ابتداءً من 24 شتنبر، تزينت القاعات السينمائية المغربية بفيلم جديد يحمل ثقلاً خاصاً، ليس فقط لأنه عمل فني يرسم ملامح قصة إنسانية غنية، بل لأنه أيضاً آخر ما خطت عدسة المخرج الراحل محمد إسماعيل، أحد أبرز الأسماء التي بصمت تاريخ السينما المغربية.
فيلم “لامورا.. الحب في زمن الحرب”، من تأليف وسيناريو وحوار مصطفى الشعبي ومحمد أمزاوري، يقدّم حكاية روزا، شابة إسبانية من أصول مغربية، تجد نفسها في رحلة بحث عن الذات، عن الجذور، وعن الحب الذي يتجاوز المسافات وحدود التاريخ. القصة، وإن بدت في ظاهرها رومانسية، إلا أنها تنسج خلفياتها في سياق اجتماعي وسياسي مضطرب، حيث تتقاطع الأسئلة حول الهوية والانتماء مع اختبارات القلب والذاكرة.
محمد إسماعيل، الذي غاب جسده قبل أن يرى فيلمه على الشاشة، ترك خلفه رؤية فنية تتجلى في تفاصيل “لامورا”: في إيقاع المشاهد، في الصراع بين الذاكرة والحاضر، وفي الخطاب البصري الذي يفتح نافذة على علاقة المغرب بإسبانيا، وعلى التمزق الإنساني بين العائلة والوطن والمنفى.
الفيلم يجمع نخبة من الممثلين المغاربة والإسبان، على رأسهم فرح الفاسي، المهدي فولان، هاجر بولعيون، عبد الإله أرمضان، إلى جانب أسماء أجنبية مثل تيرما إيريبي وخوتنا راموس. حضورهم لا يضيف فقط تنوعاً لغوياً وثقافياً، بل يعكس أيضاً فكرة الجسر الذي يحاول الفيلم أن يبنيه بين ضفتي المتوسط.
في شهادة مؤثرة، تحدثت جميلة صادق، زوجة المخرج الراحل، عن العمل باعتباره “حلماً ورسالة”، حلمٌ عاشه إسماعيل حتى آخر لحظة، ورسالة أراد أن يتركها للأجيال القادمة حول الهوية، الحب، والانتماء الذي لا تحدّه الجغرافيا. وتضيف: “محمد حاضر في كل لقطة، في كل حركة كاميرا، وفي كل حوار. هذا الفيلم هو وصيته، وبصمته الخالدة في سجل السينما المغربية.”
إطلاق “لامورا” اليوم هو أكثر من مجرد حدث سينمائي؛ إنه دعوة للجمهور ليحتفي بفنان ترك إرثاً غنياً، وليستحضر تلك اللحظة النادرة التي يمتزج فيها الإبداع بالفقد، حيث تصبح مشاهدة الفيلم تجربة مزدوجة: متعة بصرية ودرامية من جهة، وتأمل في مسار مخرج آمن بالسينما كأداة للحفر في الأسئلة الإنسانية العميقة من جهة أخرى.
وبينما يعرض الفيلم في القاعات، يبقى السؤال مفتوحاً: هل سيكون “لامورا” بداية حوار جديد حول موقع السينما المغربية في معالجة قضايا الهوية والتاريخ، أم أنه سيظل شاهداً على حلم مخرج رحل تاركاً خلفه فناً يتحدى النسيان؟