لغز كبير .. مطالب بالتحقيق في طريقة صرف 44 مليار درهم على “البرنامج الاستعجالي للتعليم” الفاشل

0
194

من المعروف لدى الجميع أن المنظومة التربوية التعليمية المغربية تعاني من الضعف والهشاشة والتخلف والتردي على الرغم من أن قطاع التعليم يشكل نسبة 16% من إجمالي نفقات الدولة… وبزيادة قدرها 4.2 مليار درهم، مقارنة بعام 2019.

طالب محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام بالتحقيق مع المسوؤلين الكبار الذين لهم مسؤولية مباشرة في تدبير البرنامج الإستعجالي ظلوا لحدود الآن بمنأى عن أية مساءلة وتمت التضحية ببعض الموظفين والمسوؤلين المحليين، في “ فضيحة البرنامج الإستعجالي لإصلاح التعليم، والذي كلف الميزانية العمومية ما يقارب 44 مليار درهم . وهو مبلغ ضخم من المال العمومي يؤدى من جيوب المواطنين”.

ووجه رئيس جمعية حماية المال العام بالمغرب ، محمد الغلوسي، في تدوينة على صفحته الرسمية “فايسبوك” سؤالاً : أين صرفت هذه المبالغ؟ وكيف صرفت؟ ولماذا لم يكن لها أثر يذكر على وضعية التعليم ببلادنا؟.وكم من مؤسسات ومرافق شيدت؟ وما هو حجم اللوجستيك والتجهيزات التي تم اقتناؤها؟.

وشدد الغلوسي على أن ماحصل “فضيحة كبرى بكل المقاييس، إذ قمنا في الجمعية المغربية لحماية المال العام بمجهود كبير لإيصالها إلى القضاء، والذي تفضل بفتح بحث قضائي بخصوص شكايتنا في الموضوع وأحالها الوكيل العام للملك لدى محكمة الإستئناف بالرباط على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء والتي دشنت تحرياتها وأبحاثها بالاستماع لي شخصيا كرئيس للجمعية وبعدها توالت الأبحاث بالاستماع إلى العديد من المسؤولين والمقاولين والموظفين. كما تم حجز عدد ضخم من الوثائق والصفقات وغيرها وامتد البحث لمدة تفوق ستة سنوات”.

وأكد الغلوسي أنه “لما انتهى البحث التمهيدي وأحيل على الوكيل العام للملك لدى محكمة الإستئناف بالرباط بدا للنيابة العامة رأي يقول بإحالة ملف القضية حسب الجهات على المحاكم المختصة في جرائم المال العام وهكذا أحيل جزء من البحث على الوكيل العام للملك لدى محكمة الإستئناف بفاس والذي قرر المطالبة بإجراء تحقيق في مواجهة بعض المتهمين. وما عدا ذلك لانعرف في الجمعية مصير باقي القضية ونتخوف من أن تطوى هذه القضية دون حساب أو أن يتم تقديم أكباش فداء دون الحيتان الكبرى”

واستغرب الغلوسي من كون ما أسماه “هذه الفضيحة المدوية، أن المسوؤلين الكبار الذين لهم مسؤولية مباشرة في تدبير البرنامج الإستعجالي ظلوا لحدود الآن بمنأى عن أية مساءلة وتمت التضحية ببعض الموظفين والمسوؤلين المحليين. وهو ما يطرح سؤالا مشروعا وعريضا :كيف تمكن هؤلاء المسؤولون الكبار وضمنهم الوزير المسؤول على القطاع من النجاة من مقصلة المحاسبة والمساءلة في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة ؟وهل يمكن أن يرتكب بعض الموظفين هذه الجرائم دون علم المسؤولين الكبار؟.

وأشار الغلوسي إلى أنه “في سياق تحريك بعض المتابعات القضائية ضد بعض المتهمين في جرائم وقضايا الفساد ونهب المال العام، والتي اتخذ فيها القضاء قرارات إيجابية وشجاعة، يتساءل ما إذا كان بعض المسؤولين والمشرفين المباشرين على قطاع التعليم ببلادنا بمنأى عن المسؤولية في تبديد وإختلاس وهدر ملايير البرنامج الاستعجالي؟ وهل هم فوق المحاسبة وغير خاضعين للقانون والمساءلة ؟أم أن لهؤلاء حصانة ووضع خاص أو كما يقال بالدارجة” أمهم فالعرس ” ؟.

ونبه الغلوسي إلى أن “المرحلة الدقيقة والصعبة التي تمر بها بلادنا اقتصاديا واجتماعيا لا يمكن تجاوزها بتحميل تكلفتها للبسطاء من الناس فقط، بل لابد من وقف نزيف الفساد ونهب الأموال العمومية ومحاسبة المفسدين وناهبي المال العام، والمجتمع يتطلع إلى محاسبة المسؤولين الكبار الذين ظلوا خارج دائرة المساءلة، والذين وظفوا مواقعهم الوظيفية لكسب الثروة على حساب المصالح العليا للمجتمع”. 

العبيدة: البرنامج الاستعجالي حقق نتائج “إيجابية ومشجعة “

 

المال العام هو المال المملوك للأمة كلها، كالموارد والشركات والمؤسسات والمباني والطرق والمدارس والجامعات ووسائل المواصلات، وما يشمل النقود والعروض والأراضي والآليات والمصانع، والانتفاع بهذه الأموال والممتلكات حق للأمة كلها، وليست خاصة بأحد، ومن يتولى أمرها لا يعد مالكاً لها، وليس من حقه التصرف المطلق فيها، بل هو أجير أو مؤتمن عليها أو حافظ لها، وعليه أن يديرها وفق القواعد القانونية والشرعية. وقد أكدت الشريعة الإسلامية على حرمة المال العام، وحذرت من أن تمتد الأيدي إلى شيء منه، وقررت عقوبات رادعة لكل من تسول له نفسه استحلال شيء منه لنفسه أو لغيره من دون وجه حق، كما عنيت شريعتنا الغراء بتربية أخلاقية لكل مسلم، حتى يجد رادعاً داخلياً يمنعه من أن يتلاعب به الشيطان ويدفعه إلى العدوان على المال العام.

حرمة شديدة يقول د. جمال السوسي الكاتب والإعلامي : لا شك أن الإسلام قد أكد على حرمة الأموال وقرنها بحرمة الدماء، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «… أيها الناس إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، اللهم بلغت اللهم فاشهد»، وقال: «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به»، وقال: «إن أناساً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة»، ويقول الحق سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَن يَفْعَلْ ذَ?لِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَ?لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً)، «سورة النساء: الآيات 29 – 30». وسرقة المال العام أو الاعتداء عليه أشد حرمة وجرماً من المال الخاص، لأن المال العام تتعلق به حقوق كثيرة، فهو ملك للمجتمع بجميع أفراده، وكلهم متعلقون به، يقول الحق سبحانه: (… وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى? كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، «سورة آل عمران: الآية 161»، وقد كان بعض الصحابة والتابعين وأتباعهم من الزهاد يتركون بعض الحلال مخافة أن تكون فيه شبهة حرام، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ». 

منذ سنوات والتقارير الدولية تدقّ ناقوس الخطر حول ملف التعليم بالمغرب. آخرها البنك الدولي الذي صنَّف البلاد في مراكز متأخرة خلال دراسته الصادرة شهر يونيو/حزيران الماضي، خالصاً إلى أنّ 66% من الطلاب المغاربة يعانون “فقر التعلّم”.

إذا كانت ميزانية التعليم، التي تحدثنا عنها أعلاه، تبدو في تزايد مطرد، وبصيغة أخرى، ينفق المغرب اليوم ما معدله 15.600 درهم لكل تلميذ في المدرسة الابتدائية، فإن هذا الرقم أقل بنسبة 70 بالمائة عن المتوسط المسجل بالمنطقة!

الحاصل: بسبب أوجه القصور في التعليم، مؤشر البنك الدولي لرأس المال البشري في المغرب هو 0.5 (من أصل واحد)، بما يعني أنه محروم من نصف إمكانياته البشرية.

هذه كانت فقط… الأرقام التي أعلن عنها البنك الدولي في آخر مؤشراته، الصادر نهاية نونبر 2019 بعنوان “الفقر في التعليم”، حيث بلغ وضع التعليم في المغرب بالبنك الدولي، حد أن اعتبره بحاجة إلى “معجزة” لإنقاذ منظومته التعليمية.

كيف بلغ المغرب في التعليم ما بلغ من التدني إذن؟ أين يكمن الخلل تحديدا؟ لِمَ، رغم برامج الإصلاح المتعددة، ما زال الوضع على حاله أو أسوأ؟ هل المغرب بحاجة فعلا إلى معجزة لإنقاذ وضع منظومته التعليمية؟ أمَا من حلول عملية وواضحة المعالم؟

وتضيف دراسة البنك الدولي أن 67% من الأطفال في المغرب لا يستطيعون الإجابة بشكل صحيح على سؤال واحد من أسئلة فهم المقروء. كما يُسجّل المغرب معدّلات دُنيا في مواظبة أولياء الأمور على قراءة الكتب لأطفالهم قبل الالتحاق بالمرحلة الابتدائية. بالمقابل أوصت بأنّ النهج الأفضل لتعليم اللغة العربية لصغار الناطقين بها يحتاج إلى مساعدة الأطفال على الانتقال من مرحلة “تعلّم القراءة” إلى مرحلة “القراءة للتعلّم”.

فيما لا تختلف آخر الأرقام الرسمية المغربية عن نظيرتها الدولية في حدّة تشخيص الأزمة التي يعرفها قطاع التعليم بالبلاد. هذا ما يخلُص إليه تقرير أخير لـ”المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي”، متحدّثاً عن تفاوتات شاسعة في مستوى التعلّم لدى الطلاب بين القِطاعين العام والخاص وعن فشل خيار التعليم باللغة العربية.

في المقابل، يرى المشتغلون بالقطاع أنّ سبب هذا التعثّر المزمن للتعليم المغربي عوامل أخرى غير لغة التدريس، وأنّ المدرسة العمومية تعاني مشاكل هيكلية هي المسؤولة عما يشهده القطاع من أزمة.

كانت محاربة الفساد من بين أهم المطالب التي رفعت خلال الاحتجاجات التي أطرتها حركة 20 فبراير (شباط) عام 2011، فنتج عن تلك التظاهرات تعديل دستوري تقرر بموجبه اعتماد الدولة آليات إرساء النزاهة والشفافية، إضافة إلى إنشاء هيئات وتدعيم عمل أخرى.

ونص الدستور على آلية تشكيل لجان تقصي الحقائق، ومهمتها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو تدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية…، وتنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها.

كما نص الدستور على ضمانة استقلالية المجلس الأعلى للحسابات المكلف بمراقبة المالية العامة، عبر تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، بالنسبة إلى الدولة والأجهزة العامة.

وخصص باب كامل لمبدأ الحكامة الجيدة، إذ ينص الفصل 154 على أن المرافق العامة تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، والفصل 158 على إلزامية تقديم تصريح بالممتلكات للأشخاص المنتخبين أو المُعينين، فيما ينص الفصل 159 على استقلالية الهيئات المكلفة بالحكامة. وأكد الدستور كذلك استقلالية مجلس المنافسة، المكلف بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق.

ونص الفصل 167 على إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محدداً مهامها في “التنسيق والإشراف وضمان تتبع وتنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وقيم المواطنة المسؤولة”.

شهد المغرب تراجعاً في مؤشر إدراك الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، إذ حل عام 2020 في المرتبة 86، بعدما حل في المرتبة 80 عام 2019.

وأشارت المنظمة إلى أنه “خلال جائحة كوفيد-19، فرضت البلاد (المغرب) حالة الطوارئ التي أدت إلى تقييد الحركة وإغلاق الحدود الوطنية”، مضيفة “اتخذت الحكومة تدابير استثنائية استجابة لحالة الطوارئ الصحية، لا سيما فيما يتعلق بالمشتريات العامة، فقد افتقرت هذه الإجراءات إلى الرقابة وسمحت بإعفاءات خاصة لم تخضع الحكومة للمساءلة عنها، تمتد هذه المبادرات إلى مجالات خارج نطاق الرعاية الصحية وتشكل مخاطر كبيرة من حيث سوء إدارة الأموال والفساد”.

من جانبه أكد الصدقي، عضو جمعية “ترانسبرنسي المغرب” وجود تراجع لمرتبة المملكة في مؤشرات عدة متعلقة بالحكامة، معتبراً أن الفساد ذو طابع نسقي ومزمن بالمغرب، وأن المواطن بشكل عام والمقاول والمستثمر الأجنبي لا يلمسون ترجمة فعلية للخطاب السياسي الذي يدين الفساد ويعد بمحاربته، وذلك على الرغم من القوانين التي يتم بلورتها أو الهيئات التي يتم إقرارها والالتزامات الدولية التي قطعها البلد على نفسه.

وأشار إلى أن “ذلك يرجع بالتأكيد إلى غياب إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد ببلادنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر قد انقضت الآن ما يزيد على خمس سنوات على تبني الحكومة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في المغرب، وكان من المفترض، بعد كل هذه المدة، أن نكون قد حققنا تقدماً ملموساً في تنزيل مقتضياتها وتفعيل نحو 200 مشروع وإجراء في إطار برامجها العشرة”.

وأوضح الصديق أن تلك الاستراتيجية ما زالت بعيدة من التفعيل بسبب ضعف الانخراط العملي للوزراء والمسؤولين الكبار في الإدارات، ما عدا بعض الاستثناءات، وبسبب شبه غياب لاجتماعات اللجنة الوطنية المخول لها متابعة الاستراتيجية، وعدم تجريم الإثراء غير المشروع، الذي يعتبر أحد الأسباب الرئيسة في تبذير المال العام. مضيفاً أن هناك أيضاً غياباً لقانون يجرم حالات تضارب المصالح التي يتم رصدها بشكل يومي، لا سيما في الصفقات العمومية، إضافة إلى عدم توفير حماية فعالة للمبلغين عن الفساد.

خلَّف سحب الحكومة المغربية مشروع تعديل القانون الجنائي، الذي كان يجرم الثراء غير المشروع، جدلاً واسعاً حول نيات الحكومة في مجال مكافحة الفساد، ويقول سمير بوزيد، نائب رئيس المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب، “لقد تابعنا بقلق كبير سحب مشروع القانون الجنائي 10.16، ذلك المشروع الذي جاء استجابة للمطالب والتوصيات الوجيهة للحركة الحقوقية الوطنية والدولية، إذ أصدرت العديد من التقارير التي حثت على تحديث وتطوير المنظومة الجنائية”، معتبراً أن تحديث المنظومة القانونية يتطلب نهج سياسة جنائية جديدة، وأن تطوير الطرق القضائية البديلة يتطلب المحافظة على التراكم الذي حققه المغرب على مستوى الإصلاحات الحقوقية والمؤسساتية.

من جانبه، أكد الصدقي أن “تجريم الإثراء غير المشروع أضحى ضرورة ملحة، إذ لم يعد من المقبول في بلد يتفشى فيه الفساد وتبذير المال العام بشكل مزمن ونسقي، أن يظل الاغتناء غير المشروع للموظفين وباقي المؤتمنين على تدبير الشأن العام من دون ردع جنائي”، مشدداً على ضرورة اقتران جميع العقوبات الجنائية بمصادرة الممتلكات المكتسبة بصفة غير شرعية، وذلك بهدف تأكيد الإرادة على توطيد النزاهة في تدبير الشأن العام وسيادة القانون.

ويوضح عضو “ترانسبارنسي المغرب” أن سحب الحكومة المغربية مشروع القانون الجنائي من مجلس النواب، قد يثير عدة مخاوف باعتبار أن اختلاس المال العام، وعدم تفعيل مبدأ المساءلة والإفلات من العقاب، هو ما يؤدي إلى فقدان مصداقية المؤسسات وقدرتها على الضبط والتنظيم واستفحال آفة الفساد، ويرسم معالم مغرب يُعاني رشوة نسقية ومعمَّمة.

على الرغم من اعتماد المغرب آليات متجددة لمكافحة الفساد فإن حجم تلك الظاهرة آخذ في التوسع، مما يطرح تساؤلات حول السياسة الناجعة الواجب اتخاذها لمكافحة الظاهرة.

ويشير نائب رئيس المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب سمير بوزيد إلى أن “مهمة محاربة الفساد تتطلب الإحاطة الشمولية بهذه الظاهرة للتعرف عن مدى انتشارها ومجالاتها وأسبابها وآثارها، بهدف التمكن من ترسيخ البعد الاستراتيجي لسياسة مكافحة الفساد، وتحيين وملاءمة السياسة الجنائية مع متطلبات مكافحة الفساد، وتدعيم فعالية ونجاعة مؤسسات المراقبة والمساءلة، والنهوض بالحكامة الجيدة وتعزيز الوقاية من الفساد”.

فيما اعتبر علي الصدقي أن الخطابات المنمقة عن مكافحة الفساد والبرامج والاستراتيجيات غير المفعلة، وهيئات لا تتمتع بالاستقلالية، لا يمكن إلا أن ترهن مستقبل المغرب ليستمر في الوجود في منطقة الرشوة النسقية، وهو ما يسهم، بحسبه، في فقدان الثقة في المؤسسات، وابتذال الفساد لدرجة يصبح فيه جزءاً من تدبير الشأن العام.

وكان رئيس الحكومة المغربية قد تعهد في البرنامج الحكومي أن السلطة التنفيذية “ستعمل جاهدة على تعزيز الصورة المشرفة للمملكة، بخاصة لدى المؤسسات والهيئات والمنظمات الدولية الساهرة على احترام الحريات وحقوق الإنسان والحكامة الجيدة والديمقراطية التشاركية والشفافية ومحاربة الفساد، وتحسين ترتيب المملكة في مختلف مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية”.