لغز اللحوم البيضاء في المغرب.. لماذا تستمر الأسعار في الاشتعال رغم تراجع الطلب؟

0
220

في منطق السوق، كلما انخفض الطلب تراجعت الأسعار بشكل طبيعي. لكن ما يحدث في سوق اللحوم البيضاء بالمغرب يبدو استثناءً غريبًا: الأسعار تواصل الصعود، في وقت يؤكد فيه المهنيون أنفسهم أن الاستهلاك تراجع بعد انتهاء فصل الصيف وما يرافقه من مناسبات وأعراس. هنا يطرح السؤال المركزي: ما الذي يحافظ على الأسعار مشتعلة رغم ركود الطلب؟

تصريحات متناقضة أم تفسير غير مقنع؟

المهنيون، عبر الفيدرالية البيمهنية لقطاع الدواجن (FISA)، يبررون ارتفاع الأسعار بتراجع العرض نتيجة موجة نفوق الدواجن خلال الحرارة المرتفعة في غشت الماضي. لكن رئيس جمعية الدفاع عن حقوق المستهلك يرى أن التفسير غير كافٍ، إذ أن الأسعار لم تتراجع رغم مرور الأسابيع وانخفاض الحرارة. هل يعني ذلك أن الخلل أعمق من مجرد ظرف مناخي؟

أين دور الدولة في الضبط؟

النقطة المثيرة أن استمرار الأسعار المرتفعة يتزامن مع تآكل القدرة الشرائية للمغاربة، حيث يفترض أن تكون اللحوم البيضاء بديلاً شعبياً عن اللحوم الحمراء الباهظة. ومع ذلك، بقيت الأسعار في مستويات غير مبررة. وهنا يظهر سؤال آخر:

  • هل هناك ضعف في آليات المراقبة والتدخل من طرف السلطات؟

  • أم أن الوسطاء والمضاربين يملكون قدرة أكبر على التحكم في السوق مقارنة بقدرة الدولة على الضبط؟

سلاسل التوزيع: المتهم الخفي؟

من بين الفرضيات التي تطرح نفسها بقوة، أن طول سلاسل التوزيع بين المنتج والمستهلك يرفع الأسعار بشكل غير منطقي. كل وسيط يضيف هامش ربحه، لتصل تكلفة الكيلوغرام إلى أرقام مبالغ فيها. ألا يكشف هذا عن خلل هيكلي في تنظيم السوق الوطنية يجعل المستهلك دائماً الحلقة الأضعف؟

هل هناك ممارسات احتكارية؟

حين يستمر الغلاء رغم وفرة العرض وتراجع الطلب، تصبح الشكوك حول وجود احتكار أو تنسيق غير مشروع بين كبار الفاعلين مطروحة بحدة. فهل نحن أمام سوق تنافسية مفتوحة، أم أمام “كارتيلات” صغيرة تتحكم في مسار الأسعار كما تشاء؟

ماذا عن المنتجين الصغار؟

اللافت أن الأزمة قد تضرب أساساً المنتجين الصغار والمتوسطين، الذين يجدون أنفسهم محاصرين بتكاليف إنتاج مرتفعة وعدم وجود دعم مباشر. هل يمكن أن تكون هذه الفئة هي الحلقة التي تنهار في النهاية، بينما يبقى كبار الفاعلين متحكمين في السوق؟

حماية المستهلك.. نصوص معطلة؟

القانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك يمنح للدولة صلاحيات للتدخل وضبط الأسعار. لكن الواقع يكشف أن هذه الصلاحيات بقيت في الغالب حبراً على ورق. فما جدوى وجود قوانين إذا لم تُفعل؟ ومن يحمي المستهلك المغربي فعلاً أمام “التوحش السعري” الذي يطال المواد الأساسية؟

خلاصة مفتوحة على تساؤلات

قضية اللحوم البيضاء ليست مجرد خبر اقتصادي عابر، بل هي مؤشر على اختلالات بنيوية في السوق المغربي: ضعف المراقبة، هيمنة الوسطاء، غياب الدعم الهيكلي للمنتجين الصغار، وأحياناً ممارسات مشبوهة تضرب قواعد المنافسة.

ويبقى السؤال الأكبر: هل نحن أمام خلل ظرفي سينتهي مع استقرار العرض، أم أمام منظومة سعرية مختلة تحتاج إلى إصلاح جذري؟