لماذا نصف المغاربة لا يثقون في قدرة القضاء المغربي على حماية حريتهم في التعبير؟

0
290

“مناقشة الثقة في القضاء المغربي في ضوء حرية التعبير: دراسة حالة وتوصيات مستقبلية”

خلصت دراسة حديثة أجراها المعهد المغربي لتحليل السياسات خلال الربع الأخير من سنة 2023، إلى أن حوالي نصف المغاربة أعربوا عن شعورهم بعدم الاطمئنان عند التعبير عن آرائهم علناً، وأنهم لا يثقون في قدرة القضاء على حماية حرية الرأي والتعبير في المملكة.

انعدام الثقة في حماية حرية التعبير

الدراسة المعنونة بـ”تطورات حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومات في المغرب”، كشفت أن 50% من المشاركين لا يثقون في قدرة القضاء على حماية حرية التعبير والرأي، في حين أعرب فقط 21% عن ثقتهم في هذه الحماية، بينما عبر 5% فقط من المشاركين عن ثقة كبيرة، أما 31 % فقد أكدوا أنهم ليست لديهم أي ثقة، و11% لا يعرفون موقفهم، وهو ما يطرح تساؤلات حول فعالية الضمانات المؤسسية لحماية الحق في حرية التعبير.

نتائج هذه الدراسة المرتبطة بحرية التعبير، تتماشى مع ما خلصت إليه تقارير سابقة لعدد من المنظمات الحقوقية الدولية، حيث اعتبرت منظمة مراسلون بلا حدود في آخر تقرير لها، هذه السنة، أنه “إذا كان المؤشر السياسي قد ارتفع فقط في المغرب (المرتبة 129)، فذلك مردُّه أساساً لعدم وجود اعتقالات جديدة، لكن هذا لا يمكن أن يقلل من هول دوامة القمع الجاثم على صدور الفاعلين الإعلاميين، والذي يتَّخذ شكل الملاحقات القضائية بالأساس”، ونتيجة لذلك وضعت المنظمة المغرب  في خانة “حالة صعبة”.

في حين صنف “التقرير العالمي للتعبير لعام 2024” المغرب في المرتبة 104 من بين 161 بلدا شمله التقرير، الصادر عن منظمة “المادة 19” البريطانية، ويعكس ذلك وضع المغرب في فئة الحرية “المقيدة بشدة”، التي تمثل فئة من البلدان تفرض قيودا شديدة على حرية التعبير والوصول إلى المعلومات.

ومنح المقياس المستخدم في تقرير منظمة المادة 19، المغرب 36 درجة، بما يعني أن البلد يحتاج 4 درجات أخرى من أجل الارتقاء إلى خانة حرية التعبير “المقيدة”، وهي مخصصة للدول التي تفرض قيودًا ملحوظة على حرية التعبير.

في ذات السياق قال تقرير منظمة العفو الدولية الصادر سنة 2024، بشأن المغرب، “واصلت المحاكم إبداء عدم التسامح تجاه حرية التعبير، فأدانت ستة أشخاص، على الأقل – من ضمنهم نشطاء، وصحفيان، ومحام – بسبب تعبيرهم عن آرائهم”.

 نقص الوعي بالقوانين المتعلقة بالصحافة والنشر

خلصت دراسة المعهد المغربي لتحليل السياسات إلى أن 76% من المشاركين ليسوا ملمين بالقانون المتعلق بالصحافة والنشر، بينما يعرفه 12% بشكل سطحي، و% 10 بشكل متوسط، و2% فقط يعرفونه جيدا، مما يشير إلى وجود نقص كبير في الوعي والمعرفة بالتشريعات ذات الصلة بحرية التعبير.

وكشفت ذات الدراسة أن 38% من المشاركين يؤيدون الحق في انتقاد الحكومة، في حين أن 36% لا يوافقون على هذا الحق، بينما 14% يعارضونه بشدة، هذا التباين في الرأي العام يعكس جدلاً مجتمعياً حول حدود حرية التعبير والنقد.

ووقفت الدراسة على وجود تفاوت ملحوظ في مستويات ثقة المواطنين المغاربة في البلاغات الرسمية في الحصول على المعلومات. فبينما أبدى 26% منهم ثقة متوسطة في البلاغات الحكومية، أظهر 10% فقط عدم ثقتهم النسبية في هذه المصادر، و2% أعطوا أدنى درجة.

من ناحية أخرى، أبرزت الدراسة تنوع تفضيل المغاربة لمصادر المعلومات الموثوقة، حيث أن 33% يعتمدون على القنوات الفضائية كمصدر رئيسي للأخبار. يليها الإنترنت بنسبة 18%، ثم الإذاعات بـ 14% والبلاغات الحكومية بـ 13%. في المقابل، اتضح أن درجة الثقة في المعلومات التي تنشرها الصحف الورقية والجرائد الإلكترونية أقل.

وعلاقة بالمعلومات التي تنشرها الحكومة، أظهرت نتائج الدراسة أن 29% يظهرون عدم الثقة فيها، في حين يثق فيها 48% ويعبر 16% عن ثقة تامة.

واعتمدت الدراسة على منهجية مختلطة، جمعت بين البيانات الكمية والنوعية، لتقديم صورة شاملة عن آراء المواطنين حول حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومات. وشملت الدراسة عينة من 1645 مشاركا، مع التوازن بين الجنسين بنسبة 49% من الذكور و 51% من الإناث.

ملخص الدراسة:

  • أهمية حرية التعبير:

    • تعتبر الغالبية العظمى من المشاركين أن حرية التعبير أمر حيوي، مع وجود نسبة 42% يرون أنها محمية إلى حد ما، في حين قال 33% أنها غير مضمونة، و9% يرون أنها غير مضمونة بتاتاً.

  • الشعور بالأمان عند التعبير:

    • أعرب 51% من المشاركين عن شعورهم بعدم الاطمئنان عند التعبير عن آرائهم علناً، بينما قال 21% أنهم يشعرون بالأمان، و11% لا يشعرون بالأمان نهائياً، و5% فقط يشعرون بالاطمئنان.

  • الثقة في القضاء:

    • أكد 50% من المشاركين أنهم لا يثقون في قدرة القضاء على حماية حرية الرأي والتعبير، بينما يثق 21% فقط في القضاء، و5% يعبرون عن ثقة كبيرة، و31% ليس لديهم أي ثقة، و11% لا يعرفون موقفهم.

  • الوعي بالقانون:

    • أبرزت الدراسة أن 76% من المشاركين لا يعرفون القانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، مما يشير إلى نقص كبير في الوعي بهذا القانون.

  • حق انتقاد الحكومة:

    • وافق 8% من المواطنين بشدة على حق انتقاد الحكومة، بينما وافق 30% فقط، في حين لم يوافق 36% على هذا الحق، و14% لا يوافقون على انتقاد الحكومة بتاتاً.

  • مصادر المعلومات الموثوقة:

    • يفضل 33% من المواطنين القنوات الفضائية كمصدر رئيسي للمعلومات، يليها الإنترنت بنسبة 18%، والقنوات الإذاعية والبلاغات الحكومية بنسبة 14% و13% على التوالي.

  • الثقة في المعلومات الحكومية:

    • أظهرت الدراسة أن 48% من المواطنين يثقون في المعلومات التي تنشرها الحكومة، بينما عبر 29% عن عدم الثقة.

تحليل ومناقشة:

  1. التدخل السياسي في القضاء:

    • أحد الأسباب الرئيسية لفقدان الثقة في القضاء هو الاعتقاد بأن النظام القضائي قد يتعرض لتدخلات سياسية تؤثر على استقلاليته، مما ينعكس سلباً على حماية حرية التعبير.

  2. سجل القمع السابق:

    • شهد المغرب حالات من القمع والملاحقات القانونية ضد أفراد بسبب آرائهم، مما يعزز الشعور بعدم الأمان عند التعبير عن الآراء العلنية.

  3. نقص الوعي بالقوانين:

    • نقص الوعي بالقانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر يساهم في زيادة القلق والخوف بين المواطنين، حيث يشعرون بأنهم قد يكونون عرضة للعقوبات دون معرفة القوانين التي تحميهم أو تقيدهم.

  4. الشفافية والمساءلة:

    • يعتقد العديد من المواطنين أن النظام القضائي يفتقر إلى الشفافية والمساءلة، مما يعزز الشكوك حول نزاهة القضاء في حماية حقوقهم، بما في ذلك حرية التعبير.

  5. التثقيف والتوعية:

    • هناك حاجة ماسة لتعزيز التوعية بالقوانين والحقوق المرتبطة بحرية التعبير، مما قد يساعد في تقليل الخوف وزيادة الثقة في النظام القضائي.

      خاتمة:

      تعزيز الثقة في القضاء المغربي يتطلب إصلاحات شاملة تضمن استقلالية القضاء وحمايته من التدخلات السياسية. بالإضافة إلى ذلك، يجب زيادة الوعي بالقوانين المتعلقة بحرية التعبير وتعزيز دور وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني في مراقبة الأداء القضائي. كل هذه الجهود مجتمعة يمكن أن تسهم في بناء ثقة المواطنين في قدرة القضاء على حماية حقوقهم وحرياتهم.

      موضوع البحث:

      “تحليل الفجوات في حماية حرية التعبير في المغرب: التحديات والمسارات المستقبلية”

      تحليل ونقاش:

      1. الفجوات في القانون والتنفيذ:

        • استنادًا إلى نتائج الدراسة، يتضح أن العديد من المواطنين المغاربة لا يعرفون القوانين المتعلقة بالصحافة والنشر، مما يشير إلى نقص في التوعية القانونية وتطبيق القوانين المتعلقة بحرية التعبير.

      2. الثقة في القضاء والسلطات الرسمية:

        • الثقة المنخفضة في قدرة القضاء على حماية حرية الرأي والتعبير تعكس تحديات في استقلالية القضاء ونزاهته في مواجهة التدخلات السياسية، مما يؤثر سلبًا على شعور المواطنين بالأمان عند التعبير عن آرائهم.

      3. التحديات الاجتماعية والثقافية:

        • تعدد الآراء حول أهمية حرية التعبير يعكس التحديات الاجتماعية والثقافية في المجتمع المغربي، حيث هناك اختلاف في الرؤى بين الذين يرون حرية التعبير محمية إلى حد ما وبين الذين يرونها غير مضمونة.

      4. التوعية والتثقيف القانوني:

        • ضرورة تعزيز التوعية والتثقيف بالقوانين المتعلقة بحرية التعبير والصحافة لدى المواطنين، وتعزيز الوعي بالحقوق والواجبات التي تكفلها القوانين، مما يمكن أن يساهم في تعزيز الثقة وتحسين الوضع القانوني.

      5. المسارات المستقبلية والإصلاحات اللازمة:

        • دعم إصلاحات القضاء التي تعزز استقلاليته ونزاهته، وتحسين الأداء القضائي في مجال حماية حقوق الإنسان وحريات المواطنين، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية والمساءلة في الأنظمة القانونية.

      خلاصة:

      الموضوع يدعو إلى إجراء دراسات عميقة لتحليل الفجوات في حماية حرية التعبير في المغرب، واستكشاف السبل الممكنة للتغلب على التحديات المذكورة، بما في ذلك تعزيز التوعية القانونية والإصلاحات القضائية الضرورية. هذا يمثل تحديًا مهمًا للسياسيين والمجتمع المدني والمؤسسات الدولية للعمل سويًا نحو تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية في المغرب.