كأس إفريقيا 2025 بالمغرب: غضب مهني صامت ورسائل احتجاج على طريقة تدبير الاعتماد

0
134

المغرب وكأس إفريقيا 2025: حين يتحوّل الاعتماد الإعلامي إلى سؤال محرج

لم يكن ملف الاعتمادات الإعلامية لتغطية كأس إفريقيا للأمم 2025 بالمغرب مجرّد إجراء تنظيمي عابر، بل تحوّل، في ظرف وجيز، إلى مرآة تعكس توتراً أعمق داخل المشهد الإعلامي الرياضي، وتطرح أسئلة تتجاوز حدود التنظيم التقني لتلامس جوهر العلاقة بين الصحافة المهنية والمؤسسات المشرفة على الأحداث الكبرى.

فمع توالي شكاوى صحافيات وصحافيين مهنيين، استوفوا الشروط القانونية والمهنية، ثم وجدوا أنفسهم خارج لوائح الاعتماد دون توضيح أو تبرير، بدأ الإحساس بالغبن يتسلل إلى الجسم الإعلامي، ليس بوصفه استبعاداً فردياً، بل كإشارة مقلقة إلى منطق غير مفهوم في تدبير حق أساسي: الولوج إلى المعلومة.

في هذا السياق، اختار القطب الرياضي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية كسر الصمت، معبّراً عن قلقه البالغ إزاء ما اعتبره مساساً بمبدأ تكافؤ الفرص، وتناقضاً صريحاً مع الخطاب الرسمي الذي يؤكد، في أكثر من مناسبة، على الانفتاح الإعلامي واحترام حرية الصحافة. فالحق في التغطية، هنا، لا يُقرأ كامتياز، بل كوظيفة دستورية مرتبطة بدور الصحافة في نقل الحدث، وتأطيره، ومساءلته.

صورة بلد… لا مجرّد خلاف مهني

اللافت في البلاغ النقابي أنه لم يحصر الإشكال في بعده المهني الضيق، بل ربطه مباشرة بصورة المغرب، البلد الذي يستعد لاحتضان واحدة من أكبر التظاهرات الكروية في القارة. فالمملكة راكمت، خلال السنوات الأخيرة، إشادة دولية بقدراتها التنظيمية والبنيوية، غير أن الشق الإعلامي، كما عبّر البلاغ، يبدو وكأنه يتحرك خارج هذا المسار التصاعدي.

غياب توضيح رسمي يحدد الجهة المشرفة على إعداد لوائح الاعتماد، أو المعايير المعتمدة في الاختيار، فتح الباب أمام تأويلات مشروعة، لا تبحث عن شماعات، بقدر ما تطالب بالوضوح. ففي مثل هذه المحطات، لا يكفي نجاح التنظيم اللوجستي إذا ظل التنظيم الإعلامي محاطاً بالضباب.

غموض المعايير… وانتقائية تثير القلق

أكثر ما أثار استياء القطب الرياضي هو ما وصفه بالغموض الذي يلف مسطرة الاعتماد، خاصة حين يقترن بإقصاء صحافيين مهنيين لفائدة مؤثرين وصنّاع محتوى لا تنطبق عليهم، في نظر النقابة، الشروط القانونية والأخلاقية للعمل الصحافي.

هنا، لا يدور النقاش حول قيمة المحتوى الرقمي أو التحولات الجديدة في الإعلام، بل حول غياب الحدود الفاصلة بين الصحافة كمهنة مؤطرة بالقانون، وصناعة المحتوى كفعل حر لا يخضع لنفس الالتزامات. وحين تختلط الأدوار دون معايير معلنة، يصبح الإقصاء غير مفهوم، وتتحول المسطرة إلى ما يشبه الانتقاء غير المفسّر.

الأسئلة التي طرحها البلاغ جاءت مباشرة، لكنها بقيت في إطار الاستفهام المشروع:
من يحدد لوائح الاعتماد؟
وبأي معايير؟
ولماذا يُضيَّق على الصحافة المهنية في لحظة يُفترض أنها في قلب الحدث لا على هامشه؟

بين التصحيح والاستمرار في الغموض

من وجهة نظر النقابة، لا يهدد هذا الوضع فقط حقوق الصحافيين، بل يخلق احتقاناً داخل الجسم الإعلامي كان بالإمكان تفاديه لو تم اعتماد مقاربة تشاركية منذ البداية، قائمة على الوضوح والإنصاف. فالتنظيم الإعلامي لأي تظاهرة كبرى لا يقل أهمية عن التنظيم الأمني أو اللوجستي، لأنه الواجهة التي تُقدَّم بها الصورة إلى الداخل والخارج.

وعليه، جاءت مطالب القطب الرياضي واضحة في صياغتها، هادئة في نبرتها، لكنها حازمة في مضمونها: تصحيح الوضع بشكل عاجل، تمكين الصحافيين المهنيين المستوفين للشروط من الاعتماد، الكشف عن الجهة المشرفة على اللوائح ومعاييرها، ووقف كل أشكال الإقصاء غير المبرر، بما يخدم المصلحة العامة ويعزّز صورة المغرب كبلد يحترم التعدد الإعلامي ويصون كرامة المهنة.

ما بين السطور

في العمق، لا يتعلق هذا الملف فقط بمن حضر ومن غاب، بل بالسؤال الأوسع: أي نموذج إعلامي نريده لتغطية الأحداث الكبرى؟ نموذج يُدبَّر بالوضوح والمؤسسات، أم بمنطق الانتقاء الصامت؟

ختام البلاغ، باحتفاظ النقابة بحقها في سلوك كل المساطر النضالية والقانونية المشروعة، لا يُقرأ كتهديد، بل كتنبيه أخير إلى أن معالجة هذا الملف بهدوء ومسؤولية ليست خياراً، بل ضرورة تليق بمغرب يراهن على الرياضة كرافعة للصورة، وعلى الصحافة كشريك لا كعبء.