذه السياسة، وهذه التدابير لن يُكتب لها النجاح، ما لم تنخرط في تنفيذها دول المصدر، ودول العبور، فبدأ مسلسل توريط هذه الدول قانونيًّا وفعليًّا، عن طريق إبرام اتفاقات ثنائية معها، تحت اسم التدبير التعاوني في ميدان الهجرة، تضع بموجبها دول الاستقبال الأوروبية التزامًا على عاتق دول المصدر في إفريقيا، وواجبًا بالمساهمة والمشاركة في مراقبة وصدِّ أفواج الهجرة، والحد منها ومراقبتها، وقبولها بترحيل المهاجرين من مواطنيها إليها(5).
وفي مقابل هذا التعاون، فإن دول العبور والمصدر تستفيد من حصة في الهجرة الشرعية، ووعود من أجل الدعم والمنحة، والمساعدة بعناوين متنوعة، بحسب كل مرحلة؛ منها المساعدة من أجل التنمية، أو الشراكة من أجل التنمية، أو مساعدات في إطار الوضع المتقدم، الممنوح لبعض الدول، منها المغرب وتونس، ولا يتعدى في أحسن الأحوال ما تخصصه الدول الأوروبية لأداء التزامها المذكور، نصف نقطة من ناتجها الوطني.
وقد نتج عن تلك السياسة وقوع دول الشمال والغرب الإفريقي في شَرَك وخطيئة اتفاقيات التعاون في ميدان تدبير الهجرة؛ حيث فرضت الدول الأوروبية عليها واجب مراقبة حدودها الخارجية، بل وقبولها أحيانًا بالمساهمة البشرية الأوروبية في الفعل المباشر لعمليات المراقبة، فوق إقليم بعض الدول الإفريقية، وفي مناطق محددة، معروفة بنقط العبور السرية السوداء، وخاصة على السواحل المغربية والموريتانية؛ حيث تشارك قوات من حرس خفر السواحل الإسباني مع القوات المساعدة المغربية، أو مع القوات الموريتانية.