“كيف ساهم الصمت والغياب الحكومي في أزمة الهجرة إلى الفنيدق؟ لماذا يختار الشباب المغربي الهروب إلى سبتة؟”

0
347

“الفراغ السياسي في المغرب: تأثيراته على أزمة الهجرة وأمل الشباب المفقود”

بكل أسى وحزن، نجد أنفسنا اليوم أمام واقع مؤلم يدمي القلوب. فقد أصبحت الظروف الحالية التي يعيشها الشباب المغربي ليست مجرد نتاج للفقر، بل هي نتيجة لانعدام الثقة التام في المؤسسات السياسية والحكومية. ومن خلال تصريحات الدكتور عبد الفتاح الزين، منسق الشبكة الإفريقية للهجرة والتنمية، يتضح أن الانتقادات موجهة بشكل رئيسي إلى غياب الأدوار الفعّالة للأحزاب السياسية والحكومة. حيث تركز هذه الأخيرة على الصراعات الداخلية والمناكفات الانتخابية، بينما تتجاهل تمامًا مطالب وتطلعات الشباب، مما يزيد من شعورهم بالاغتراب.

في هذا السياق، أصبحت منطقة الفنيدق رمزًا لهذه المأساة، حيث شهدت تدفق الآلاف من الشباب والمراهقين في محاولة يائسة للوصول إلى سبتة المحتلة، مما أسفر عن مواجهات دامية مع قوات الأمن.

اليأس والإقصاء: القصة خلف الهجرة الجماعية

الشباب المغربي اليوم يعيش حالة من الإحباط الشديد. الفقر والبطالة المتزايدة، إلى جانب تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، دفعت آلاف الشباب إلى التخلي عن آمالهم في الحصول على حياة كريمة داخل وطنهم. وفقًا للدكتور عبد الفتاح الزين، منسق الشبكة الإفريقية للهجرة والتنمية، فإن المشكلة ليست فقط اقتصادية، بل سياسية بامتياز. فالسياسات الحكومية المتباطئة في تنفيذ الإصلاحات الحيوية وغياب البرامج الموجهة للشباب دفعتهم إلى “الكفر بالوطن”، كما أشار الزين.

وأضاف أن هؤلاء الشباب يشعرون بأنهم مهملون من قبل الحكومة والأحزاب السياسية التي انشغلت بالصراعات الانتخابية وتركتهم يواجهون مصيرهم المظلم دون تقديم حلول أو فرص حقيقية لتحسين أوضاعهم. والنتيجة، بحسب الزين، هي محاولات الهجرة الجماعية التي لا تقتصر على الفنيدق فقط، بل تنتشر في جميع أنحاء المغرب، حيث يحاول آلاف الشباب الهروب من واقعهم الأليم عبر البحر.

الأحزاب والحكومة: غياب الثقة والعجز عن الفعل

التقاعس الحكومي وعدم تنفيذ مشاريع إصلاحية ملموسة أدى إلى تدهور الثقة بين الشباب والمؤسسات. بينما يتساءل المغاربة عن مصير ثروات البلاد، مثل الفوسفاط والذهب وزوج بحور  والفلاحة وغيرها من الثروات الهائلة، يجد الشباب أنفسهم يعيشون في واقع يتناقض مع تلك الثروات. الحكومة، بحسب الكثير من المراقبين، تبدو عاجزة عن تفعيل توجيهات الملك محمد السادس، الذي دعا في العديد من خطاباته إلى تحسين أوضاع المواطنين والعمل بجدية لتحقيق التنمية المستدامة. أبرز تلك الخطابات كان “خطاب أين الثروة”، الذي طرح فيه الملك سؤالًا حول مصير ثروات المغرب وكيفية استفادة المواطنين منها.

المشاريع الملكية: بصيص الأمل في وسط الظلام

في مقابل هذا الفشل الحكومي، تبرز المشاريع الملكية كأحد العناصر التي تقدم نتائج ملموسة للشباب والمجتمع. حيث تعمل هذه المشاريع على تحسين البنية التحتية وتوفير بعض الفرص الاقتصادية، لكنها تبقى غير كافية لحل الأزمة برمتها. فالملك محمد السادس لطالما دعا إلى محاربة الفساد وتفعيل القوانين الرامية إلى تحسين الشفافية والنزاهة، إلا أن تلك القوانين لا تزال عالقة في البرلمان، مما يفاقم من شعور الشباب بالتهميش.

الشباب المغربي المهمل: ضحايا البطالة والتدهور الاجتماعي والرياضي في ظل التطبيقات المغلقة والهجرة السرية وتساؤلات حول ترحيل آلاف الشباب نحو المناطق النائية

وتظهر هنا النقطة الفاصلة، حيث يبرز أن المشاريع الملكية هي الوحيدة التي تحقق نتائج ملموسة، بينما تماطل الحكومة في إصدار قوانين حيوية مثل قانون مكافحة الفساد. هذا التماطل، الذي يتجاهل توجيهات الملك محمد السادس، ساهم في تصاعد موجات الهجرة الجماعية. الملك قد أشار في خطب عدة إلى ضرورة تفعيل الإصلاحات، مستفسرًا عن مصير ثروات المغرب من الفوسفاط والذهب، إلا أن الحكومة لم تستجب بشكل فعّال.

هجرة اليأس: هروب من التهميش

الواقع المؤلم في الفنيدق، الذي يشهد محاولات اقتحام جماعية وتدافع ضد قوات الأمن، يبرز بوضوح كيف أصبح غياب الأدوار الحكومية وضعف الأحزاب السياسية سببًا رئيسيًا في ارتفاع موجات الهجرة. ولإعادة الثقة للشباب في المؤسسات، يجب أن تتم مراجعة سياسات الحكومة والأحزاب، وتنفيذ إصلاحات حقيقية تستجيب لتطلعات المواطنين. فقط من خلال استجابة فعّالة وواقعية لمطالب الشعب يمكن التغلب على الأزمة الحالية وإعادة الأمل للشباب المغربي.

الهجرة السرية ليست فقط محاولة للهروب من الفقر، بل هي تعبير عن يأس شامل يشعر به الشباب المغربي. هؤلاء الشباب لم يعودوا يرون في وطنهم أملًا أو مستقبلًا. التهميش الاجتماعي والاقتصادي، إلى جانب غياب الدور الحكومي الفاعل، دفعهم إلى الاعتقاد بأن مستقبلهم في الخارج، مهما كان الثمن. رغم المخاطر المرتبطة بالهجرة غير الشرعية، فإنهم يعتبرونها الخيار الأخير المتاح لهم لتحقيق حياة كريمة.

الخلاصة: الحلول تتطلب أكثر من الأمن

الحلول الأمنية وحدها ليست كافية لمواجهة هذه الأزمة. ما يحتاجه الشباب المغربي هو سياسات تنموية شاملة توفر لهم فرص العمل والتعليم، وتمنحهم الأمل في مستقبل أفضل داخل وطنهم. يجب أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية لمحاربة الفساد، وتحقيق الإصلاحات التي تضمن للشباب الاستقرار والفرص.

الشباب المغربي ليسوا فقط مهاجرين غير شرعيين، بل هم ضحايا لسياسات لم تلبي طموحاتهم. وهم يستحقون أن يشعروا بأنهم جزء من هذا الوطن، وأن تكون هناك جهود حقيقية لتوفير الفرص لهم ولجميع فئات المجتمع.