في أجواء تعجّ بها التحديات الاقتصادية والاجتماعية، تتكشف أمامنا صورة جديدة للفساد المالي والاقتصاد الموازي في شمال المغرب، حيث تشير معطيات مصدرها موقع هسبريس إلى وجود شبكة متخصصة في تبييض الأموال وتهريب العملة، تنشط تحت غطاء شركات تسويق مواد البناء، خصوصاً في ضواحي طنجة وتطوان.
خلفيات القضية: شركات “SARL” وسوق مواد البناء في قلب التحقيقات
تكشف المصادر أن هذه الشبكة تعتمد بشكل رئيسي على شركات ذات مسؤولية محدودة (SARL)، تقوم ببيع فواتير وهمية، وتنفيذ عمليات بنكية واستيرادية مشبوهة بين المغرب وإسبانيا. وتؤكد تقارير الرقابة المالية وجود تضخم ملحوظ في أرقام المعاملات، تجاوزت الحدود الطبيعية لمجال عمل هذه الشركات، ما دفع الهيئة الوطنية للمعلومات المالية إلى فتح تحقيقات معمقة.
مؤشرات التواطؤ: دور رجال السلطة وامتدادات اقتصادية
يبرز في القضية شبهات جدية حول استفادة بعض المسؤولين المحليين من تراخي الرقابة على نشاطات هذه الشركات، خصوصاً في ما يتعلق بمنح التراخيص ومراقبة الأوراش ومستودعات البناء التي تنمو على أراضٍ فلاحية بشكل غير قانوني. تشير المصادر إلى وجود تبادل مصالح واضح يتمثل في تغاضي السلطات عن بعض التجاوزات مقابل تسهيلات في التموين والتجارة.
شبكة عابرة للحدود: جنسيات مزدوجة وتبييض عبر استيراد مواد البناء
تكشف المعلومات أن أفراداً من هذه الشبكة يحملون جنسيات مزدوجة (مغربية وإسبانية)، ما يسمح لهم بحرية التنقل والقيام بعمليات استيراد بأرقام مضخمة تفوق ما تظهره سجلات الشركات. يستخدمون أيضاً مسيرين صوريين وحسابات بنكية باسم مستخدمين آخرين، إضافة إلى دفاتر شيكات مزورة، لتبييض مبالغ مالية ضخمة، يُشتبه في أنها مرتبطة بتمويل نشاطات غير قانونية، منها الاتجار الدولي بالمخدرات.
تحركات الهيئة الوطنية للمعلومات المالية
تؤكد المصادر أن الهيئة الوطنية للمعلومات المالية أحالت 71 ملفاً إلى النيابات العامة خلال الفترة الأخيرة، تغطي قضايا غسل أموال وتمويل إرهاب، مع ارتفاع نسب إحالة الملفات بنسبة تفوق 31% بين 2022 و2023. وتظهر إحصائيات أن أكثر من ثلث القضايا ترتبط بتزوير الوثائق والتلاعب بالحسابات البنكية.
كما تشير إلى تعاون مستمر بين مصالح الهيئة ونظيراتها الإسبانية لتتبع حركة الأموال عبر الحدود والكشف عن علاقات المتورطين في المغرب وخارجه.
قراءة في حجم الشفافية ومخاطر الحوكمة
تشكل هذه الوقائع اختباراً صعباً لمصداقية أجهزة الرقابة والسلطات المحلية، وتطرح أسئلة جوهرية حول قدرة الدولة على ضبط الاقتصاد الموازي والحد من نفوذ الشبكات التي تستغل ضعف النظام الرقابي وقصور التشريعات.
هل تملك الأجهزة الرقابية الإمكانيات الكافية لضمان بيئة مالية سليمة؟ وهل هناك إرادة سياسية حقيقية لتعزيز الشفافية وتحقيق العدالة الاقتصادية في مواجهة هذه التحديات؟
في النهاية، تبقى هذه القضية فرصة للصحافة للقيام بدورها في مساءلة المسؤولين، وتسليط الضوء على ملفات قد تبدو معقدة أو مغلقة، بهدف دعم جهود الإصلاح ومكافحة الفساد بكل أبعاده.