تتشكل في المغرب خريطة جديدة للطبقات الاجتماعية، مع انضمام فئات إضافية إلى دائرة الفقر، في ظل تفاقم الأزمات المعيشية وضعف الإجراءات الحكومية التي تستهدف تخفيفها. عوامل عديدة تقف وراء ظاهرة زيادة نسبة الفقر المتسارعة يأتي الغلاء في مقدمتها، الأمر الذي أدى إلى اندلاع الاحتجاجات المعيشية في عشرات المدن والقرى أخيراً.
أعلنت الحكومة المغربية أنها ستعمل نهاية سنة 2023 -أي بعد ستة أشهر- على تطبيق مشروع تعميم التعويضات العائلية، التي سيستفيد منها نحو 7 ملايين طفل من العائلات الهشة والفقيرة على الخصوص، وثلاثة ملايين أسرة.
وتعد التعويضات العائلية مرتبطة بالاشتراك في نظام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو مؤسسة رسمية توفر التغطية الاجتماعية للعاملين في القطاع الخاص، سواء من حيث التأمين الصحي، أو التقاعد أو التعويضات العائلية. ويتيح الاشتراك في هذا الصندوق منح تعويضات عن الأطفال لكل أسرة في حدود 300 درهم (30 دولاراً) عن كل طفل في حدود ثلاثة أطفال.
من جانبه ، أكد اليوم، فوزي لقجع الوزير المنتدب المكلف بالميزانية،على أن تحويل التعويضات العائلية للأسر الفقيرة سيتم نهاية السنة، وفق معايير حددت تبعا للتوجيهات الملكية.
وأشار لقجع في جلسة الأسئلة الشفوية الأسبوعية بمجلس النواب، اليوم الاثنين، أنه في نهاية 2024 و 2025 سيتم إيجاد تقاعد للأشخاص غير الأجراء.
وأكد أن إطلاق ورش الحماية الاجتماعية في عز جائحة كوفيد يشكل استثناء مغربيا، ويعكس تراكمات إيجابية عرفها هذا الورش الإصلاحي، منذ التجربة التي شملت “راميد” في جهة بني ملال خنيفرة.
وأوضح أن الحكومة أنهت الجانب التشريعي وهذا شيء مهم، وفي نهاية 2022 عرفت نقل مجموع المسجلين في “راميد” إلى التغطية الصحية الإجبارية وعددهم يفوق 9 ملايين بمبلغ يقدر ب 9.5 مليار درهم.
وأضاف ” نعم هناك حالات استثنائية وطبعا لما نعالج ثلث مجتمع المغربي قد تظهر بعض الإشكالات هنا وهناك”.
ولفت إلى أن الرصيد المرحل لتمويل هذا المشروع عبر صندوق التماسك الاجتماعي يصل إلى 8 مليار درهم، 6.7 مليار منها هي مداخيل المساهمة الاجتماعية للتضامن، و 2 مليار درهم هي حصيلة الضريبة الداخلية المفروضة على التبغ، و 500 مليون درهم حصيلة الضريبة الداخلية على الاستهلاك على مجموعة من الأمور المرتبطة بالكهرباء.
وسجل أنه لغاية شهر ماي المنصرم بلغ رصيد صندوق التماسك الاجتماعي 12 مليار درهم، يضاف إليه 8 مليار درهم من الرصيد المرحل، لتصل مجموع اعتماداته إلى 20 مليار درهم، والموارد المتوقع تحويلها إليه بحلول نهاية السنة تبلغ 3 مليار درهم.
وأبرز أن هذه المبالغ ستمكن من صرف 9 ملايير درهم للأشخاص غير القادرين على واجب الاشتراك في التغطية الصحية الإجبارية، والمحافظة على كل البرامج الاجتماعية وعلى رأسها دعم النساء الأرامل و”تيسير”.
وشدد على أن هذا البرنامج هيكلي وثوري اجتماعيا وليس مجرد “تسجيل” في الحاسوب كما يروج البعض.
ولم يستغرب مراقبون الكشف عن انزلاق مغاربة إلى دائرة الفقر تحت تأثير الأزمة الصحية وارتفاع الأسعار والجفاف في الأعوام الثلاثة الماضية، إذ تم الكشف مرة أخرى عن هشاشة النمو الاقتصادي، الذي لا يخلق ما يكفي من فرص العمل، ناهيك عن اتساع دائرة الفوارق في ظل ضعف عملية إعادة التوزيع.
خلصت المندوبية السامية للتخطيط الحكومية في تقرير لها حول تطور الفوارق الاجتماعية في سياق آثار كوفيد وارتفاع الأسعار، إلى تعرّض 3.2 ملايين شخص للفقر، حيث فقد المغرب ما يقرب من سبع سنوات من التقدم المحرز في القضاء على الفقر والهشاشة، مؤكدة أن وضعية الفقر والهشاشة، تراجعت في المغرب حاليا إلى مستويات سنة 2014.
وعلى مدى عشرين عاما، عرف النمو الاقتصادي في المغرب ديناميكية ملحوظة. فقد بلغ النمو في المتوسط بين 2000 و2017 حوالي 4.4 في المائة، بينما زاد الدخل الفردي بنسبة 3.1 في المائة، حسب بيانات رسمية. وتجلى حسب البحوث التي تنجزها المندوبية السامية للتخطيط، أن معدل الفقر انتقل من 15.3 في المائة في 2001 إلى 8.9 في المائة في 2007 و4.8 في المائة في 2014 قبل أن يعاود الارتفاع بعد ذلك.
غير أن بحوث المندوبية مبنية على مقاربة تستحضر الفقر النقدي وليس الفقر متعدد الأبعاد والذي شهد زيادة واضحة خلال الفترة الأخيرة.
وقد لاحظت المندوبية في تقريرها حول تطور الفوارق الاجتماعية ارتفاع معدل الفقر المطلق من 3 في المائة سنة 2021 إلى 4.9 في المائة سنة 2022 على الصعيد الوطني.
غير أنه يتجلى أن ذلك المعدل قفز من 1 في المائة إلى 1.7 في المائة في المدن، ومن 6.8 في المائة إلى 10.7 في المائة في الأرياف.
وسجلت المندوبية أن معدل الهشاشة الاقتصادية قفز من 10 في المائة في 2021 إلى 12.7 في المائة في 2022 على المستوى الوطني، ذلك المعدل انتقل من 5.9 في المائة إلى 7.9 في المائة في المدن، ومن 17.4 في المائة إلى 21.4 في المائة في الأرياف.
وينتظر أن يفضي الإحصاء الخاص بالسكان في العام المقبل، إلى توضيح الخريطة الجديدة للفقر، علما أن الإحصاء الذي أجري قبل عشرة أعوام خلص إلى أن الفقر متعدد الأبعاد أصاب حوالي ثلاثة ملايين شخص، إذ تجلى أن أعلى النسب سجلت في جهة بني ملال خنيفرة وجهة مراكش- آسفي وجهة درعة- تافيلالت، ثم فاس – مكناس.
ويأتي التخوف من اتساع دائرة الفقر في ظل ترقب تراجع النمو الاقتصادي في العام الحالي إلى 3.1 في المائة، بعدما كانت الحكومة تتوقع بلوغه 4 في المائة.
وتؤكد المندوبية السامية للتخطيط أن توالي الأزمات في العامين الأخيرين أفضي إلى فقدان عامين ونصف من النمو وثلاثة أعوام من الجهود التي بذلت من أجل محاربة الفقر وحوالي عقدين من محاربة الفوارق.
وتعتبر المندوبية السامية للتخطيط أن سنة 2023 ستنتهي بعودة النمو إلى مسار تطور أقل استدامة مقارنة بفترة ما قبل الأزمة، مؤكدة أن “الجهد الاستثماري، الموجه نحو الانخفاض والذي تدهور عائده، على مدى العقد الماضي 2010-2019 ليستقر في 9.2، لن يمكن من استرجاع الخسائر في نقاط النمو أو الوظائف المسجلة على مدى السنوات الثلاث الماضية.
كما أن استعادة مستويات ما قبل الأزمة فيما يتعلق بمكافحة الفقر والتفاوتات الاجتماعية ستكون أبطأ، خاصة مع استمرار سياسات عمومية أقل ملاءمة”.
وعاكست الظروف في الأعوام الثلاثة الأخيرة وهشاشة النمو، وعود الحكومة التي توقعت إحداث مليون فرصة عمل على مدى خمسة أعوام، بمعدل 200 ألف فرصة عمل سنويا، غير أنها اختارت في ظل ضعف النمو الذي يتيح إحداث 120 ألف فرصة عمل فقط، خلق فرص مؤقتة عبر برنامجي “فرصة” و”أوراش”.
وتؤشر البيانات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط حول سوق العمل، إلى أن معدل البطالة انتقل إلى 12.9 في المائة في مارس/آذار الماضي بعدما كان في حدود 12.1 في المائة في الفترة نفسها من العام الماضي، غير أن ذلك المعدل انتقل من 16.3 إلى 17.1 في المائة في المدن ومن 5.1 في المائة إلى 5.7 في المائة بالأرياف.
ويظهر أن البطالة شهدت ارتفاعا حادا بين المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة، حيث انتقل من 33.4 في المائة إلى 35.3 في المائة والأشخاص المتراوحة أعمارهم ما بين 25 و34 سنة، من 19.2 في المائة إلى 20.9 في المائة.
يرجّح رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، إدريس السدراوي، أن تتسع دائرة الفقر أكثر وأن تستوعب أشخاصا جددا، في الوقت نفسه الذي لا يستبعد فيه أن يلتحق أفراد من الطبقة المتوسطة بتلك الدائرة.
ويوضح أن زحف الفقر سيحفزه عدم اتخاذ الحكومة تدابير من شأنها محاصرته، خاصة في سياق متسم بارتفاع معدل البطالة، وهو ما يؤشر عليه فقدان 280 ألف فرصة عمل في الربع الأول من العام الجاري، حسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط.
ويعتبر أن ذلك يأتي في وقت لم تبادر فيه الحكومة إلى اتخاذ تدابير ملموسة تساهم في توسيع التعويض عن فقدان الشغل أو تقديم مساعدات للعاطلين، ملاحظا في الوقت نفسه أن مبادرات الحكومة في مجال التشغيل لا تفضي إلى استيعاب الذين يعانون فعليا من البطالة.
وتسجل الرابطة الحاصلة على الصفة الاستشارية لدى الأمم المتحدة، أن الذين يعيشون في وضعية فقر يعانون من عدة أشكال من الحرمان، وهو ما يتجلى، بحسبها، في ظروف العمل الخطيرة، وغياب الإسكان المأمون، ووجود تفاوت في الوصول إلى العدالة.
ويؤكد السدراوي، الذي يشدد على أهمية سن ضريبة على الثروة والرأسمال، أن الحكومة لم تبد انشغالا كبيرا بمعالجة مسألة الفقر الذي تتسع دائرته. في الوقت نفسه، يشدد على أن الحكومة تبدي حرصا كبيرا لتقليص عجز الموازنة بتخفيض نفقات الدعم الذي يهم السكر والدقيق وغاز الطهو عبر صندوق المقاصة.
ويلاحظ أن فئات من الطبقة المتوسطة مرشحة في سياق تراجع قدرتها الشرائية إلى الانزلاق إلى دائرة الفقر، خاصة مع عدم اتخاذ تدابير للزيادة في الأجور أو فتح المجال أمام الترقي الوظيفي.
ويتصور البنك الدولي أنه يمكن أن تكون أدوات الحماية الاجتماعية الموجهة بشكل أفضل مثل التحويلات النقدية، أكثر فعالية من حيث التكلفة للتخفيف من آثار صدمات العرض، حيث يعتبر أن التحويلات النقدية للأسر يمكن أن تسمح بحماية الأسر الفقيرة بشكل أكثر فعالية وكفاءة.
ووضع المغرب مشروع نظام السجل الاجتماعي الموحد، من أجل استهداف الفئات الفقيرة بالدعم، قبل المضي في تحرير أسعار السلع التي تحظى بالدعم عبر صندوق المقاصة، على غرار ما طرأ على السولار والبنزين قبل خمسة أعوام.