“لفتيت يدافع عن الشركات الجهوية: الأسعار ثابتة، والخدمة مضمونة… فهل تكفي التصريحات لطمأنة المغاربة؟”

0
298

في خضم النقاش البرلماني حول إصلاح منظومة توزيع الماء والكهرباء، خرج وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت مدافعًا بقوة عن تجربة الشركات الجهوية متعددة الخدمات، التي انطلقت مؤخرًا بأربع جهات كمرحلة أولى، في أفق تعميمها على باقي التراب الوطني. الوزير نفى بشكل قاطع أي زيادة في الأسعار، مشددًا على أن عقود التدبير تلزم الشركات باعتماد نفس التسعيرة السابقة. لكن، هل تطمئن هذه التوضيحات المغاربة الذين اشتكوا من فواتير مفاجئة وخدمات غير منتظمة؟

تصريحات رسمية… وواقع ميداني مغاير؟

لفتيت اعتبر أن ما أثير من جدل بخصوص غلاء الأسعار “منافٍ للواقع”، مرجعًا جل الشكايات المسجلة إلى أخطاء في قراءة العدادات أو اعتماد التقدير بدل الاستهلاك الحقيقي في فترات سابقة. لكن هذا الطرح يطرح سؤالًا مشروعًا: لماذا تتكرر هذه الشكايات في أكثر من جهة، لا سيما سوس ماسة، بعد أسابيع فقط من دخول الشركات الجهوية حيز التنفيذ؟

الوزير أقرّ ضمنيًا بوجود اختلالات موروثة عن الموزعين السابقين، سواء بسبب ضعف تغطية القراءة الشهرية أو اعتماد أعوان غير نظاميين في المناطق القروية. غير أن المواطن لا يعنيه من أين جاءت الفوضى، بقدر ما يهمه ضمان الشفافية والدقة في الفوترة، خاصة في ظرفية اجتماعية حساسة وغلاء معمم في المعيشة.

إصلاح هيكلي أم خصخصة مقنّعة؟

تتبنّى الدولة خطابًا إصلاحيًا طموحًا، يتجه نحو الجهوية المتقدمة والنجاعة في التدبير، لكن هذا الورش يفتح الباب أمام قراءة موازية: هل نحن أمام إصلاح حقيقي لمنظومة الماء والكهرباء، أم مجرّد إعادة صياغة لتفويت هذا القطاع الحيوي لشركات بصيغة جديدة؟

من المهم التذكير بأن الشركات الجهوية متعددة الخدمات للتوزيع تمثل شركات تنمية محلية (Sociétés de Développement Local) وهي صيغة قانونية تسمح بشراكات بين الدولة والقطاع الخاص، وهيمنتها في مشاريع بنية تحتية يثير مخاوف عدد من الفاعلين من غياب الرقابة الشعبية والبرلمانية على الأسعار والجودة.

أرقام واعدة… لكن التنفيذ يطرح تحديات

الوزير كشف عن برنامج استثماري ضخم بقيمة 253 مليار درهم، ستنجز 32% منه خلال الخمس سنوات الأولى، أي حوالي 81 مليار درهم، منها 13 مليار درهم في سنة 2025 فقط. هذه الأرقام تضعنا أمام مفارقة: كيف يمكن لمؤسسات بالكاد بدأت تدبيرها أن تفي بكل هذا الطموح الاستثماري في وقت وجيز، بينما البنية التحتية الحالية تُوصف بـ”الهشة” في العديد من المناطق، كما أشارت تقارير المجلس الأعلى للحسابات في تقييمه لمرافق التوزيع سابقًا؟

الحكامة والعدالة المجالية… بين القول والفعل

تؤكد وزارة الداخلية أنها واكبت الانتقال التدبيري بطريقة سلسة، وضمنت حقوق المستخدمين والمرتفقين، بل واحتفظت بنفس التعريفة السابقة. غير أن عدداً من النواب البرلمانيين، لا سيما من المعارضة، أثاروا معطيات ميدانية مثيرة للقلق: ضعف الصبيب، غياب التواصل مع الوكالات، غموض صفقات التدبير المفوض، وغياب آليات تقييم صارمة للأداء.

في هذا السياق، يبرز سؤال الحكامة كعنصر محوري في مستقبل هذه الشركات: من يراقب؟ من يحاسب؟ وما هي الضمانات لكي لا يتحوّل هذا الورش الإصلاحي إلى عبء جديد على المواطن والجهات الفقيرة؟

في الانتظار… المواطن يراقب الفاتورة

رغم تطمينات الوزير لفتيت، فإن الشارع المغربي لم يطمئن بعد. التجربة لا تزال في بدايتها، والآثار الفعلية على جيب المواطن لم تتضح بعد. لذلك يبقى من الحيوي، في هذه المرحلة، فتح نقاش وطني موسع حول هذا الإصلاح، بمشاركة الفاعلين المحليين والمجتمع المدني، من أجل بلورة منظومة شفافة، عادلة، ومستدامة.




فالإصلاح الحقيقي لا يُقاس فقط بنبرة التصريحات تحت قبة البرلمان، بل بمدى التحسن الملموس في حياة الناس… وعلى المدى القريب، الفاتورة ستكون أوضح مؤشر للحكم.