لا يبدو أن علاقات المغرب بإسبانيا ،تسير نحو الانفراج ،والذي كلمت تحدثت عنه الأوساط الإسبانية وعلى رأسها رئيس الديبلوماسية الباريس، فبينما يطالب المغرب بالربط بين التصريحات والأفعال ، تسيير حكومة مدريد في الاتجاه المعاكس .
وفي هذا الإطار ، ترى أوساط مغربية، بأن تصريحات مسؤولي الإدارة الاشتراكية الإسبانية ، متناقضة مع أسلوب رئيس الحكومة بيدور سانشيز، مستدلة على ذلك باللقاء الذي جمع الاخير بقائد جبهة البوليساريو إبراهيم غالي ، على هامش القمة الأوروبية والأفريقية بروكسيل منتصف فبراير الحالي.
واستغربت الأوساط المغربية ،لانفراد بيدور دون غيره من زعماء أوروبا في عقد قمة مع إبراهيم غالي ، والذي امتنع منظموا القمة في الاتحاد الأوروبي من استقباله في باب قاعة المؤتمر شان كافة رؤساء البعثات المشاركة، لكون غير مدعو من قبل الاتحاد الأوروبي والذي لا تعترف ايا من دوله بجبهة البوليساريو بل من الاتحاد الأفريقي.
وكان غالي سببا رئيسيا للأزمة الدبلوماسية بين الرباط ومدريد ،اثر استقباله من أجل تلقي العلاج بأحد مستشفيات أسبانيا وخروجه منها دون متابعته بالتهم الموجهة إليه والمتعلقة بالتعذيب والاختطاف والاتجار بالبشر.
وكانعكاس لاستمرار الأزمة، أعلنت وزارة الداخلية الاسبانية، تمديد إغلاق المعابر الحدودية في كل من مليلية وسبتة المحتلتين إلى غاية 31 مارس 2022.
ويذكر أن المعابر الحدودية للمدينتين السليبتين مغلقة منذ منتصف شهر مارس من السنة الماضية، بقرارات من الرباط ومدريد، بمبرر الوقاية من انتشار فيروس كورونا.
في 20 يناير/ كانون الثاني الجاري، قال متحدث الحكومة المغربية، مصطفى بايتاس، في مؤتمر صحفي، إن “إعادة العلاقات مع إسبانيا يحتاج لكثير من الوضوح”.
وأضاف: “بخصوص إسبانيا، في خطاب (ذكرى) ثورة الملك والشعب (في أغسطس/آب الماضي)، تحدث الملك (محمد السادس) عن أهمية العلاقات الاستراتيجية بين الرباط ومدريد”.
وأردف: “قبل سنتين، تكلم الملك في خطابات أخرى، وحدد الإطار المرجعي للعلاقات الخارجية لبلدنا مع مجموعة من الدول في مبدأين رئيسيين هما الطموح والوضوح”.
وتابع قائلا: “الطموح موجود وعبرت عنه إسبانيا، لكن لكي يتعزز الطموح نحتاج إلى الكثير من الوضوح”.
جاء هذا الموقف المغربي، بعد أيام من تأكيد العاهل الإسباني فيليبي السادس، “أهمية إعادة تحديد العلاقة القائمة مع المغرب على أسس أكثر قوة ومتانة”.
وأفاد ملك إسبانيا خلال استقباله وفد من السلك الدبلوماسي المغربي المعتمد لدى مدريد : “اتفقت حكومتا بلدينا على القيام سويا بإعادة تحديد علاقة للقرن الحادي والعشرين، بناء على أسس أكثر قوة ومتانة”.
وأضاف: “الآن ينبغي على الأمتين السير معا من أجل الشروع في تجسيد هذه العلاقة بدءا من الآن”، مشددا على أن العلاقات التي تجمع بلاده مع دول المنطقة المغاربية تكتسي “طابعا استراتيجيا”.
وفي يوليو/ تموز الماضي، وفي خطوة لرأب الصدع في العلاقات بين البلدين، عيّن بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، وزيرا للخارجية، بدلا من أرانتشا غونزاليس لايا، التي شكلت أحد أوجه الأزمة بين مدريد والرباط.
وفيما يتعلق بالعلاقات مع المغرب، حث زعيم الحزب الشعبي المدير التنفيذي للائتلاف اليساري على “التعامل مع هذه القضية بجدية بالغة”، يقول موقع نيوز اس يورو”.
تأتي هذه الانتقادات لحزب الشعب فيما يبدو أن الإسبان يقدرون أداء الباريس على الأقل هذا ما تظهره نتائج استطلاع للرأي أجرته صحيفة “لا رازون” حول تقييم المواطنين لأعضاء حكومة سانشيز، حيث احتل خوسيه مانويل ألباريس المركز السادس برصيد 4.3 من 10 ، متقدمًا على الوزراء في مناصبهم منذ يوليو 2018.
كما أعرب الملك المفدى محمد السادس حفظه الله عن رغبته في بدء مرحلة غير مسبوقة في العلاقات الثنائية مع إسبانيا. وفي 12 أكتوبر، بمناسبة العيد الوطني لإسبانيا، هنأ نفسه على “العلاقات الممتازة” بين البلدين، لكن المغرب لم يتخذ بعد خطوة لتطبيع العلاقات، فهو لم يعد إلى مدريد سفيره الذي دعا إلى المشاورات في مايو.
وكذلك لم يتم إعادة فتح الحدود مع سبتة ومليلية، ولا تزال الرحلة الأولى لوزير الخارجية خوسيه مانويل الباريس إلى الرباط معلقة.
فالسؤال الذي يجب أن يطرح هو، هل إستوعب أو فهم الإسباني دعوة الملكل المفدى محمد السادس حفظه الله، صيف العام الماضي لفتح صفحة جديدة بشكل خاطئ؟ أم أنهم أرادوا اختبار عزم المغاربة وإصرارهم على فرض معادلة أخرى في علاقتهم بهم؟ إن الهاجس الذي لا يزال يحركهم هو خوفهم من أن تتحول جارتهم إلى قوة إقليمية قد تشكل تهديدا لهم، ولأجل ذلك فهم يرغبون بأن لا تتوقف الخلافات بين المغرب والجزائر، حتى لا يهتم المغاربة بالأراضي والجزر التي تحتلها مدريد. وليس من العبث أن تشدد «الاستراتيجية الأمنية الجديدة للأمن القومي» التي صادقت عليها الحكومة الإسبانية أواخر العام الماضي على أن «علاقة إسبانيا بالمغرب والجزائر هي علاقة صداقة، من منطلق التعاون المخلص واحترام الحدود الثنائية». أما هل يعني ذلك أن الأزمة ستستمر لأمد طويل ومفتوح، فمن الواضح أن الطبخة التي ترضي الطرفين باتت بحاجة لوقت إضافي.
زاد من تعميق الأزمة المغربية الإسبانية، تدفق حوالي 8 آلاف مهاجر غير نظامي بين 17 و20 مايو/أيار الماضي، إلى سبتة، التي تعتبرها الرباط “ثغرا محتلا”.
ولم تكن الأزمة على خلفية استضافة غالي، الأولى من نوعها، فلطالما تضررت العلاقات بين البلدين بسبب ملف سبتة ومليلية، ففي 22 ديسمبر/ كانون الأول 2020، استدعت إسبانيا سفيرة المغرب لديها، كريمة بنيعيش، بخصوص هذا الملف.
فقبلها بثلاثة أيام، تحدث رئيس الحكومة المغربية السابق سعد الدين العثماني، في تصريح متلفز، عن “إمكانية فتح الملف (سبتة ومليلية) في يوم ما”.
وذكرت وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية، أن الخارجية الإسبانية، استدعت سفيرة الرباط، و”أخبرتها أن الحكومة تتوقع من جميع شركائها احترام سيادة ووحدة أراضي إسبانيا”.
رغم الأزمات المتتالية، تتميز العلاقات المغربية الإسبانية بالتطور على أكثر من صعيد.
وتظهر الأرقام الرسمية أن إسبانيا هي الشريك التجاري الأول للمغرب منذ 2012، حيث تنشط أكثر من 800 شركة إسبانية في المملكة.
وعلى الصعيد الأمني، استطاع البلدان بناء جسور الثقة لمواجهة الإرهاب العابر للحدود، حيث تم تفكيك خلايا إرهابية عديدة بتعاون مشترك.
وانتقل التعاون من مستوى تبادل المعلومات إلى تنظيم ندوات علمية حول المخاطر الأمنية، وطرق التنسيق لمواجهتها.
وفق سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة “سيدي محمد بن عبد الله” (حكومية/ شمال)، فإن “هناك عوامل كثيرة تدفع إسبانيا لتحسين علاقاتها مع المغرب وجعل العلاقات قوية كما كانت في السابق”.
وقال الصديقي للأناضول، إن “هذه العوامل يمكن إجمالها في محددين كبيرين، أولهما المحدد الاقتصادي بمختلف أبعاده سواء في مجال الاستثمار والتبادل التجاري والصيد البحري، حيث أن المغرب وإسبانيا يظلان بلدان قويان على صعيد ضفتي المتوسط”.
وأضاف أن “المحدد الثاني أمني، ويضم عناصر متنوعة على رأسها أمن الحدود وتهديد الإرهاب العابر للدول والهجرة غير النظامية، وإن كانت هذه الأخيرة في الأصل قضية إنسانية واجتماعية واقتصادية تحتاج حلا بعيدا عن تغليب الجانب الأمني”.
واعتبر أن “البعد الأمني لا يقل أهمية عن البعد الاقتصادي لأن الإسبان لن يشعروا بالأمن وحدودهم مشكوك في أمرها، لأن المغرب يظل عامل استقرار ويظل عاملا أساسيا في حماية أمن أوروبا وخاصة دول جنوب المتوسط”.
وشدد على أن “إسبانيا لن تنام مرتاحة البال إذا كانت حدودهم الجنوبية مشكوك في أمنها”.