طالبات جامعيات يتعرضنًّ يومياً لأشكال مختلفة من التحرش في المغرب بلا مراقب ولا رقيب، يعد الجنسي منها الأقوى والأكثر وطأة في ظل غياب قانون إطار لمناهضة جميع أنواع العنف.
وأدى افتضاح هذه الخروقات بجامعة الحسن الأول بالسطات (غربي البلاد) شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإعلامية المحلية، إلى جر مجموعة أساتذة إلى المحاكمة. فيما عرف الأسبوع الأخير من سنة 2021 انفجار فضيحتين جديدتين، دفعتا الجامعات إلى فتح بوابات إنصات إلى الطلبة المشتكين من هذا الأمر، كما رفع الوعي بالابتزاز والتحرش الجنسي الذي يتعرضون له من بعض الأساتذة.
وثمن المجلس الوطني لحقوق الإنسان كسر الطالبات ضحايا الابتزاز الجنسي الصمت، وتبليغهن عن الاعتداءات التي مست بكرامتهن وحياتهن، رغم ما يمكن أن يترتب عن ذلك من تجريمهن والتشهير بهن والتحريض ضدهن، معبرا عن انشغاله العميق بتواتر حالات الابتزاز والعنف الجنسي والعنف بالمجتمع.
وأشار المجلس في بيان له إلى أن لجنه الجهوية استمعت لعدد من الطالبات الضحايا بكل من سطات ووجدة، فضلا عن عقد لقاءات مع جمعيات الطلبة ومع عدد من الأساتذة، بالإضافة إلى متابعة حالات مماثلة في مدن أخرى، معلنا استمراره في متابعة قضايا الابتزاز الجنسي ضد الطالبات، سواء خلال المحاكمات أو غيرها.
وسجل المجلس بإيجاب أهمية فتح التحقيقات من طرف النيابات العامة المختصة حتى لا تبقى الأفعال المجرمة بدون عقاب، وكذا الإجراءات الفورية التي اتخذتها وزارة التعليم العالي من خلال القيام بالتحريات الإدارية الضرورية مع ما ترتب عن ذلك من إجراءات تأديبية.
وحسب محضر التحقيقات القضائية فإن “المتهمين استعملوا مختلف أشكال الإكراه والخداع والحيلة لإجبار الطالبات على الرضوخ لنزواتهم الجنسية، وهو ما يعتبر خذلاناً لقيم التدريس، وتلاعباً مفترضاً بمصير طالبات العلم والمعرفة”. وقالت إحدى الضحايا في شهادتها إن “الأستاذ قد ساومها بممارسة الجنس مقابل إلغاء محضر الغش المحرر ضدها وإعادة بطاقة الطالب إليها، والتي سُحبت منها أثناء اجتيازها امتحانات تلك السنة”. وكشفت الشرطة أنها عثرت على نظام شامل للتلاعب بالنقاط ليس مرده دوماً إلى الجنس.
ولم يمر طويلاً على تلك القضية حتى افتضحت، في 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حالة مشابهة داخل “المعهد الوطني للتجارة والتسيير” بمدينة وجدة (شرق)، وبنفس الطريقة نشرت ضحية رسائل إلكترونية من أستاذها يطالبها إن “هي أرادت أن تنجح في فصله فعليها أن تمارس معه جنساً فموياً”. الأمر الذي استثار موجة احتجاج سادت مواقع التواصل الاجتماعي، وتناسل عدد المشتكيات من ذلك الفعل المشين بعد أن تملكن الشجاعة للحديث عما أصابهن من نفس الأستاذ.
وقبل أربعة أيام من انكشاف قضية وجدة، برزت حلقة جديدة من مسلسل “الجنس مقابل النقاط” بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة (شمال). إذ تقدمت إحدى طالبات الماستر بشكاية لصالح وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بطنجة، يوم الخميس 23 ديسمبر/كانون الثاني، ضد أستاذ اللغة الإسبانية، تتهمه فيها بالتحرش الجنسي، وعززت شكايتها بتسجيلات صوتية وفيديو يظهر فيه الأستاذ وهو يريها مقاطع إباحية داخل حجرة الدرس.
وبعد علم الأستاذ بتسجيله من طرف طالبته، شرع في مساومتها أمام مرأى ومسمع الطلبة، ثم حاول بعد نهاية الحصة الإنفراد بها في قسم مجاور، أمام مرأى الجميع. فيما رافق عدة طلبة من نفس الفصل الدراسي زميلتهم كشهود عيان على الواقعة أمام الضابطة القضائية.
واستغرب المجلس تجاهل شكايات الطالبات من طرف عدد من إدارات المؤسسات الجامعية، وعدم أخذها بالجدية الضرورية، كما سجل تعدد واختلاف المساطر المعلن عنها بالمؤسسات الجامعية، بعد تبليغ الضحايا بما تعرضن له من ابتزاز جنسي من طرف أساتذة.
وتساءل البيان عن غياب وحدات إدارية وتربوية ملائمة للتعامل مع الحالات المندرجة ضمن العنف ضد النساء والابتزاز الجنسي، مشددا على أهمية الوقوف عند اجتهادات وممارسات فضلى هادفة إلى حماية الضحايا قبل شيوع أخبار المساومات.
كما جدد المجلس توصيته التي كان قد أكد عليها في حالات التبليغ من طرف ضحايا الاعتداءات الجنسية سابقا، بالتكفل القضائي بضحايا الجرائم والجنح الجنسية بما فيها الرعاية الطبية والنفسية للضحايا، إعمالا للفصل 117 من الدستور.
وأبرز أن تواتر حالات كسر الصمت من طرف الطالبات في حاجة إلى تدابير متعددة لتجاوز انعكاساته السلبية على الجامعة والأساتذة والطلبة بما يعزز الثقة في الولوج إلى المؤسسات من أجل الانتصاف.
ودعا البيان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى تعميم بروتوكول إعلان مراكش لحماية الطالبات من العنف والتحرش وإحداث آليات خاصة بالتبليغ عن الابتزاز كيفما كان نوعه والتكفل بالضحايا.
واعتبر أن حملات التشهير والتحرش والتحقير ضد الطالبات اللواتي قمن بالتبليغ، خرق سافر لحقوق الانسان، مشددا على ضرورة دعم التبليغ كفعل مواطن نظرا للعواقب والآثار المترتبة عن المساومة القائمة على الشطط في استعمال السلطة.
ودعا المجلس إلى إعمال تدابير حماية الضحايا طبقا لقانون مناهضة العنف ضد النساء واتخاذ تدابير حماية المبلغات والشهود.
وأكد المجلس على حق الطالبات والطلبة في تعليم بفضاء جامعي يحمي كرامتهم وسلامتهم الجسمانية والجسدية والنفسية، مؤكدا أن دور الأستاذ هو القيام بالتدريس وفق قواعد مهنية متعارف عليها رسختها التقاليد والأعراف الجامعية المغربية.
وعرفت القضايا الثلاث تضامناً واسعاً من الرأي العام المغربي، وبلغت ضجتها قبة البرلمان. حيث وجهت البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة، نجوى كوكوس، سؤالاً لوزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، حول الاجراءات المتخذة في القضية.
كما ساهمت حركات نسوية عديدة في الزخم التحسيسي بالقضايت، أبرزها تجمع “خارجات عن القانون” وصفحة “حاشاك” على تطبيق إنستاغرام. وفتح التجمع النسوي المذكور على حساباته بوسائل التواصل الاجتماعي بوابة ” MetooUniv#” التي تمكن المتعرضين للتحرش من أساتذتهم أن يتحدثوا عن تجاربهم ويفضحوا الممارسين لهذا الانتهاك الأخلاقي.
مقترحات بعيون التغيير
” تربية جنسية سليمة، و اعتبار المرأة كإنسان و ذات تحترم، مع وجود قانون إطار من أجل الردع”، هكذا تحدثت الناشطة يسرى البراد عن الحلول الكفيلة للحد من ظاهرة التحرش الجنسي في الجامعات المغربية.
و تضيف أن جمعية فضاء المستقبل تقوم بالعديد من الأنشطة و الحملات التحسيسية الموجهة للشباب و الشابات، بالإضافة إلى الاستشارات القانونية و النفسية من أجل تكسير الصمت على ظاهرة تنقص من إنتاجية نصف المجتمع في ظل وجود تحرش جنسي، حسب تعبير البراد.
وعن سبل حماية الطالبات في الجامعة يرى إسماعيل ” وجوب حضور تشريعات حقوقية إنسانية معاصرة لكون مثل هذه الظواهر هي نتيجة منظومة المحرمات الجنسية بسبب الأعراف و التقاليد و الدين”.