لماذا لا يستقيل المسؤولون والوزراء في المغرب ؟ رغم وضوح فشلهم وتخبطهم وتجاوزات مالية وادارية

0
214

عاش المغرب على وقع فضائح ومطبّات كثيرة تسبب فيها مسؤولون كبار، لكن أيا من هؤلاء المسؤولين لم يتحمل تبعات فشله وقرر رمي المنشفة، بل إن منهم حتى من عمّروا في وزاراتهم، بشكل بدا وكأن في الأمر تحد للرأي العام.

في الدول الديمقراطية مثلا، وفاة رضيع بمستشفى أو حادث قطار أو سقوط طائرة، أو إخفاق لمنظومة قطاع ما، يتحمله المسؤول الأول على القطاع من خلال تقديم استقالته، لكن عندنا المسؤولين الصغار هم من يدفع الثمن دوما. فلماذا لا يستقيل المسؤولون عندنا عندما يفشلون في أداء مهامهم؟ وما هي المعايير التي على أساسها يقال مسؤولونا؟ ومتى تترسخ ثقافة الاستقالة عند ساستنا ومسؤولينا فتتجسد الحكمة الخالدة “المسؤولية تكليف وليس تشريف”؟ 

حين يقرأ المواطنون المغاربة مثل هذه الأخبار، يتساءلون: لماذا لا يستقيل الوزراء والمسؤولون التنفيذيون في المغرب، عندما يتورطون في حالات الفساد المختلفة الذي يذهب ضحيتها مواطنون أبرياء، وتضيع الملايين من الأموال العامة؟

عندما لا يستقيل المسؤولون في المغرب، يجد المتابع نفسه أمام جملة من التساؤلات المشروعة، لعل أبرزها: هل هؤلاء المسؤولون لا يملكون حق الاستقالة، أم أنهم يرفضونها تشبثا بالمنصب وما يدره عليهم من امتيازات مادية ومعنوية، ولو كان ذلك على حساب أخلاقهم ومبادئهم وحتى على حساب المصلحة العامة إن كانوا يعيرون هذا البعد اهتماما؟

عندما طرح هذا السؤال على بعض المختصين في علم الاجتماع من العرب، كانت خلاصة اجوبتهم كالتالي:

الاستاذ عبدالله الشايع” يقول: في المجتمعات العربية لا يستقيل الوزير او المسؤول من منصبه لأنه يعتبر ان الوظيفة تشرفت بوجوده عليها، لذا لا يهتم بغير مصالحه الشخصية ومركزه الاجتماعي الذي منحته إياه الوظيفة، ويظل متمسكا بها طالما انه لم يحاسب على تقصيره.

“الدكتور ابراهيم المنيف” يعلق بالقول: انه من الصعب جدا ان يترك الوزير او المسؤول منصبه رغم وضوح فشله وتخبطه، وتسببه المباشر في تعثر المشاريع وحدوث تجاوزات مالية وادارية. الاستقالة في حالة الفشل تعتبر عملا وطنيا رائعا، لأنها تكشف عمق المشكلة لا سيما ونحن في عصر بناء الدولة الحديثة. ولكن وفق ثقافتنا لن نجد من يستقيل من منصبه ويتركه من اجل المصلحة العامة، او عند الفشل في تحقيق الأهداف. في المجتمعات المتحضرة، هناك ضمير وامانة ومحاسبة وحس وطني، وعندما يشعر الوزير او المسؤول انه ليس أهلا للمنصب، ولا الثقة الممنوحة له، فانه وبكل بساطة يقدم على الاستقالة.

وفي ظل غياب ثقافة الاعتراف والاعتذار والتنحي الإرادي، فلن يتم تصحيح المسارات المنحرفة في العمل الحكومي، وهذا يدل على البعد عن الدين والانحراف في السلوك، والضعف في العلم والعقل والضمير الانساني. الاعتراف بالخطأ والتقصير وتحمل مسؤوليتهما سلوك اجتماعي حضاري مهم يجب تعليمه للأطفال منذ نعومة اظافرهم. وكما يقال: من أمن العقوبة أساء الأدب.

وهنا يبرز تساؤل آخر، هل المسؤول عندنا يملك السيادة الحقيقية على القطاع الذي يسيره وله هامش المبادرة، أم أنه مجرد موظف عند المسؤول الأعلى منه؟ في الحالة الثانية وهي الأرجح، يبدو غياب ثقافة الاستقالة السياسية في المغرب أكثر من مبرر، لأن المسيّر تسقط عنه المسؤولية، ولعل هذا ما يفسر استمرار وزراء في مناصبهم بالرغم من الفضائح والكوارث التي سببوها لقطاعاتهم. 

وبخصوص غياب ثقافة الاستقالة في المغرب وسط المسؤولين الذين يتشبثون بالمنصب إلى غاية تنحيتهم وإقالتهم، صرح الكاتب والصحفي السوسي: “ثقافة الاستقالة في المغرب غير موجودة لأن معايير الكفاءة غير مفعّلة في كيفية الوصول إلى المناصب”، مشيرا إلى أن هذا “يرجع إلى طبيعة نظام الحكم وطريقة التعيينات بالمحسوبية، ما يجعل المسؤولين- حسبه- يرون في المنصب فرصة ذهبية للاستفادة من المزايا والاغتناء، ولا يعتبرون الهدف منه (المنصب) العمل. 

وأضاف المتحدث ذاته بأنه يجب أن يكون هناك نظام ديمقراطي حقيقي ويشعر المسؤول بثقل المسؤولية وأنه سيحاسب على أداء مهامه وعمله، مشيرا إلى أنه “لما تتوفر برامج العمل الحقيقية فالمسؤول سيشعر بقيمة المسؤولية ويبادر من نفسه إلى الاستقالة إذا عجز عن إتمامها على أكمل وجه”، لكن  –   يضيف السوسي – مادام النظام الحالي قائما ونحن نعيش في ظل حكومة ضعيفة في اتخاذ القرارات وتعتمد على المحسوبية لا الكفاءات، فثقافة الاستقالة تبقى بعيدة كل البعد ومن الصعب الوصل إليها دون تغيير (..). 

 

 

الغلوسي: مفسدون ننهبوا مليارات من المال العام وعقارات في ملك الدولة يعقدون صفقات للترشح للانتخابات المقبلة ؟!