لطيفة رأفت في دائرة الشهادة القضائية: عندما يطرق ملف “إسكوبار الصحراء” أبواب الفن والسياسة

0
92

ملف “إسكوبار الصحراء”: حين تتقاطع المخدرات مع السياسة والفن… هل يصمد القضاء أمام ضغط الأسماء الوازنة؟

في تطور جديد لما بات يُعرف إعلاميًا بملف “إسكوبار الصحراء”، قررت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء استدعاء مجموعة من الشخصيات السياسية والفنية كشهود في قضية يُتابع فيها تاجر مخدرات دولي يحمل الجنسية المالية، ويُشتبه في ارتباطه بشبكة نفوذ تمتد إلى دوائر الفن والبرلمان ورياضة النخبة.

عدالة في مواجهة شبكة نفوذ؟

أبرز الأسماء التي تقرر استدعاؤها: الفنانة المغربية لطيفة رأفت (طليقة أحد المتهمين الرئيسيين)، والبرلماني عبد الواحد شوقي عن حزب الأصالة والمعاصرة، إضافة إلى نجل الرئيس السابق لنادي الوداد البيضاوي سعيد الناصري المعتقل في نفس الملف. وتأتي هذه الخطوة في سياق ملتمس قدمه دفاع المتهم عبد النبي بعيوي، الرئيس السابق لجهة الشرق، لاستدعاء هؤلاء كشهود بغرض المواجهة مع تصريحات تم الإدلاء بها في محاضر الضابطة القضائية.

هذه المواجهة القضائية بين شخصيات من مجالات متباينة (الفن، السياسة، الرياضة) تُطرح في لحظة دقيقة من النقاش العمومي حول استقلالية القضاء، ومدى قدرته على المضي قدمًا في ملفات تتقاطع فيها شبكة المصالح السياسية مع التهم الجنائية العابرة للحدود.

تسييس الجريمة أم تجريم السياسة؟

واحدة من الإشكالات التي يُثيرها هذا الملف تتعلّق بالسؤال التالي: هل نحن أمام محاولة لتصفية حسابات سياسية داخل القضاء؟ أم أن القضاء بات اليوم في قلب معركة مع شبكات الجريمة المنظمة التي تسعى لتبييض علاقاتها عبر واجهات سياسية وفنية؟

ليس سرًا أن المتهمين والمُستدعين ينتمون إلى فضاءات ذات حساسية مؤسساتية عالية، ويكفي ذكر أن بعيوي كان فاعلًا جهويًا بارزًا في حزب الأصالة والمعاصرة، بينما الناصري كان رئيسًا لأحد أكبر الأندية الرياضية في المغرب، أما لطيفة رأفت فهي وجه فني له رمزيته الاجتماعية والإعلامية. وبالتالي، فإن رمزية الشخصيات تحوّل الملف من قضية جنائية عادية إلى اختبار لقدرة الدولة على تطويق شبكة النفوذ والمصالح المرتبطة بتجارة المخدرات.

العدالة الجنائية على محكّ التوازنات

رغم أن استدعاء الشهود هو إجراء قانوني يندرج في صميم ضمانات المحاكمة العادلة، إلا أن توالي الطلبات بإجراء المواجهات – لا سيما مع شخصيات ذات خلفيات حساسة – يضع القضاء أمام امتحان مزدوج:

  • من جهة، احترام مبدأ المساواة أمام القانون،

  • ومن جهة ثانية، تفادي توظيف العدالة كأداة لتصفية الحسابات أو لتبرئة ذمم سياسية.

السياق المغربي لا يخلو من سوابق شهدت فيها قضايا جنائية توظيفًا سياسيًا أو تضخمًا إعلاميًا، مما يجعل أي تحرّك قضائي من هذا النوع موضع مراقبة واسعة من طرف الرأي العام المحلي، وأحيانًا الدولي، خاصة في ظل الدعوات المتزايدة لتعزيز الشفافية وتوسيع سلطة النيابة العامة في مكافحة الجريمة المنظمة.

سياق دولي ضاغط ومطالب متزايدة بالإصلاح

يأتي هذا الملف في ظل تقارير دولية متزايدة تحذر من اتساع رقعة الاتجار بالمخدرات في منطقة الساحل والصحراء، وامتداد شبكاته إلى واجهات سياسية وإعلامية في شمال إفريقيا.

وفقًا لتقارير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، فإن المغرب يُعد نقطة محورية في “الطرق الجديدة” التي تعتمدها شبكات الكوكايين والهيروين العابرة للقارات، وتُستخدم فيها علاقات محلية ذات طابع سياسي لتسهيل المرور أو التغطية.

في هذا السياق، يُفهم استدعاء شخصيات سياسية أو فنية في قضايا من هذا النوع ليس فقط من باب العدالة الإجرائية، بل كخطوة قد تعكس تحولًا في منطق الدولة في التعاطي مع ملف المخدرات: من التسامح الرمادي إلى المساءلة الواضحة.

خلاصة: منطق المساءلة أم استعراض الأسماء؟

في النهاية، ما يُنتظر من هذه المحاكمة ليس فقط الحكم في قضية تاجر مخدرات، بل تقديم نموذج جديد في العدالة الجنائية المغربية، يتجاوز منطق “الوجوه المعروفة” ليؤسس لمنطق جديد: لا أحد فوق القانون.

لكن يبقى السؤال معلقًا: هل سيتمكّن القضاء من استكمال هذا الملف بعيدًا عن الضغوط السياسية والإعلامية؟ أم ستتدخل التوازنات لتحييد بعض الأسماء عن المساءلة؟