بالرغم من كون المغرب بلدا مسلما تسود فيه مجموعة من التقاليد والأعراف، التي تمنع وجود علاقات جنسية قبل الزواج، فإن العديد من الشباب والشابات يعتقدون بأهمية هذه العلاقات بل يرون أنها ضرورية، مع وجود تيار محافظ يرفض ذلك.
في هذا الإطار، أثارت تصريحات الأمين العام لحزب “العادالة والتنمية”، عبد الإله بنكيران، جدلاً في المغرب بين دعات اليسار والعلمانيين والإسلاميين، حول تعديل قانون الأسرة، بعد خروج إعلامي لبنكيران مجدداً ووصفه مطالب حقوقيين بأنها “تدابير شيطانية”.
وقال بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية في مؤتمر لنساء حزبه، السبت، “يجب أن تنتبهوا إلى أنهم لم يطالبوا بعد بالاعتراف بالزواج من نفس الجنس، وهذا ليس مثلية وإنما (…)؛ إنها تدابير شيطانية، وأهدافهم تخريب الأسرة المسلمة”.
ورفضت فتيحة اشتاتو، ناشطة حقوقية في فيدرالية رابطة حقوق النساء، في حديث لموقع “الحرة” وصف المطالب بـ”تدابير شيطانية”، وقالت “نحن ضد السب والقذف”، لأن المغرب فيه دستور وقانون ينص على سمو المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب وهو ملزم بها أمام المجتمع الدولي، بحسب تعبيرها.
وتطرق بنكيران إلى مطلب تقنين الإجهاض، قائلا “كل شيء يغيرون حقيقته، اليوم يتحدثون عن الإجهاض، لكن هل إذا وقعت علاقة غير شرعية يجوز لنا قتل هذا الحمل؟ أنا أتعجب من هذا! هل نسمح بالإجهاض؟”.
ويعاقب القانون المغربي الإنهاء الطوعي للحمل بالسجن من ستة أشهر إلى خمس سنوات. وينص على عقوبات لكل من المرأة التي أجهضت (السجن بين ستة أشهر وسنتين) والذين يمارسون العملية (من سنة إلى خمس سنوات في السجن).
لكن هذا التجريم لا يمنع إجراء عمليات سرية للإيقاف الإرادي للحمل، والتي تقارب، بحسب تقديرات بعض المنظمات الحقوقية المحلية، 600 إلى 800 عملية يوميا، بينما لا تتوفر معطيات رسمية بهذا الخصوص.
وزعم بنكيران مخاطبا الحاضرات من نساء حزبه بأن “هناك أفكارا جاهلية تهدد الأسر، ويجب أن ندافع عن أبنائنا، وانتبهوا قبل فوات الأوان، يجب التمسك بالمرجعية”.
ورفض بنكيران مطالب الحقوقيين بتعديل قانون الإرث، مشيرا إلى “أن الإرث به حكم شرعي وإذا تنازلنا عن الشرع، سيتحطم الأساس الذي نحن عليه، فالديمقراطية تقول بناء على إحصائيات بأن المغاربة يرفضون المساواة في الإرث”، وفق ما نقل موقع “هسبريس” المغربي.
و”هؤلاء يريدون تحطيم الدين”، يقول بنكيران.
وتعليقا على ما قاله بنكيران، قالت اشتاتو، لموقع “الحرة” إن القرآن به نصوص لا تستعمل اليوم مثل القصاص، لأن هناك قانونا في البلاد يستعمل بدل ذلك.
وأشارت اشتاتو إلى أن مطلب الحقوقيين تتمثل في ضرورة تغيير “التعصيب” في الإرث، إذ إن الأب الذي يتوفى وليس لديه أبناء ذكور بل بنات فقط، يرثه قريب آخر “ويستولي على أملاك الأسرة بسبب “التعصيب”.
والتعصيب في الفقه الإسلامي يسمح للذكر القريب من الأب أن يرث في حال لم يكن هناك ورثة ذكور.
واعتبرت أن التعصيب ليس فيه نص قرآني بل هو اجتهاد من الفقهاء، داعية هؤلاء إلى الاجتهاد لرفع الظلم عن النساء لأن “الإسلام يتعارض مع الظلم وجاء لتحقيق العدالة”، بحسب تعبيرها.
واتهمت اشتاتو “المحافظين” بأنهم يستنجدون بالإسلام كلما تعلق الأمر بحقوق النساء”.
ويتوقع أن تثير تصريحات بنكيران جدلا في البلاد، واعتبر رشيد لزرق، أستاذ العلوم الدستورية في جامعة ابن طفيل بالمغرب، إن بنيكران يبحث عن “العودة انتخابيا”، ويحاول اللعب على الحريات الفردية و”بروز استقطاب بين القوى الحداثية والمحافظة”.
وعن اتهام بنكيران للحداثيين بمحاولة تحطيم الدين، يقر لزرق في حديثه لموقع “الحرة” أنه لا يمكن لأحد تجاهل المكانة التي يحتلها الإسلام في المجتمع المغربي، لكن للأفراد علاقات شديدة التنوّع مع الدين، و هو ما يتطلب “خلق مساحة بين الدين والدولة وإنشاء بنية جديدة حديثة للمجتمع”.
ومدونة الأسرة هي محط خلاف كبير بين المحافظين الذين يدافعون عن ضرورة ارتباطها بالشريعة الإسلامية، والحداثيين الذي يشددون على ضرورة استجابتها للاتفاقيات الدولية التي وقعها عليها المغرب.
ودعا الملك المفدى محمد السادس في خطابه بمناسبة عيد العرش، أغسطس الماضي، إلى تعديل مدونة الأسرة، وقال “بصفتي أمير المؤمنين فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”.
لطالما كان الحديث عن العلاقات الجنسية أحد أكبر المحرّمات داخل المجتمع المغربي، كما أن التربية الجنسية لا زالت غائبة بشكل كبير عن المقررات الدراسية، ناهيك عن الأسرة المغربية، خوفا من أن يشجع ذلك على الفساد الأخلاقي، كما يقول البعض.
ولهذا تدعو خديجة الرويسي، رئيسة جمعية بيت الحكمة، إلى ضرورة فتح نقاش جدي حول كيفية إقحام التربية الجنسية داخل المقررات الدراسية، وتقول بهذا الصدد “التربية الجنسية ليست فقط تعليم التلاميذ كيفية تفادي الأمراض الجنسية أو معرفة طرق منع الحمل، الأمر يتجاوز ذلك بكثير”.
وحسب الرويسي فإن الأمر يتعلق بكيفية احترام الإنسان وفهمه لجسده وأن لا يبيعه، وهذا سيجعله يتعامل بتسامح مع أمور أخرى مرتبطة بالحياة الجنسية. وتضيف قائلة “وجود علاقات جنسية خارج مؤسسة الزواج هو واقع موجود في مجتمعنا وفي جميع المجتمعات”.
وتتابع الرويسي أن مدونة الأسرة المغربية جاءت بقضية الاعتراف بالحمل في فترة الخطوبة، ما يعتبر في نظرها بداية اعتراف بوجود واقع يقبل علاقات جنسية خارج مؤسسة الزواج. وهذا يعني بالنسبة إلى الرويسي، أنه ليس للمُشرّع أن يتدخل في كل علاقة بين بالغين برضاهم، بل يجب أن يكون القانون صارما ضد الاغتصاب والتحرش الجنسي بالأطفال.
قبل بضعة سنوات طالبت جمعية “كيف كيف” للنشطاء المثليّين والمثليّات والمتحوّلين والمتحوّلات وثنائيي الجنس المغاربة، بإلغاء المادة 489 من القانون الجنائي المغربي، والتي تنصّ على أنّ “كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات”.
وبررت الجمعية قرارها بمجموعة أسباب من ضمنها: أن المادة تمنع النقاش حول الجنس، كما أنها تنتهك اتفاقيات حقوق الإنسان والدستور المغربي وروحية القانون، بالإضافة إلى تعارضها مع الأسس العلمية الحديثة، التي شطبت المثلية الجنسية من لائحة الأمراض النفسية. وتحرم فئة كبيرة من المشاركة في المجتمع، رغم تعرضها لاعتداءات وعقاب جسدي وأفعال كراهية وانتهاك للحريات الخاصة، مما يشكل خطراً على الفرد وعلى المجتمع. كما أن تجريم المثليين يؤدي إلى عزل فئة كبيرة ويحرمها من ممارسة دورها في الحياة السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية، على حد ما جاء في بلاغ الجمعية.
وفي هذا الصدد توضح خديجة الرويسي، أن العقلية المغربية ما زالت ترفض حتى النقاش في موضوع المثلية الجنسية، ولهذا فهي تدين العنف الذي يلحق بهم في كثير من الأحيان وتستطرد قائلة “المغرب لديه أولويات منها استكمال البناء الديمقراطي واحترام الحريات الفردية للمواطنين”
جدير بالذكر أنه وحتى قبل سنوات، لم يكن الحديث عن علاقات المثليين الجنسيين في المغرب ممكنا، أما الآن فصار هذا الموضوع يناقش بشكل أكبر. كما أن جمعية “كيف كيف” تتوفر على موقع إلكتروني يهتم بالمشاكل التي يعاني منها المثليون، ويروي شهادات لمثليين بالمغرب وخارجه، ويسرد آخر التطورات حول موضوع المثلية.