لماذا تمتنع الداخلية عن تسليم وصل الإيداع للعصبة المغربية؟ ومن يستفيد من هذا التعطيل؟

0
97

“هل نحن أمام دولة قانون أم دولة انتقائية؟ العصبة المغربية تدق ناقوس الخطر من داخل قلب الإدارة”

في مغرب ما بعد دستور 2011، وما بعد تجربة العدالة الانتقالية، وفي بلد يتبوأ رئاسة مجلس حقوق الإنسان الأممي، يفترض أن تكون حرية تأسيس الجمعيات وتسييرها من المسلّمات القانونية التي لا جدال فيها. لكن الواقع يثبت أن النصوص شيء، والممارسة شيء آخر.

هذا ما تعبّر عنه بوضوح رسالة مفتوحة وجهها رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى وزير الداخلية، بشأن الامتناع المستمر وغير المبرّر عن تسليم وصل الإيداع بعد المؤتمر الوطني التاسع للعصبة. الأمر الذي يطرح سؤالًا بسيطًا وعميقًا في الآن ذاته: من يُعطّل الحق في التنظيم؟ ولماذا؟

بين نصوص القانون ومزاج الإدارة… مفارقة مغربية

ينص الظهير الشريف رقم 1.58.376، المنظم لتأسيس الجمعيات، في مادته الخامسة بوضوح على أنه يجب تسليم وصل مؤقت فورًا، ووصل نهائي خلال أجل أقصاه 60 يومًا. لكننا اليوم أمام حالة تجاوزت هذا الأجل بأكثر من تسعة أشهر، دون مبرر قانوني، ودون حتى إشعار رسمي بالرفض أو التعلل.

فهل أصبح الالتزام بالقانون اختيارًا إداريًا؟ وهل نحن أمام إدارة تحترم المساطر، أم أمام سلطة تتصرف بمنطق “منح الشرعية أو حجبها”؟ وهل تُعامل الجمعيات الحقوقية، خاصة ذات الصوت النقدي، بنفس المعايير التي تُعامل بها نظيراتها القريبة من دوائر القرار؟

هل هناك إرادة لإضعاف المجتمع المدني؟

ليست هذه أول مرة تجد فيها جمعية حقوقية نفسها في مواجهة تعسف إداري بسبب “وصل الإيداع”، لكن خطورة الحالة تكمن في أن الأمر يتعلق بإحدى أقدم الجمعيات الحقوقية المغربية (تأسست سنة 1972)، ولها رصيد نضالي وازن وسمعة دولية. فما الذي يجعلها اليوم غير مرغوب فيها من قبل المصالح الولائية؟

وهنا تبرز إشكالية أعمق: هل نحن أمام رغبة ممنهجة في تدجين الحقل الجمعوي وتقليص هامش حريته؟ أم أن المسألة مجرد “بيروقراطية زائدة” وسوء تدبير إداري؟

من الحق في التنظيم إلى تعطيل الأداء المؤسسي

عدم تسليم الوصل لا يعني فقط انتهاكًا للقانون، بل تعطيلاً مباشرًا لمصالح العصبة على المستويين الوطني والدولي: عرقلة توقيع الشراكات، حرمان من عضوية شبكات حقوقية، شلل في الأنشطة، مشاكل في التسيير المالي، وغياب الاعتراف القانوني أمام المؤسسات العمومية والخاصة.

هل يمكن أن نتصور كيف تكون صورة المغرب دوليًا حين تُمنع هيئة حقوقية مرموقة من حقها في الإيداع؟ وأي رسالة نوجهها إلى الشباب والمنظمات الناشئة التي تفكر في خوض غمار العمل المدني؟

هل تعكس وزارة الداخلية الإرادة السياسية للمملكة؟

الوزارة التي تُوصف دومًا بأنها “الأكثر نفوذًا” في الدولة، والتي تُدبّر علاقة الدولة بالمجتمع، مطالَبة اليوم ليس فقط بالتفاعل مع هذه المراسلة، بل بتقديم توضيحات للرأي العام. هل يتعلق الأمر بقرار سياسي؟ أم بإشكال إداري صرف؟ وإذا كان إداريًا، فمن يحاسب الموظف أو الإدارة التي عطلت القانون؟ وإذا كان سياسيًا، فمن الجهة التي ترى في العصبة خطرًا يجب تحجيمه؟

دستور 2011 أمام اختبار جديد

ينص الفصل 12 من دستور 2011 على أن الجمعيات تساهم في تأطير المواطنين، وعلى ضرورة دعم الدولة لها، لكن الواقع الحالي يطرح سؤالًا مُحرجًا: هل تحترم الدولة تعهداتها الدستورية، أم تُفرغها من مضمونها حين تتعارض مع مصالحها أو خطابها الرسمي؟

كما يُثير الموقف تساؤلًا حول مدى احترام المغرب لالتزاماته الدولية، خاصة اتفاقيات حرية تكوين الجمعيات التي وقع عليها في إطار الأمم المتحدة.

الخلاصة: “الحق لا يُمنح… بل يُنتزع”

العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان لم تختر طريق المواجهة، بل التزمت بالمراسلة والتراسل، واحترام المساطر. لكن تجاهل السلطات لمطالبها، يُجبرها – كما جاء في الرسالة – على الاحتكام للرأي العام، وللقانون، وللمعركة الحقوقية المفتوحة.

فهل تتفاعل وزارة الداخلية بروح القانون والدستور؟

أم أن الحق في التنظيم سيظل مرهونًا بإرادة سياسية لا تخضع للمساءلة؟
وهل ستنتصر الدولة للقانون، أم للانتقائية؟

الكرة في ملعب الحكومة… والإجابة ستحدد مستقبل حرية العمل المدني في المغرب.