ما بين الغيرة الوطنية والخطاب الهدّام: من يستثمر في تقزيم الدولة؟

0
99

في زمن الأزمات والتحولات، يُنتظر من الإعلاميين والمثقفين أن يكونوا رافعة للنقاش العمومي الرصين، لا مجرد صدى لانفعالات مؤقتة أو أحكام انطباعية تغلّف نفسها بثوب “الغيرة الوطنية”. لكن، في المقابل، تبرز بعض الأقلام التي تتوسّل لغة حادة، تستبطن التشكيك، وتُعيد إنتاج سردية عميقة مفادها: لا أمل، لا إصلاح، لا دولة قادرة.

مقال الصحافي مصطفى الفن، الذي أثار نقاشًا حول تعيين مدير جديد للمركز السينمائي المغربي، ليس استثناءً في هذا السياق. ظاهريًا، يبدو النص صرخة ضد منطق التعيينات الريعية، لكن في جوهره، يُعبّر عن ما يمكن تسميته بخطاب الهدم الناعم: لا يُهاجم المؤسسات مباشرة، بل يُفرغها من رمزيتها تدريجيا، عبر مقارنات مضلّلة، وأحكام قاطعة، ونبرة تشاؤمية تُقنّع نفسها بغطاء الإصلاح.

الخطورة لا تكمن في النقد، بل في طريقة توظيفه:

  • فحين تتحول الغيرة على اللغة إلى حُكم بعدم الأهلية،

  • وحين يصبح الإعلام العمومي مجرد “كعكة مفلسة”،

  • وحين يُطرح الشك في كل تعيين باعتباره نتيجة مقايضة حزبية،

فنحن لا نكون أمام نقاش حول جدارة الأفراد، بل أمام نزعة تشكيكية ممنهجة، تهدف، بقصد أو بغير قصد، إلى ضرب الثقة الجماعية في الدولة ومؤسساتها.

وهنا نطرح السؤال الجوهري: هل من الوطنية أن نُدين كل شيء ونبصم على خطاب التيئيس؟ أم أن الوطنية هي أن ننتقد بأدوات فكرية متزنة، نحترم فيها المؤسسات رغم عيوبها، ونميز بين الخطأ ومبدأ الوجود؟

لسنا في موقع الدفاع عن مسؤولين أو سياسات، لكننا في موقع الدفاع عن الرمزية المؤسسية، عن فكرة الدولة، عن احترام التراكم، عن حماية المجال العمومي من أن يتحول إلى فضاء تعبئة ضد الذات الجماعية.

نحتاج إلى صحافة تنوير، لا صحافة تعبئة عمياء. إلى مثقفين يقترحون البدائل، لا يُروّجون العدمية. إلى نقاد يُصلحون ولا يشيطنون.

في مواجهة هذا المد من المقالات التي تسوّق لليأس، نؤمن أن المعركة الحقيقية اليوم ليست ضد أشخاص، بل ضد خطاب يتغذى من هشاشتنا الجماعية ليصنع رأيًا عامًا مفككًا، بلا بوصلة، بلا أمل، بلا مشروع.

فلنفتح النقاش، نعم. لكن لنغلق أبواب الفوضى الرمزية.

هذا هو خطنا. وهذه هي معركتنا: لا لتأبيد الفشل باسم الغيرة. لا لجلد الذات باسم الحرية. لا لهدم الدولة باسم النقد. 

خاتمة: نحو قراءة تنويرية.. لا صدامية                                                                           

منذ مطلع هذا العام الهجري المبارك، اخترنا في هيئتنا التحريرية أن نتبنى خطًّا جديدًا في تناولنا للمحتوى الإعلامي والفكري: خط لا يقوم على الخصومة ولا على الاستهداف الشخصي، بل على المساءلة التنويرية التي تحترم الزملاء ولا تسايرهم بالضرورة، وتقدّر اجتهاداتهم دون أن تتخلى عن حقها في الاختلاف والتفكيك والتحليل.

نحن لا نتصدى للصحافيين ولا نمارس النقد من موقع العداء، بل نمارس القراءة الثانية، القراءة التي تمنح القارئ أدوات تُمكّنه من التمييز بين قوة الحجة وضعفها، بين البناء والتهديم، بين النقد المسؤول والخطاب المحبط.

نحن نؤمن أن الصحافة ليست فقط سلطة رابعة، بل مسؤولية مجتمعية تُسائل وتُسائلها الأمة في المقابل. ولهذا، فإن مساهمتنا لا تأتي لعرقلة النقاش، بل لتغذيته من زاوية أخرى، تفتح فضاء التعدد في التأويل، والتنوع في التقدير، دون أن تمس بالاحترام الواجب لكل رأي حر.

هذا هو مشروعنا: تنويرٌ بلا تشهير، نقدٌ بلا تشكيك، حوارٌ بلا ضجيج.