لفتيت في مواجهة “البيجيدي”: حين تتقاطع حماية الانتخابات مع معركة الشرعية الأخلاقية

0
263
الصورة : موقع البرلمان المغربي

لم يكن اجتماع لجنة الداخلية بمجلس النواب، يوم الخميس، مجرد نقاش قانوني عابر. كان أشبه بلحظة مكثّفة يرتفع فيها منسوب التوتر السياسي، وينكشف فيها ما هو أعمق من مجرد تعديل مادة قانونية. وجه لوجه: وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، ورئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية عبد الصمد حيكر. وبينهما قانون تنظيمي؛ لكن تحت السطح صراع آخر… صراع حول من يحتكر خطاب “حماية الديمقراطية”؟

مادة صغيرة… لكنها “قلب المعركة”

القضية تبدو تقنية: المادة 6 من القانون التنظيمي لمجلس النواب. لكن الوزير سمّاها بصراحة: “قلب التعديلات”. لأنها ببساطة، تعيد تعريف شروط الترشح، وتضع معيارا جديداً للأهلية السياسية، يخصّ بالأساس المرشحين الموجودين في حالة تلبّس بقضايا انتخابية أو جنائية.

هنا يقول لفتيت، مستخدماً لغة مباشرة تصل حدّ القسوة أحياناً: “الهدف هو حماية العملية الانتخابية… وحماية صورة مجلس النواب.”

وفي جملة مكثّفة تكشف عمق الموقف: “راكوم عايشين معانا حالة عدد من النواب… منهم من ينتظر الحكم… ومنهم غير المحكومين بعد.”وهي إشارة واضحة إلى واقع يعرفه الجميع، ولا يحتاج تورية: البرلمان يضمّ منتخبين بملفات معلّقة، وقضايا لم تُحسم بعد.

“البيجيدي”… بين خطاب الندوات وموقف اللجان

ما أثار الوزير هو التناقض الذي يراه فجّاً بين مواقف العدالة والتنمية العلنية، حيث يقدم الحزب نفسه كحارس لنزاهة الانتخابات، وبين تعديلات يقدّمها داخل البرلمان لتخفيف شروط الأهلية.

وهنا قال لفتيت جملته الأشهر في هذا الاجتماع: “ما يخيفني هو أن حزبكم، الذي عادة ما ينادي بالحماية، جاء اليوم ليثبت العكس.”

ومن الواضح أن الرسالة لم تكن تقنية بل سياسية. إنها اتهام ضمني بأن الحزب يريد – من حيث يدري أو لا يدري – فتح الباب أمام عودة “المتورطين” أو المشتبه فيهم إلى ساحة التنافس الانتخابي، قبل صدور الأحكام النهائية.

الصورة : موقع البرلمان المغربي

بين “قرينة البراءة” وسمعة المؤسسة

جوهر الخلاف قانوني-أخلاقي: هل يكفي أن يكون المرشح في حالة “تلبّس” لتُسقط أهليته؟ أم يجب انتظار حكم قضائي نهائي، قد يستغرق سنوات؟

البيجيدي: يطالب بالالتزام الصارم بقرينة البراءة واحترام استقلال القضاء، ويرى أن أي عقوبة انتخابية قبل حكم نهائي فيها “مسّ بالحقوق الأساسية”.

وزارة الداخلية: ترى أن العملية الانتخابية لا تتحمل الانتظار، وأن “تجميد” وضعية المشتبه بهم ضروري لحماية نزاهة المؤسسات، خصوصاً في قضايا تتعلق بـ شراء الأصوات والفساد الانتخابي.

في الحقيقة، هذا نقاش قديم/جديد يعود كل دورة تشريعية، بين من يدافع عن مبدأ قانوني ومن يرفع راية حماية الأخلاق السياسية. إنه صراع بين منطقين: منطق القانون البارد، ومنطق الواقع الساخن.

الوزير: “القانون الحالي قاضي الغرض”

حين قال لفتيت: “إذا كنا سنستمر في هذا الاتجاه فمن الأفضل أن نعتمد القانون الحالي… فهو قاضي الغرض.”كان يشير إلى أن وزارة الداخلية جاءت بتعديلات تهدف إلى التشديد، ليس لزيادة العقوبات، بل لإغلاق الثغرات التي يستغلها بعض المترشحين.

بمعنى آخر: القانون الحالي يسمح بمرور أشخاص في منطقة “الرمادي”. والوزارة تريد نقلهم إلى الأبيض أو الأسود.

خلفيات سياسية… وظلال 2026

لا يمكن فصل هذا النقاش عن الضغط الذي يعيشه المشهد السياسي، مع اقتراب الاستحقاقات المقبلة.

وزارة الداخلية – وهي التي تسهر على تنظيم الانتخابات – تريد ضمان حدّ أدنى من الطهارة السياسية. وفي المقابل، يشعر العدالة والتنمية بأن تشديد هذه التدابير قد يستهدف جزءاً من قاعدته أو من السياسيين الذين يمثلون التيار المعارض.

إنها ليست مجرد مادة قانونية؛ إنها مواجهة مبكّرة حول قواعد اللعبة السياسية في السنوات القادمة.

المعادلة الصعبة: حماية الديمقراطية أو تضييق الحقوق؟

السؤال الذي يبقى معلقاً:ةهل التشدد في أهلية المترشحين حماية للديمقراطية؟ةأم بداية انزلاق نحو “وصاية” على المجال السياسي باسم النزاهة؟

الجواب ليس بسيطاً. لكن المؤكد أن هذه النقاشات تكشف أن المغرب بصدد إعادة تعريف العلاقة بين الشرعية القانونية والشرعية الأخلاقية، وهي معركة ستستمر كلما اقتربت صناديق الاقتراع.

الخلاصة: نقاش يعكس أزمة ثقة

وراء كل هذه التفاصيل، هناك مشكلة أكبر: أزمة ثقة بين المواطن والطبقة السياسية. ولذلك يبقى السؤال الذي لم يُطرح داخل اللجنة، لكنه يتردد خارجها: هل تكفي هذه التعديلات لاستعادة ثقة المغاربة؟ أم أن العطب أعمق من مادة 6 وأوسع من مجرد تلبّس أو حكم نهائي؟