“لا نختبئ وراء الأزمات”: هل تكفي سياسات الحكومة لتهدئة الغضب الاجتماعي؟

0
258

في جلسة أسئلة شفوية أمام مجلس النواب، اختارت نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، أن تواجه مباشرة الرؤى النقدية حول ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وقيمة المعاشات الهزيلة، متبنية خطابًا يجمع بين الدفاع الحكومي والتبرير التحليلي للأزمات المتعددة.

تصريحها لم يكن مجرد رد روتيني، بل هو نافذة على العقل الاقتصادي للحكومة المغربية في زمن التحديات المركبة: التضخم، الاحتكار، والأزمات العالمية المتلاحقة.

الغلاء بين الواقع والإدارة الحكومية

فتاح أكدت أن الحكومة لم “تختبئ وراء الأزمات”، مشددة على أن الإجراءات الحكومية تدخلت لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، عبر دعم الكهرباء والنقل وخفض الضرائب عن بعض المواد. لكنها لم تكتفِ بالإحصائيات الرسمية، بل أرادت أن تضع الأزمة في إطارها العالمي، مشيرة إلى أن التضخم الوطني بلغ 1.1% حتى غشت 2025 بعد ذروة 13%، بينما التضخم العالمي تجاوز 4%.

هنا يبرز السؤال الجوهري: هل مجرد ربط الأزمة الاقتصادية بالمؤثرات الخارجية يكفي لتخفيف شعور المواطن بالضغط اليومي على جيبه؟ وهل البيانات الرسمية التي تؤكد انخفاض أسعار بعض المواد تعكس الحقيقة على الأرض، أم هي صورة جزئية لأزمة أكثر عمقًا يعيشها السوق المغربي؟

المعاشات: الاعتراف بهزال القيمة

وفي لحظة تكاد تكون مفاجئة، اعترفت الوزيرة بـ”ضعف التغطية الاجتماعية”، خاصة لمتقاعدي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS). 19% من المتقاعدين في القطاع الخاص يعيشون على معاش يقل عن الحد الأدنى، وهو مؤشر واضح على هشاشة النظام الاجتماعي المغربي.

هنا يطرح الواقع سؤالًا أكبر: هل الإصلاح الجزئي ورفع المعاشات بنسبة 5% يكفيان لتهدئة الغضب الاجتماعي، أم أن المطلوب إصلاح هيكلي شامل يتجاوز الحسابات الرقمية ويعيد الاعتبار لكرامة المتقاعد؟

الدعم الاجتماعي المباشر: شفافية أم تحديات منهجية؟

فتاح استعرضت أيضًا أرقام الدعم الاجتماعي المباشر، من 2,6 مليون أسرة مستفيدة بداية 2024 إلى نحو 4,9 مليون حاليًا، مع نسبة رفض لا تتجاوز 1,3%. هنا، يبدو أن الحكومة تروج لنموذج الرقابة الرقمية والشفافية المؤسسية، لكن الواقع الاجتماعي يثير تساؤلات أخرى: كيف يمكن أن تضمن الحكومة وصول الدعم إلى الأسر الأكثر هشاشة، خصوصًا في المناطق النائية؟ وهل المنهجية الرقمية قادرة على التعامل مع التعقيدات الاجتماعية الفعلية، أم أنها مجرد أداة إحصائية لتجميل الواقع؟

استراتيجيات مستقبلية: وعد أم رؤية قابلة للتنفيذ؟

وزيرة المالية لم تقتصر على معالجة الوضع الراهن، بل أطلقت إشارات نحو برامج مستقبلية استراتيجية: الأمن الغذائي، تأمين المياه للزراعة، تخفيض تكلفة الطاقة. هذه الرؤية الشمولية تبدو طموحة، لكنها تطرح تساؤلات مفتوحة: ما مدى قدرة الحكومة على تنفيذ هذه البرامج دون تعارضات سياسية أو مالية أو مؤسسية؟ وهل المواطن المغربي العادي سيشعر بالتحسن في حياته اليومية قبل سنوات من تنفيذ هذه الاستراتيجيات؟

الخلاصة: قراءة عميقة في خطاب الحكومة

تصريحات نادية فتاح تكشف عن معضلة مزدوجة: على المستوى الرسمي، الحكومة تقدم نفسها كفاعل واعٍ ومنتج للحلول؛ على المستوى الاجتماعي، المواطن يواجه تأثيرات مباشرة للغلاء وهزال المعاشات.

التحليل المكثف يشير إلى أن الأرقام الرسمية والسياسات الحكومية لا تلتقي دائمًا مع الشعور الواقعي للفرد المغربي، ما يجعل من كل تصريح سياسي مادة للتساؤل: إلى أي مدى يمكن للخطاب الحكومي أن يجسر الهوة بين الواقع والإدراك الشعبي؟

أسئلة مفتوحة للقارئ:

  • هل التبريرات الحكومية للتضخم العالمي تبرر ارتفاع الأسعار على المستوى المحلي؟

  • هل الإصلاح الجزئي لمعاشات المتقاعدين كافٍ لضمان العدالة الاجتماعية، أم أنه مجرد “ترقيع” مؤقت؟

  • هل المنهجية الرقمية للدعم الاجتماعي تستطيع تعويض التحديات الميدانية للسياسات الاجتماعية؟

  • كيف يمكن للمواطن العادي تقييم مصداقية الحكومة بين الإحصاءات الرسمية والواقع اليومي؟

تصريح الوزيرة نادية فتاح هو أكثر من مجرد حديث برلماني: إنه مرآة للسياسات الاقتصادية المغربية وتحدياتها العميقة، ومفتاح لفهم كيفية إدارة الحكومة لأزمة القدرة الشرائية وسط سياق عالمي معقد.