ما بعد حراك “جيل زد”: صلاحيات الملك الدستورية بين النص والواقع

0
148

خلال أسبوع واحد، ارتفع صوت الشارع المغربي بقيادة مبادرات شبابية رقمية تحت تسمية Gen Z 212. مطالب واضحة شملت الصحة، التعليم، فرص العمل، مكافحة الفساد، مع تحميل الحكومة مسؤولية الإخفاقات المتراكمة. هذا الزخم يثير سؤالًا مركزيًا: ما هي صلاحيات الملك الدستورية تجاه حكومة يُطالَب بعضها بالإعفاء، وما الذي يتيحه الدستور من آليات حلّ أو محاسبة؟

المقال التالي يحاول تقديم قراءة تحليلية شاملة: دمج النص الدستوري مع قراءة سياسية واجتماعية وأخلاقية، مع طرح سيناريوهات قابلة للنقاش الموضوعي.

الإطار الدستوري: النصوص والسلطات

الدستور المغربي لسنة 2011 يمنح الملك موقعًا محوريًا: رئيس الدولة، رمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها. لكن ما يهم في السياق الراهن هو مجال تدخله في الحياة الحكومية والبرلمانية:

  • حق الحلّ: الملك يملك صلاحية حل مجلس النواب أو مجلس المستشارين، أو كليهما، بظهير ملكي وفق المواد 96 و97 و98، بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورؤساء المجلسين، مع توجيه خطاب رسمي للأمة يوضح دوافع القرار.

  • إعادة الانتخابات خلال شهرين: إذا حُلّ البرلمان، يلزم الدستور إجراء انتخابات جديدة في أجل أقصاه شهران، ما يعكس خطورة وضرورة هذا الإجراء.

  • منع التكرار قبل سنة: الفصل 98 يمنع حل البرلمان الجديد قبل مرور سنة على انتخابه، ما يحمي استقرار الدولة.

  • مبادرة رئيس الحكومة: يمكن لرئيس الحكومة تقديم اقتراح لحل البرلمان بعد استشارة الملك ورؤساء المؤسسات الدستورية، مع تقديم بيان أمام البرلمان يوضح دوافع القرار.

هذا التوزيع الدقيق للمسؤولية يجعل الملك ضامن التوازنات الوطنية، بينما الحكومة مسؤولة عن التدبير التنفيذي.

السياق الراهن: لماذا يُطرح سؤال الإعفاء والحلّ الآن؟

حراك Gen Z 212 لم يكن وليد الصدفة. شباب وُلدوا في عالم رقمي متصل، تحركهم صور ومقاطع حية من المستشفيات، الجامعات، والشوارع، فجّروا موجة احتجاجات رقمية وميدانية.

  • الشرارة الاجتماعية: وفيات في مستشفيات بسبب ضعف التجهيزات، بطالة متصاعدة، تفاوت جهوي في التعليم والصحة.

  • التراكم السياسي: فقدان الثقة في الحكومة التي لم تفِ بوعودها، واستياء واسع من غياب الشفافية في توجيه الإنفاق العام.

  • البعد السياسي: المطالب الاجتماعية تحولت بسرعة إلى مطالب سياسية صريحة: إعفاء الحكومة الحالية، وإعادة ترتيب الأولويات الوطنية بعيدًا عن المشاريع الرمزية التي تُتهم بابتلاع الموارد.

مع وقوع بعض الصدامات في المدن وسقوط ضحايا، ارتفعت أصوات تطالب بتدخل أعلى مستوى سياسي لوضع حد للأزمة.

سيناريوهات التدخل الملكي: بين النص والواقع

أ. خطاب ملكي مباشر

  • الإجراء: توجيه خطاب للأمة يقر بمسؤولية الدولة ويأمر بإجراءات عاجلة (لجنة تحقيق مستقلة، توجيه ميزانيات طارئة، تحديد مواعيد للتنفيذ).

  • الأثر: تهدئة آنية للشارع مع الحفاظ على استمرارية المؤسسات.

  • التحدي: نجاح الخطاب مرتبط بتنفيذ ملموس وشفاف، وإلا يظل مجرد بيان رمزي.

ب. حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات

  • الإجراء: استخدام صلاحيات الملك الدستورية لحل البرلمان وتنظيم انتخابات خلال شهرين.

  • الأثر: تجديد الشرعية السياسية عبر صناديق الاقتراع.

  • التحدي: لا يضمن معالجة جذرية لمطالب الشباب إذا بقيت السياسات العمومية نفسها، وقد يخلق ارتجاجًا سياسيًا قصير المدى.

ج. إعفاء الحكومة أو تعديل وزاري واسع

  • الإجراء: طلب الاستقالة أو إعفاء بعض الوزراء مع إعادة هيكلة الفريق الحكومي.

  • الأثر: حل وسط يحافظ على المؤسسات ويظهر استجابة سريعة للشباب.

  • التحدي: قد لا يرضي الشباب الباحث عن تغيير جذري في الثقافة السياسية.

د. المساءلة والتحقيق القضائي

  • الإجراء: إنشاء لجنة ملكية للتحقيق أو إحالة ملفات على القضاء.

  • الأثر: رسالة قوية حول المساءلة والعدالة، وإشارات ملموسة للشارع.

  • التحدي: يحتاج ضمان استقلالية التحقيق وعلنية النتائج، وإلا يتحول إلى مجرد مسكّن اجتماعي.

حدود الحل الدستوري

حتى لو جرى حل البرلمان أو إعفاء الحكومة، تبقى المعضلات الجوهرية قائمة:

  • غياب خطة إصلاح صحي وتعليمي حقيقية.

  • تآكل الثقة بين المواطن والمؤسسات.

  • ضعف آليات الشفافية في الإنفاق العمومي.

بمعنى آخر، الحلول الدستورية قد تغيّر الوجوه لكنها لا تكفي لتغيير السياسات العامة.

أسئلة استراتيجية مفتوحة للنقاش

  • إلى الملك والحكومة: ما الإجراءات العاجلة خلال 30 يوماً لتحسين الخدمات الأساسية في الأقاليم؟

  • إلى الحكومة: هل هناك خطة شفافة لإعادة توجيه الإنفاق نحو الصحة والتعليم؟

  • إلى البرلمان: هل ستُنشأ لجنة تحقيق مستقلة لتقصي الحقائق؟

  • إلى النيابة العامة: هل هناك مساطر جارية بشأن وفيات المستشفيات وتجاوزات الفساد؟

  • إلى المجتمع المدني: كيف يمكن حماية مشاركة الشباب وضمان تمثيلهم في الحوار المؤسساتي؟

  • إلى المواطنين: هل الأفضل انتخابات سريعة أم إصلاحات مؤسساتية طويلة المدى؟

خاتمة

الدستور المغربي يمنح الملك أدوات متنوّعة، من الخطاب الرمزي إلى حل البرلمان أو إعفاء الحكومة، لكن أزمة Gen Z ليست مجرد أزمة نصوص، بل أزمة ثقة ومؤسسات وعدالة اجتماعية. الاستجابة السريعة قد تُخمد الغضب، لكن الإصلاح العميق وحده قادر على تحويل احتجاجات الشباب إلى فرصة لإعادة بناء العقد الاجتماعي.

في هذا السياق، الصحافة التحليلية تلعب دورًا محوريًا في طرح الأسئلة الجوهرية، متابعة التنفيذ، ومساءلة الجميع دون تحيز، لتكون مرآة حقيقية للمجتمع المغربي أثناء لحظة فاصلة في تاريخه السياسي والاجتماعي.