لماذا تستمر الأحزاب المغربية في ترشيح “الفاسدين” ؟!

0
358

أكد المحلل والصحافي جمال السوسي، أن هناك مرونة في تطبيق قانون المساءلة والعدالة، وهو ما أدى إلى عودة جميع الأعيان والمنتخبين من المتورطين في ملفات فساد، إلى الحصول على تزكية أحزاب سياسية للترشح باسمها في الاستحقاقات المقبلة.

ويقول منطق الأمور إن المجتمعات بطبيعتها تبحث عن انتخاب الشخص الصالح والنظيف الذي لا تحوم حوله شبهات الفساد، لكي يتولى شؤون البلاد ويطوّر اقتصادها ويخّلصها من الفساد المالي والإداري. ولكن الواقع السياسي قد لا يبدو بهذا الإشراق، بل على العكس تماماً، يقوم كثير من الناس، خاصة في الدول النامية أو حديثة العهد بالديمقراطية، بانتخاب أو إعادة انتخاب سياسيين تحوم حولهم شبهات فساد، أو حتى ثبتت عليهم التهمة.

وقد تحركت مطالب مدنية من جديد، من أجل قطع الطريق هذه أمام وجوه الفساد المالي ومنع عودتهم إلى مناصب المسؤولية، فيما توفّر مقتضيات الدستور المغربي الآليات التشريعية والأخلاقية والتنظيمية لتحقيق مكسب تخليق الحياة السياسية الوطنية.

نهاية يونيو الماضي، نظمت “الجمعية المغربية لحماية المال العام” (غير حكومية)، وقفات احتجاجية في عدة مدن مغربية ضد “تزكية المفسدين وناهبي المال العام في الانتخابات المقبلة”.

وأبرز رئيس جمعية حماية المال العام، محمد الغلوسي، أن “شعار الوقفات يؤطّر تقييما للأوضاع العامة في المغرب، ويبين استمرار مظاهر الفساد ونهب المال العام والريع والإفلات من العقاب رغم وعود حكومة وبرامج لتطويق كل هذه المظاهر”.

واعتبر الغلوسي، في تصريح سابق، أن “الأحزاب السياسية مسؤولة أيضا على محاربة الفساد، باعتبارها هيئات ذات دور كبير على المستوى الدستوري في تدبير الشأن العام وفي تأطير المواطنين وفي تخليق الحياة العامة”.

“لكن للأسف يلاحظ أن بعض الأحزاب تتناقض جملة وتفصيلا مع شعارات ترفعها من قبيل بناء الديمقراطية ومجتمع المواطنية وتخليق الحياة العامة، وذلك بسعيها لترشيح أشخاص حولهم شبهات فساد وتضارب المصالح، ومنهم أيضا من هو متابع قضائيا بتهم تتعلق بتبديد واختلاس أموال عمومية وبالرشوة”، يؤكد رئيس جمعية حماية المال العام.

أن رؤساء الأحزاب السياسية المغربية “لن يقوموا بأي خطوة في هذا المجال، نظرا لأنهم يعتبرون أنهم ما زالوا في حاجة لإعادة ترشيح بعض المنتخبين وإن كانوا متورطين في شبهات فساد، لكسب الأصوات الانتخابية بحكم تجربة هؤلاء وتمرسهم في حشد أصوات القاعدة الانتخابية المحتاجة والفقيرة والمهمة”.

وكانت جمعية “بيت الحكمة”، التي تضم عدداً من المثقفين والنشطاء الحقوقيين البارزين في المغرب، طالبت في وقت سابق بميثاق انتخابي تلتزم فيه الأحزاب باحترام أخلاقيات التنافس الشريف، برفض تزكية تجار الانتخابات، وعدم استعمال المال للحصول على التزكيات والأصوات، بالإضافة إلى تجريم استعمال الرموز الوطنية والدينية، والمشترك الجمعي بين المغاربة في التأثير على الناخبات والناخبين، فيما تلتزم السلطات بالحياد، والحرص على نزاهة وشفافية الانتخابات.

وتعليقاً على تلك الدعوة، قال أمين عام حزب في المعارضة، طلب عدم ذكر اسمه، إن “مثل هذه الدعوات تتكرر كل سنة منذ إقرار دستور 2011 ، لكن مع الأسف، تعمل بعض الأحزاب على معاكسة ذلك بتزكية الفاسدين والمتورطين في نهب المال العام، أو في قضايا الارتشاء، أو التهرب الضريبي، فضلاً عن مرشحين معروفين بشراء الأصوات”.

وأضاف: “تطالب الأحزاب الدولة بتوفير شروط نزاهة الانتخابات، لكن بعضها ينسى أن يأخذ المبادرة، وأن يتحمل المسؤولية في حسن اختيار مرشحيها في الانتخابات، ما ينعكس سلباً على العملية الانتخابية والتجربة الديمقراطية وإصلاح المشهد السياسي ككل”.

وبحسب الزعيم الحزبي المغربي، فإنه على الأحزاب، سواء وقّعت على ميثاق شرف انتخابي أم لم توقع عليه، أن تقطع مع النهج الذي يروم الحصول على المقاعد النيابية بأية وسيلة كانت، حتى التي تضرّ بمصداقية العمل السياسي، معتبراً أن التوقيع على ميثاق شرف من شأنه أن يعطي إشارات مطمئنة للداخل وللخارج بشأن شروط سلامة ونزاهة الانتخابات المقبلة. 

وبالتزامن مع الدعوة إلى ميثاق شرف انتخابي، كان لافتاً، تحذير رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، من “تهافت بعض الأشخاص الذين تحوم حولهم شبهات فساد، بمن فيهم أشخاص أدينوا قضائياً، للترشح للانتخابات المقبلة”.

واعتبر الغلوسي، في تدوينة نشرها على “فيسبوك”، أن “هذا التهافت يأتي نتيجة سيادة الإفلات من العقاب، وضعف حكم القانون، وهو ما سيرفع التكلفة السياسية للفساد، وذلك بالعزوف عن الانتخابات وفقدان الثقة في المؤسسات والعمل السياسي، وسيمهد لعودة  الوجوه ذاتها لتصدّر المشهد الانتخابي، بما له من تداعيات سلبية على المستقبل”.

وسجل رئيس الجمعية أن هذا التهافت يأتي في الوقت الذي ينبغي على الأحزاب السياسية عدم تزكية المفسدين وناهبي المال العام، ووضع برامج تروم الحد من الفساد والريع والرشوة، إلى جانب مدونة للسلوك تعزز قيم النزاهة والتطوع والشفافية في تدبير الشأن العام، مبدياً أسفه من “أن كل المؤشرات تؤكد أننا سنخلف الموعد مع التاريخ، وسنستمر في هدر الزمن والفرص، وسنؤجل من جديد قضايا التنمية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو خلاف كل الرهانات والطموحات المأمولة”.