“ما زال الموقف الحقيقي لإسرائيل هو الغموض”..هكذا تراوغ إسرائيل للاستمرار في عدم “الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه”

0
396

كان خطاب الملك المفدى محمد السادس في العيد الوطني «ثورة الملك والشعب» واضحاً، حيث طلب من الشركاء التقليديين والجدد، موقفا واضحا من قضية الصحراء، التي تعتبر أهم قضية في أجندة المغرب. ويقصد بالموقف الواضح هو الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ووجه كلام الملك المفدى مباشرة إلى فرنسا بصفتها شريكا تقليديا، ثم إلى إسرائيل بصفتها شريكا جديدا. وجاء خطاب الملك المفدى ليفاجئ الكثيرين بشأن الموقف الحقيقي لإسرائيل، وهو استمرارها في اتخاذ موقف ضبابي في هذا الملف، رغم التطبيع الف في %.

ومنذ استئناف العلاقات مع إسرائيل نهاية 2020، ساد الاعتقاد في دعمها المغرب في ملف الصحراء، غير أن الموقف الحقيقي لإسرائيل كان هو الغموض ثم الاستمرار في عدم الاعتراف بالسيادة المغربية. وقامت تيارات سياسية وإعلامية في المغرب بإخفاء هذه الحقيقة عن الرأي العام، حتى جاء خطاب الملك الأخير ليطلب فيه من إسرائيل بصفتها «شريكا جديدا» الوضوح في ملف الصحراء.

لقد تم تقديم الاتفاق الثلاثي بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل خلال ديسمبر/كانون الأول 2020 على أنه اتفاق يضمن اعتراف سيادة المغرب على الصحراء، والواقع أنه لا يوجد نهائيا اتفاق ثلاثي، في المقابل يوجد اتفاق ثنائي-ثنائي، الأول بين الولايات المتحدة والمغرب، والثاني بين المغرب وإسرائيل. في الوقت ذاته، لا يتضمن اتفاق المغرب – إسرائيل أي اعتراف إسرائيلي بمغربية الصحراء. ماذا تضمن الاتفاق بين المغرب والولايات المتحدة؟ تضمن هذا الاتفاق اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء وترجمة هذا الاعتراف بإقامة قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة أقصى جنوب الصحراء، في المقابل تعهد بمفاوضات من أجل علاقات دبلوماسية كاملة، مع ربط رفع التمثيلية الدبلوماسية إلى مستوى سفارة بعودة إسرائيل الى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين، كطريق للحل السلمي. وعلى ضوء هذا، لا تعتبر إسرائيل نفسها معنية وملزمة بالاتفاق المغربي – الأمريكي وغير ملزمة نهائيا بمبدأ الاعتراف بمغربية الصحراء.

يشدّد بلاغ الديوان الملكي أن تدابير “استئناف العلاقات الديبلوماسية” مع إسرائيل لا يمس “الالتزام الدائم والموصول للمغرب في الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة”. تأكيد الرباط يأتي كذلك في بلاغ آخر عن اتصال جمع العاهل المغربي محمد السادس برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، جاء فيه أن المغرب “يضع دائما القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وأن عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربيتها لن يكون أبداً، لا اليوم ولا في المستقبل، على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة”.

دعا رئيس البرلمان الإسرائيلي، الكنيست، أمير أوحانا حكومة بلاده إلى الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

دعوة أوحانا جاءت أثناء زيارة قام بها للعاصمة المغربية، الرباط، حيث حضر رئيس الكنيست مباحثات في مجلس النواب المغربي.




وتُعدّ الصحراء المغربية “قضية المغرب الأولى، وبالتالي فإن مواقف المغرب وشراكاته مع الدول تُبنى على أساس مواقف هذه الدول من قضية الصحراء المغربية”، بحسب محمد الغواطي، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس.

فيما يرى أستاذ القانون العام والعلوم السياسية محمد الغواطي أن “المغرب مقتنع بشرعية موقفه المتعلق بمبادرة الحكم الذاتي التي قدّمها للمجتمع الدولي كحلّ واقعي لهذه المشكلة، ولكن أطرافا أخرى لا تريد أن تنصهر أو تنسجم مع هذا الطرح”.

وفي زيارته إلى المغرب، أشار رئيس الكنيست إلى اعتزام إسرائيل تقوية الروابط مع المغرب عن طريق فتح سفارتين في الرباط وتل أبيب، كما وقّع رئيس مجلس النواب المغربي ورئيس الكنيسيت مذكرة تفاهم بين المجلسين.

ويؤكد الغواطي أن العلاقات المغربية الإسرائيلية لم تنقطع يوما، مشيرا إلى أن هناك يهودا كثيرين في إسرائيل ينحدرون من أصول مغربية، ومن هؤلاء رئيس الكنيست ذاته، ومن هنا يتأتّى “حِرص هؤلاء الإسرائيليين على المصالح المغربية” على حد قول الباحث المغربي.

ولحدّ الآن يتولى المهام الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل مكتبا اتصال وليس سفارتين.

من جانبها، أعربت الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع عن “رفضها المطلق لهذه الزيارة، داعية كل مناصري القضية الفلسطينية داخل البرلمان المغربي للانتفاض في وجه رئيس الكنيست والوفد المرافق له”، كما نشرت الجبهة في بيان على صفحتها عبر فيسبوك.

وفي فبراير/شباط من العام الجاري، كان مكتب الاتصال الإسرائيلي في المغرب أعلن عن بدء أعمال بناء مقرّ سفارة في الرباط، فيما اعتُبر آنذاك في إسرائيل “لحظة تاريخية” على حدّ تعبير المكلفة بمكتب الاتصال لدى المغرب ألونا فيشر كام.

تحرّك المغرب بشكل كبير في السنوات الماضية لكسب التأييد لمشروع الحكم الذاتي في إنهاء نزاع المفتعل من الجارة الجزائر، ويمكن اعتبار عام 2020 سنة الاختراق المغربي في إقناع دول بفتح قنصليات لها في الصحراء المغربية، زاد من ذلك إدارته  لأزمة معبر الكركرات بشكل لم يخلق له أيّ احتكاك مع الأمم المتحدة، ليأتي القرار الأمريكي ويعطي دفعة كبيرة للتحركات المغربية.

“الولايات المتحدة كانت تدعم بشكل غير مباشر المغرب في النزاع المفتعل، إذ كان الكونغرس يُدرج منذ سنوات الأقاليم الصحراوية الجنوبية للمغرب في إطار الدعم الذي تقدمه أمريكا للمغرب” يقول عزيز إدامين، باحث مغربي في القانون الدولي، أن قرار ترامب يؤكد هذا التوجه وسيساعد المغرب كثيراً، أولاً لأن واشنطن لها حق النقض في مجلس الأمن، ثانيها لأنها هي التي تعدّ مشروع القرار المتعلّق بتمديد صلاحيات المينورسو(بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء المغربية)”.

بيدَ أن حسين مجدوبي يرى أن “الربط بين القضيتين (أي قضية الصحراء المغربية والقضية الفلسطينية) ، ويشير في مقال مطول على جريدة القدس ، إلى برنامج بي بي سي «العالم هذا المساء» الأحد 21 أغسطس/آب 2022، حيث قالت ” شامة درشول”، حسب قوله،  وهي خبيرة في الشؤون الإسرائيلية، إن المغرب لم يحصل حتى الآن على أي نتيجة ملموسة من هذا التقارب، مشددة على غموض الموقف الإسرائيلي من الصحراء، بل وكذلك الغموض حتى في موقفه من جبهة البوليساريو. وعليه، نتساءل لماذا لا تعترف إسرائيل بمغربية الصحراء، ثم لماذا يلف موقفها الغموض بشأن البوليساريو. ويسعرض  الكابت ،حسن مجدوب ،في هذا الصدد، المعطيات والأسباب التالية:

السبب الأول، طبيعة اشتغال آليات المجتمع السياسي الإسرائيلي، التي تخضع لمفهوم الانتخابات، إذ يوجد يسار قوي في إسرائيل يدعو إلى حل الدولتين في النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، وهو اليسار نفسه الذي يدافع عن تقرير المصير في ملف الصحراء. في الوقت ذاته، اليمين يدعي عدم معرفته بنزاع الصحراء ويرفض إعطاء موقف محدد، والأدهى أنه بدأ مؤخرا تبني أطروحة مقايضة الاعتراف بمغربية الصحراء مقابل يهودية القدس. لقد اعتمد تيار التطبيع في المغرب كثيرا على تفسيرات ومواقف اليهود من أصل مغربي، نعم يشكلون نسبة مهمة من المجتمع الإسرائيلي، لكن لا يمتلكون قرار الحسم في القضايا الخارجية ومنها الصحراء.

السبب الثاني، لا تهاجم إسرائيل جبهة البوليساريو لأنها لا تريد الاصطدام مع تيارات في الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، يدافعون عن أطروحة جبهة البوليساريو مثل عائلة كينيدي ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري ورئيس لجنة الدفاع في الكونغرس الأمريكي حاليا الجمهوري جيم إنهوف، الذي طالب مؤخرا بنقل مناورات الأسد الافريقي من المغرب لأنه يعتقد أن المغرب لا يتقدم في حل نزاع الصحراء.

السبب الثالث، هو تراجع إسرائيل أوراقها في شمال افريقيا ولا ترغب في الاصطفاف الكلي إلى جانب المغرب، وتحويل الجزائر إلى عدو أبدي، لاسيما بعدما بدأ الغرب يغازل هذا البلد بسبب ما يجري في الساحل، وبسبب الحاجة إلى الغاز الجزائري للتقليل من الاعتماد على الغاز الروسي. لهذا، فهي تغازل الجزائر تلميحا وتبحث عن تفاهم غير مباشر.

في سياق متصل ، يوم 23 يناير الماضي من العام الجاري، كشفت مصادر إعلامية مغربية موثوقة النقاب عن مساعي تبذلها دولة إسرائيل من أجل رفع تمثيليتها في العاصمة المغربية الرباط إلى مستوى سفارة، وأكدت أن شرط الرباط على ذلك هو اعتراف رسمي وصريح من دولة اسرائيل بـ “مغربية الصحراء” أولا.

وذكرت صحيفة “الأيام24” المغربية، أن تجدد هذا الملف يأتي مع تشكيل حكومة نتنياهو الجديدة، وتعيين المسؤول البارز والسري السابق في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، ومهندس اتفاقات أبراهام، رونين ليفي، في منصب الإدارة العامة لوزارة الخارجية.

وقالت الصحيفة: “لا تقف مهمة ليفي، عند الرفع من مستوى التعاون الدبلوماسي مع المملكة المغربية، بل أيضا حول التفاوض مع الشرط المغربي الصارم، الذي تضعه الرباط على طاولة نتنياهو، وهو الاعتراف الكامل بسيادة المغرب على صحرائه”.

ويعتبر ليفي، وفق الصحيفة، من أبرز المسؤولين الإسرائيليين الذين يعول عليهم في تل أبيب من أجل زيادة التعاون مع المغرب وعدد من الدول العربية، وذلك نظرا لعلاقاته القوية مع وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، ومستشار العاهل المغربي، فؤاد عالي الهمة.

وكانت صحيفة “جيروزاليم بوست”، كشفت يناير الماضي، النقاب عن هوية ما وصفته “رجل الظل” في المخابرات الإسرائيلية، رونين ليفي، وهو أحد أقوى المسؤولين بجهاز “الشاباك” الإسرائيلي، الذي تم تعيينه مؤخرا في الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وذلك نظرا لدوره الكبير في ربط العلاقات الإسرائيلية مع عدد من الدول، أهمها المغرب، وكذا التعويل عليه من أجل إقناع السعودية بإقامة علاقات مع تل أبيب.

وبقيت هوية ليفين غامضة طيلة مسيرته في جهاز “الشاباك”، في وقت كان يستخدم اسمه المستعار “معوز”، في تحركاته داخل الدول العربية، التي سرعان ما ربط فيها علاقات قوية مع عديد من المسؤولين البارزين.