في مشهد غير معتاد، خطف وزير الاستثمار المغربي، كريم زيدان، الأضواء خلال فعاليات النسخة السادسة من مهرجان مغاربة العالم بمدينة بركان.
لم يكن حضوره شكليًا ولا بروتوكوليًا، بل جسّد، على مدى أيام، نمطًا جديدًا من الانخراط الوزاري، يقوم على القرب، والتفاعل، والمواكبة الميدانية الحقيقية.
فبينما غابت شخصيات وازنة من السلطة المحلية، من عامل الإقليم إلى كبار المسؤولين الأمنيين، برز الوزير زيدان كالحلقة الأبرز في الساحة، لا بوصفه ممثلاً للحكومة فحسب، بل كفاعل مباشر جلس مع ممثلي الجالية، وتحدث إليهم، واستمع إليهم، بل وبقي وسطهم من الصباح حتى ساعات المساء.
هذا التميز لم يكن عرضيًا، بل تكرّس يومًا بعد آخر، حتى تحوّل إلى سؤال ضمني يتردد بين الحاضرين: هل نحن أمام تحول في وظيفة الوزير؟
زيدان لم يتصرف كضيف شرف، بل كمواطن يحمل مسؤولية، وكمسؤول يدرك أن ملفات الاستثمار والتنمية لا تُدار من خلف المكاتب أو داخل الصالونات المغلقة، بل في النقاش المباشر مع الناس، خاصة أولئك الذين يمثلون جسور المغرب نحو الخارج: الجالية المغربية.
توقف كثيرون عند مشهد الوزير وهو يخص الصحافة الوطنية والدولية بجلسات مطولة، ويقدم لمجلة “ديبلوماتيك” مقابلة تجاوزت 20 دقيقة، لم يكتف فيها بالشعارات، بل قدم إجابات دقيقة حول رؤية وزارته وخطة عملها مع الجالية. مشهد نادر في زمنٍ بات فيه التواصل الرسمي مع الإعلام محصورًا في بلاغات جاهزة وتصريحات مقتضبة.
غير أن الأهم من هذا كله هو السياق الأعمق الذي جاء فيه هذا الحضور.
فالمهرجان، المنظم تحت شعار “مغاربة العالم: إشعاع مملكة، وجسور التنمية والاستثمار”، يعكس انسجامًا مع التوجيهات الملكية الداعية إلى تعبئة كفاءات الجالية والانفتاح عليها.
لكن، هل يكفي حضور وزير واحد لتجسيد هذه التوجهات؟ وأين كانت السلطة المحلية التي يفترض أن تكون أول من يحتضن الجالية في موطنها الأصلي؟
وهل يفتح هذا الحضور الاستثنائي الباب أمام إعادة النظر في أنماط العمل المشترك بين المركز والجهات؟
من جهة أخرى، حمل حضور المجلس الإقليمي لبركان دلالات مهمة، أبرزها استعداده لاحتضان كفاءات الجالية والاستفادة من خبراتها، ما يعكس نضجًا في الوعي المحلي بقيمة هذه الفئة الاستراتيجية.
لكن المعضلة تظل في ضعف التنسيق بين مستويات القرار: فغياب العامل والوالي يطرح أسئلة عن أولويات الإدارة الترابية، وعن جدية المؤسسات في ترجمة الخطابات الرسمية إلى حضور فعلي.
قد لا يكون كريم زيدان “نموذجًا استثنائيًا” بعد، لكن ما قدّمه في بركان يعيد النقاش حول معايير أداء الوزير المغربي، ومفهوم “القرب من المواطن”، في ظل نظام الجهوية المتقدمة والدبلوماسية الترابية.
فإذا كان الوزير قادرًا على الجلوس مع الجالية والإنصات لقضاياها من دون حواجز، فلماذا لا تصبح هذه الممارسة قاعدة لا استثناء؟
وإذا كان التفاعل المباشر ممكنًا، فلماذا يظل غائبًا عن معظم المناسبات الرسمية الأخرى؟
في النهاية، لم يكن حضور كريم زيدان حدثًا بروتوكوليًا عابرًا، بل لحظة سياسية بامتياز، كشفت بوضوح أن السياسة قد تستعيد معناها حين يقرر الفاعلون أن يقتربوا من الناس، لا أن يبتعدوا عنهم.