مجلس المنافسة يدعو لمراجعة أسعار الكهرباء في المغرب..ما القصة ؟ أجي تفهم!

0
343

عاد إنتاج الكهرباء وكلفته، ليُطرح بقوة للنقاش في المغرب منذ العام الماضي في ظل ارتفاع أسعار الفحم والغاز، حيث يدعو المختصون إلى المضي أكثر في تسريع إدماج الطاقات المتجددة في المزيج الطاقي.فيما يتعلق بتعريفة الكهرباء “سعر 0,11 دولار للكيلواط الواحد،”بالمقارنة مع دول أخرى عالميًا يعتبر المغرب الأغلى سعراً.

وأمام عجز الحكومة الذريع في وضع السياسات العمومية المناسبة لمواجهة الازمات العديدة التي يتخبط فيها المواطن المغربي، دعا مجلس المنافسة إلى إرسـاء آليـة لتعديـل التعريفـة بصفـة دوريـة وبطريقـة تعكـس التكلفـة الحقيقيـة للكهربـاء وتحمـي القـدرة الشرائية للساكنة الهشـة.

وقال مجلس المنافسة في تقرير حول وضعية المنافسة في قطاع الكهرباء وآفاق تطويره، إنه “لا يمكن تقويـم الوضعيـة الماليـة للمكتب وتحسين الشـفافية في سـوق الكهربـاء الوطنيـة دون إعـادة النظـر في منظومـة تحديـد التعريفـة الحاليـة”، معتبرا أن “منظومـة التعريفـة الحاليـة تتسم بطابعهـا الثابـت الـذي لا يجسد تكلفة السعر الحقيقيـة، ويقــوم على آليــة تكافؤ الإعانات المتبادلة بين أشطر الاســتهلاك (حتى بين الأنشـطة: دعـم الماء بواسـطة الكهرباء)”.

وأكد المجلس، على أن تطبيق النمـوذج القائم على شـفافية منهجيـة تحديـد الأسـعار، المدعمـة بمسـاطر واضحـة لمراجعتها، يكتسي مسألة ضروريـة لتنزيل أهداف إصلاح السـوق، وتشـجيع ترشـيد الاسـتعمالات، مشيرا إلى أن نمــوذج التعريفــة المســتهدف بــالضرورة يجــب أن يعكــس التكاليــف الحقيقيــة لإنتــاج كيلــوواط ســاعة مـن الكهربـاء، بشـكل يمكـن مـن تمريـر التكاليـف الأوليـة على المسـتهلك النهـائي، يراعي “الاهتمامـات الاقتصاديـة والاجتماعيـة لمختلـف المسـتهلكين. بمعنـى آخـر، الحفـاظ على تنافسـية المقـاولات وصيانــة القــدرة الشرائيــة للأسر الهشــة”.

واقترح مجلس المنافسة، أن تتدخل الدولة إما من خلال تطبيق تعريفة اجتماعية في بنية التعريفة أو تقديم مساعدة مالية مباشرة للفئات الهشة، والتحكيـم بين درجـة تحريـر التعريفـة، بالنظـر إلى أن الطابـع الحـر الـكلي للنمـوذج، حيـث تُحـدد التعريفـة حصرا حسـب السـوق، دون ضبـط أو تدخـل مـن السـلطات العموميـة، لا يمكـن تطبيقـه على الكهربـاء بسـبب بعدهـا الاجتماعـي.

كما اقترح المجلس، التطبيـق التدريجـي لنمـوذج تُقايـس فيـه الأسـعار على سـعر التكلفـة مـن أجـل التعويـض عـن الخدمـات المقدمـة، ووضـع آليـات للدعـم المسـتهدف لتعويـض الفـارق بين سـعر التكلفـة وتعريفـة البيـع، والموجـه لأشـطر الاسـتهلاك التـي تتطلـب تدخـل الدولـة ودعمهـا (بحـذف نظـام التكافـؤ بين أشـطر الاسـتهلاك).

واعتبر مجلس المنافسة، أن السـلطات العموميـة يمكن أن تتدخل في هذه النقطة الأخيرة، بطريقـتين مختلفـتين، إمـا مـن خلال تطبيـق تعريفـة اجتماعيـة في بنيـة التعريفـة، أو تقديـم مسـاعدة ماليـة مبـاشرة للفئـات الهشـة، مشيرا إلى أنه يمكـن تحديـد السـاكنة المـراد دعـهما ومواكبتهـا اسـتنادا إلى السـجل الاجتماعـي الموحـد. ويمكـن التعـرف عليهـا كذلـك اعـتمادا على مسـتويات اسـتهلاك الكهربـاء، أي أنه “لـن تسـتفيد مـن المسـاعدات أو التعريفـة الاجتماعيـة إلا الأسر التـي يقـل اسـتهلاكها عـن 15 كيلـوواط سـاعة شـهريا، أي الواقعـة بين الشـطرين الأول والثـاني، مـع الأخـذ بـعين الاعتبـار العـدادات الجماعيـة.

وشدد المجلس على أن هـذه المقاربـة الأخيرة توفر ثلاث مزايـا على الأقـل. أولا، تظـل مقاربـة شـاملة تقريبـا والأسرع في التنفيـذ. ثانيـا، تتيـح توجيـه المسـاعدات للسـاكنة المسـتهدفة، بـدلا مـن تقديـم إعانـات مرتبطـة بالمنتجـات. وثالثـا، توفـر مرونـة في إعـادة النظـر في ترتيـب الأسر في شـبكة معـايير الأهليـة بصفـة دوريـة، وحسـب فاتـورة الكهربـاء الشـهرية.

كما أوصى، مجلس المنافسة، على السلطات في حال ارتأت التدخــل في بنيــة تحديــد التعريفــة، عــن طريــق إرســاء تعريفة اجتماعيـة، أولا بـإشراك الهيئـة الوطنيـة لضبـط الكهربـاء في تحديـد التعريفـة، والـذي سـيتم في نهايـة المطـاف بقـرار لرئيـس الحكومـة أو السـلطة الحكوميـة المفوضـة مـن لدنـه، كما هـو معمـول بـه حاليـا، وفي مرحلـة ثانيـة، وضـع آليـة لمراجعـة التعريفـات هاتـه بصفـة دوريـة ومتواتـرة، ووفقـا لمعـايير محـددة سـلفا.

 إن أزمة المكتب الوطني للكهرباء ليست إلا جزءا من الأزمة التي تشهدها جميع المؤسسات العمومية وشبه العمومية، وهي أزمات مالية أسبابها مرتبطة بعقود من سياسات الخوصصة وتقليص الدعم العمومي وتحرير القطاع. فالبنك العالمي الممثل لمصالح الشركات المتعددة الجنسية يسعى لنزع احتكار المكتب الوطني للكهرباء وإخضاع كل المنتجين المستقلين بما فيهم المكتب الوطني للكهرباء لمناقصة تنافسية من أجل إنتاج الكهرباء بأسعار تنافسية. ولذلك فتحرير الأسعار يخدم بالأساس الشركات المتعددة الجنسية التي بالرغم من أن مسلسل تحرير قطاع الطاقة لم يستكمل بعد، فإنها تحتكر حاليا معظم إنتاج الطاقة الكهربائية.

العام الماضي ، صنف موقع “غلوبال بيترول برايسز/GlobalPetrolPrices”، المتخصص في تتبع أسعار الطاقة حول دول العالم، المغرب ضمن الدول التي تعرف ارتفاعا في تعريفة الكهرباء.

وكشف الموقع المذكور أن ثمن الكهرباء في المغرب قدر عند نهاية شهر دجنبر المنصرم (2022) بـ1.17 درهم لكل “كيلووات ساعة” للأسر و1.07 درهم للشركات. في حين بلغ متوسط سعر الكهرباء في العالم لنفس الفترة 0.14 دولار أمريكي لكل “كيلووات ساعة” للأسر و0.13 دولار أمريكي للشركات.

واحتل المغرب المركز 15 بخصوص ارتفاع ثمن الكهرباء الذي تستهلكه الأسر مقارنة مع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث جاءت السودان كأرخص دول المنطقة بتعريفة 0.03 درهم مغربي، تليها ليبيا، فعمان، فالعراق والكويت، فقطر ومصر، فالجزائر، فالبحرين، فالسعودية، فتونس، فلبنان والإمارات العربية المتحدة، ثم الأردن.

أصبح الرأسمال الأجنبي يحتكر معظم إنتاج الطاقة الكهربائية وتوزيعها ببلادنا بعدما فوتت له العديد من محطات الإنتاج وشبكات التوزيع. فالمجموعة الرأسمالية الأمريكية السويسرية ABB/CMC تسطو حاليا ولوحدها على أكثر من 48% من الإنتاج الوطني للكهرباء. (جريدة المناضل-ة العدد 51، فبراير 2013).

 أما بالنسبة لتوزيع الطاقة الكهربائية فإن الشركات المتعددة الجنسية (ليديك، ريضال، فيفاندي) تضمن حاليا احتكارا شبه مطلق لهذا القطاع، حيث تحوز على أكثر من 75% من مجموع شبكة التوزيع، فيما يكتفي المكتب الوطني للكهرباء بـ 25% فقط (وثيقة “مقاربة اقتصادية لقطاع الطاقة” لسنة 2002 لوزارة المالية).

“ينتج القطاع الخاص اليوم أكثر من نصف الكهرباء المستهلك في المغرب. وشركة جليك التابعة للمجموعة اﻹماراتية طاقة، التي تقوم باﻹنتاج المفوض لفائدة المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب في المحطة الحرارية المستعملة للفحم بالجرف اﻷصفر توجد في حالة جيدة، حيث بلغ رقم أعمالها 5.4 مليار درهم سنة 2011 وحققت نتيجة صافية بلغت 430 مليون درهم؟(“خسارات المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب أرباح عند شركات أجنبية وشركة تابعة للهولدينغ الملكي”، كريستوف غيغان، 20 مارس 2013، موقع لكم).

وحيث يسجل المكتب الوطني خسارات نسجل شركات القطاع الخاص المنتجة للطاقة الكهربائية أرباحا خيالية، فشركة الطاقة الكهربائية لتهدارت “أو تي تي” المنتجة للطاقة الكهربائية في إطار عقود التفويض حققت نتيجة صافية بلغت 170 مليون درهم سنة 2011. بينما سجل تقرير المجلس اﻷعلى للحسابات أن اﻷرباح المهربة من طرف طرف شركة “ليدك” بين 1997 و2008 بلغت حسب قرابة مليار درهم. (موقع لكم، نفسه).

ليس الرأسمال الأجنبي وحده المستفيد من “كعكة” المكتب الوطني اللذيذة، فالمكتب تشتغل لفائدته 700 شركة من بينها 133 شركة منخرطة في الجامعة الوطنية للصناعات الكهربائية واﻹلكترونية المنضوية تحت لواء اﻻتحاد العام لمقاوﻻت المغرب. (لكم، نفسه).

أما فيما يخص “ناريفا”، التابعة للشركة القابضة(..): الشركة الوطنية للاستثمار، فإن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب مجبر على شراء الطاقة الكهربائية منها لمدة 20 أو 30 سنة بأسعار يتفاوض بشأنها فيما يتعلق بمحطات آسفي وطرفاية، أو تباع مباشرة للزبناء الكبار ومعظمهم مؤسسات عمومية (المكتب الشريف للفوسفاط ، المكتب الوطني للسكك الحديدية، المكتب الوطني للمطارات) أو لفروع الشركة الوطنية للاستثمار (ﻻفارج، سوناسيد) ويقوم بنقلها إليهم المكتب. ولنقل الكهرباء المنتجة إلى الزبناء الصناعيين، تؤدي الشركة للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ( تنبر عبور) لكنه ليس معروفا لحد اﻵن ماهي قيمة هذا التعويض (8 سنتيم كيلواط – ساعة بالنسبة ﻷخفنير سنة 2010 ). (موقع لكم، نفسه).

أدى برنامج تحرير قطاع الطاقة إلى سيطرة الرأسمال الأجنبي على المداخيل المالية التي كانت الدولة تجنيها من استيراد و تكرير البترول و توزيع مواده و إنتاج الطاقة الكهربائية و توزيعها.. وهو السبب الحقيقي والرئيسي وراء الأزمة الحالية التي يعاني منها ليس فقط المكتب الوطني للكهرباء، بل كل مؤسسات القطاع العام والقطاع شبه العمومي.

هذا هو السبب الحقيقي وراء أزمة المكتب المالية، شركات خاصة تابعة للرأسمال الأجنبي والمحلي، تفوز بصفقات مجزية أودت بالمكتب إلى حافة الإفلاس، بينما يتم تحميل التكلفة للمواطن المقهور أصلا بتكلفة أزمة اقتصادية عامة تنعكس على كل ظروف عيشه (تعليما وصحة وأجورا..).

وذلك هو السبب حول ما يرد في خطاب الحكومة كحقيقة منزلة لا تحتاج إلى برهان، أي عدم التناسب بين تكاليف الإنتاج والتوزيع وبين التعريفات المطبقة ما يسبب العجز المالي.

وإذا ما استحضرنا إلى جانب هذا المعطى الصادر حديثا، حجم ما يؤديه المواطن مثلا عند استهلاك البنزين خاصة في الأشهر الأخيرة، رغم التراجع الذي عرفه سعر البترول عالميا في أكثر من فترة، سيتبيّن أن الدولة  لا يهمها الوضع الاجتماعي للشعب المغربي، مادامت تشجع من جهة الفساد والتفاوت والريع، وتحتوش من جهة ثانية الأموال من جيوب المواطنين. بل ما دامت تلك الانحرافات تقتات من هذه الاقتطاعات.