لغز أسعار المحروقات في المغرب: لماذا لا ينعكس انخفاض النفط العالمي على المواطن؟

0
167
الصورة : منصات التواصل

في الوقت الذي تشهد فيه الأسواق الدولية تراجعًا في أسعار النفط الخام، يظل المستهلك المغربي يتساءل باستغراب: لماذا لا تنعكس هذه الانخفاضات على أسعار البنزين والغازوال في محطات الوقود المحلية؟ اللغز الذي يحيّر المواطنين ويثير الجدل بين الخبراء، ليس مجرد قضية أسعار، بل يعكس تحديات استراتيجية في قطاع المحروقات بالمغرب، وتأثيرًا مباشرًا لإغلاق مصفاة “سامير” على الاقتصاد الوطني.

أسعار النفط العالمية والانخفاض الأخير

بحسب بيانات الأسواق الدولية، تراجعت أسعار النفط بنهاية تعاملات الجمعة الأخيرة، وسط حذر المستثمرين من ضعف الطلب في الولايات المتحدة وزيادة المعروض بعد قرار “أوبك+” رفع وتيرة الإنتاج. حيث انخفض خام برنت إلى 68.12 دولار للبرميل، وخام غرب تكساس الوسيط إلى 64.01 دولار للبرميل.

هذه الانخفاضات كان من المتوقع أن تنعكس على المستهلكين في المغرب، لكن الواقع المحلي يظهر صورة مختلفة: أسعار المحروقات تتراجع بشكل طفيف، أحيانًا بمقدار سنتيمات معدودة، بينما شهدت الأشهر السابقة زيادات متتالية.

المغرب وإغلاق مصفاة “سامير”: العامل الحاسم

من العوامل الجوهرية التي تفسر هذا التأخر في انعكاس الانخفاضات العالمية، هو إغلاق مصفاة “سامير”، والتي كانت توفر جزءًا كبيرًا من احتياجات السوق المغربية من المنتجات النفطية المكررة.

  • قبل الإغلاق، كان المغرب قادرًا على تكرير النفط الخام محليًا، مما منحه مرونة في مواجهة تقلبات الأسعار العالمية.

  • بعد الإغلاق، أصبح المغرب يعتمد بشكل كامل على استيراد المنتجات النفطية المكررة، مما يعني أن الأسعار المحلية مرتبطة مباشرة بالأسعار الدولية، مع تأخير انعكاس أي انخفاض بسبب طبيعة العقود طويلة الأجل مع الموردين.

  • بالإضافة إلى ذلك، فقدت البلاد قدرة التخزين الاستراتيجية التي كانت توفرها المصفاة، ما يجعل السوق أكثر حساسية للتقلبات.

مقارنة بالدول الأخرى: كيف تنخفض الأسعار بسرعة؟

دول كثيرة حول العالم تمتلك مصافي نفط محلية، أو سياسات تسعير أكثر مرونة، مما يجعلها قادرة على نقل انخفاض الأسعار العالمية بسرعة إلى المستهلك:

  • الولايات المتحدة: لديها شبكة واسعة من المصافي، وتخضع الأسعار لمعادلات السوق الفوري، مما يتيح انخفاض أسعار البنزين بعد تراجع النفط خلال أيام أو أسابيع.

  • المملكة العربية السعودية والإمارات: تكرير محلي متكامل وتحكم حكومي مباشر في الأسعار، يضمن أن الانخفاض العالمي ينعكس على المستهلكين فورياً.

  • أوروبا: رغم الضرائب المرتفعة، فإن آليات تسعير وقودها تسمح بتعديل الأسعار وفقًا لتقلبات سوق النفط، مع وجود شفافية في الإعلان.

في المقابل، المغرب يعتمد على استيراد المنتجات النفطية من الخارج، مع عقود طويلة الأجل وأسعار ثابتة مسبقًا، ما يجعل الانخفاض العالمي مجرد مؤثر ضعيف على الأسعار المحلية.

الهوامش الربحية وأثرها على الأسعار

كشف مجلس المنافسة المغربي، لأول مرة، عن هوامش الربح الصافية لشركات توزيع المحروقات. تبين أن متوسط هامش الربح بلغ 2.9%، أي ما يعادل 43 سنتيمًا للتر من الغازوال و61 سنتيمًا للتر من البنزين، وهو مستوى أعلى من الفترات السابقة (1% فقط بين 2022 و2024).

تحليل هذه البيانات يوضح أن أسعار المحروقات المحلية لا تحددها فقط أسعار النفط الخام، بل تتأثر أيضًا بالهوامش الربحية لشركات التوزيع، وتكاليف الاستيراد، والتخزين، والنقل، وكذلك بالعقود الطويلة المبرمة مع الموردين الأجانب.

الحلول المحتملة

لتقليل الفجوة بين الأسعار المحلية والأسعار العالمية، هناك عدة حلول استراتيجية:

  1. إعادة تشغيل مصفاة “سامير” أو بناء مصافي جديدة: هذه الخطوة تمنح المغرب القدرة على تكرير النفط محليًا، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وبالتالي مرونة أكبر في تحديد الأسعار.

  2. آليات تسعير مرنة وشفافة: ربط الأسعار المحلية مباشرة بالتطورات العالمية مع مراعاة تكاليف الإنتاج المحلية، بحيث يشعر المستهلك بانعكاسات أي انخفاض أو ارتفاع سريعًا.

  3. تخزين استراتيجي: إنشاء مخزونات احتياطية كبيرة للوقود يمكن أن تعمل كوسيلة لتخفيف تقلبات الأسعار العالمية.

  4. مراقبة السوق ومكافحة الاحتكار: تعزيز دور مجلس المنافسة ومتابعة هوامش الربح لدى الشركات لضمان عدم تحميل المستهلك أعباء غير مبررة.

الخلاصة: اللغز وراء الأسعار

لغز أسعار المحروقات في المغرب ليس غامضًا بمجرد ظاهرة اقتصادية عابرة، بل هو نتيجة تراكم عوامل هيكلية واستراتيجية:

  • اعتماد كامل على الاستيراد بعد إغلاق مصفاة “سامير”.

  • العقود الطويلة المبرمة مع الموردين الأجانب.

  • ارتفاع هوامش الربح لشركات التوزيع.

  • غياب آليات مرنة لتسعير الوقود محليًا.

في المقابل، الدول التي تمتلك مصافي نفط محلية وآليات تسعير مرنة ترى انعكاسات الانخفاضات العالمية بسرعة على المستهلك، مما يجعل أسعارها أكثر عدالة وشفافية.

المسألة الآن تتجاوز مجرد الحديث عن ارتفاع أو انخفاض الأسعار؛ إنها دعوة لإعادة النظر في استراتيجية المغرب للطاقة والمحروقات، لتفادي أن يبقى المواطن دائمًا في موقع المتأثر وليس المستفيد المباشر من الانخفاضات العالمية.