محاربة الفساد ليست أولوية “حكومة أخنوش” بعد سحب قانونا يُجرِّم الإثراء غير المشروع..هيئة النزاهة تطالب بقانون لمحاربة الإثراء غير المشروع

0
263

جمال السوسي

يعتبر تجريم الإثراء غير المشروع من أهم المخرجات التي اقترحتها هيئة الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة في سياق النقاشات التي عرفها المغرب بعد دستور 2011، وظهور الحاجة إلى مشروع قانون جنائي جديد، لكنه تعثر بعد سنوات من العرقلة حتى تم سحبه من طرف حكومة الملياردير “عزيز أخنوش”، حيث اعتبر جانب من المعارضة وفعاليات المجتمع المدني أن الخطوة تناقض الخطاب الرسمي للدولة، الذي يتبنى محاربة الفساد منذ أعوام، باعتبار أن مشروع التعديل يضم بنداً يجرم الإثراء غير المشروع.

أكد تقرير لهيئة النزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها حول “الإثراء غير المشروع” على أن رصد ومكافحة التطور غير المبرر للثروة من بين أهم الآليات التي تمكن من محاربة الفساد.

وأبرز تقرير الهيئة أن تطور الثروة بشكل لا يتناسب مع موارد الموظف، يبرز وجود شبهة الفساد، ما يقتضي المساءلة وتقديم المعني لإثباتات حول مصادر ثروته.

وقالت الهيئة إن جرائم الفساد تتميز بطابعها السري والخفي وبالتواطؤ الذي يحصل بين أطرافها وبصعوبة توفر وسائل الإثبات فيها، وهي خصوصيات تبرر محدودية جدوى مكافحتها بالآليات المتعارف عليها في البحث عن الجرائم الأخرى؛ كالتلبس الذي يستحيل تحققه.

وأبرزت الهيئة أن خصوصيات جرائم الفساد تقتضي إفرادها بآليات إثبات جنائية تتناسب مع طبيعتها، وفي مقدمتها آلية رصد ومكافحة الزيادة الكبيرة وغير المبررة في الثروة.

وأكدت هيئة النزاهة الحاجة الموضوعية للاستفادة من آلية الإثراء غير المشروع واللحاق بركب الدول التي سبقتنا إليها، مبرزة ما يخوله الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب من مستندات مرجعية لحماية المال العام، تتطلب تجريم الإثراء غير المبرر.

وأكد التقرير على ضرورة قلب عبء الإثبات في هذه الجريمة من النيابة العامة للمتهم الذي ينبغي أن يبرر ثروته، مبرزة التبعات السلبية الكبيرة لهذه الجريمة الماسة بالمال العام، والتي لها تكاليف باهظة على المجتمع. 

ودعت الهيئة إلى إفراد هذه الجريمة بقانون خاص يضبط مقتضياتها الموضوعية والإجرائية، بما ينسجم مع انفراد هذه الجريمة بخصائص تميزها عن باقي جرائم الفساد الأخرى، وبما يمكن من حماية قيم المرفق العام القائمة أساسا على النزاهة والحياد وعدم إساءة استغلال الوظائف، وضمان نظافة المسؤوليات العمومية من أي شوائب.

وشدد التقرير على أن أي مجهود يبذل لإرساء إطار قانوني ناجع وملائم لمكافحة الإثراء غير المشروع، يظل محتاجا إلى استحضار وتثبيت مجموعة من المبادئ المؤطرة، ومنها تحديد الأهداف المنشودة من القانون، والمراجعة الشاملة لمنظومة التصريح بالممتلكات، والنهوض بالحق في الحصول على المعلومات، والرصد الموضوعي لعناصر الثروة الواجب التصريح بها، والتوطين الجنائي لصور متعددة من الامتيازات والمنافع والفوائد والمصالح غير المشروعة التي يمكن أن يجنيها الموظف العمومي عبر إساءته استغلال وظيفته، وتجسير العلاقات بين المؤسسات لمحاربة هذا الإثراء.

كما أكد التقرير على ضرورة استيعاب تعريف الإثراء غير المشروع لعدة عناصر منها اعتبار هذه الجريمة من الجرائم المرتكبة من طرف الموظف العمومي بمفهومه الجنائي الواسع، وإلحاق ثروة الأبناء القاصرين والمتكفل بهم بهذه الجريمة، مع شمول نطاق الإثراء غير الشروع كل الموجودات بشكل عام.

وقدمت الهيئة تعريفا للجريمة بأنه “يعتبر إثراء غير مشروع كل زيادة كبيرة في موجودات الموظف العمومي أو أولاده القاصرين أو المتكفل بهم، تطرأ بعد تولي الخدمة أو قيام الصفة، وكانت لا تتناسب مع موارده وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها”.

كما أبرز التقرير ضرورة تحديد الجزاء المناسب للإثراء غير المشروع للحد من استشرائه في المجتمع، عبر تكبيد المجرم مشقة محددة باستهداف حقه في الحرية والذمة المالية والسمعة، إضافة إلى جبر الضرر وإعادة الحالة إلى ما كانت علي، مشددة أيضا على ضرورة توسيع قنوات وروافد رصد هذه الجريمة. 

وكان مصطفى الرميد، وزير العدل السابق والقيادي في حزب العدالة والتنمية، قد أحال مشروع تعديل القانون الجنائي في 24 يونيو (حزيران) 2016 إلى البرلمان، وذلك تماشياً مع مخرجات نقاشات هيئة الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، التي فرضتها مطالب الاحتجاجات التي شهدها المغرب عام 2011 في سياق موجة “الربيع العربي“. 

وينص الفصل “8 – 256” من مشروع القانون الجنائي على أنه “يعد مرتكباً لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بغرامة من 100 ألف إلى مليون درهم (من حوالى 10 آلاف إلى 100 ألف دولار)، كل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقاً للتشريع الجاري العمل فيه، ثبت بعد توليه الوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح، عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة انطلاقاً من التصريح الذي أودعه المعني بالأمر بعد صدور هذا القانون، مقارنة مع مصادر دخله المشروعة، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة”. 

عرقلة تعديل القانون 

تُتهم كل من المعارضة والأغلبية الحكومية بالحيلولة دون اعتماد تعديل القانون الجنائي مخافة تطبيق بند تجريم الإثراء غير المشروع. 

ويشير المحامي عبد الصمد الإدريسي إلى “العرقلة المتتالية طيلة سنوات لمشروع القانون 10.16 الذي يقضي بتغيير وتتميم القانون الجنائي المعروض على البرلمان منذ عام 2016، التي مارستها فرق من الأغلبية والمعارضة على حد سواء، والتي لم تكن تخفي سبب رفضها للمصادقة عليه، المتمثل أساساً في الفصل 8-256، المتضمن لمقتضيات تُجرم الإثراء غير المشروع”. 

ويضيف أن رئاسة مجلس النواب أعلنت بشكل مفاجئ سحب هذا المشروع بطلب من الحكومة، من دون أن توضح السبب، موضحاً أن الأمر أثار نقاشاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي مخافة أن يكون ذلك مقدمة لإلغاء الفصل المثير للجدل والمخيف لكثير من سياسيي أحزاب “الكفاءات”.

ويؤكد المحامي المغربي أنه من حق أي حكومة، من الناحية الدستورية والقانونية، أن تعرض على البرلمان مشروع القانون الذي تراه مناسباً وبالمضامين التي تراها. 

محاربة الفساد ليست أولوية

لكن بعضاً من منظمات المجتمع المدني تعتبر سحب المشروع إشارة من الحكومة الجديدة إلى أن مكافحة الفساد ليست من أولوياتها. 

ويوضح رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، أن مشروع التعديل شهد خلافات بين مكونات الحكومة السابقة حول بعض القضايا ومن ضمنها تجريم الإثراء غير المشروع، الذي من شأن تجريمه وإعادة النظر في قانون التصريح بالممتلكات أن يشكل لبنة أساسية في مكافحة الفساد والرشوة، وهو ما كان ينتظره الرأي العام، مشيراً إلى أن الحكومة الحالية سارعت إلى سحبه، وهو ما يشكل إلتفافاً على مطالب المنظمات الحقوقية. 

ويقول إن “سحب المشروع وتجميد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد (2015-2025)، فضلاً عن كون البرنامج الحكومي لا يتضمن ما يفيد بالرغبة في التصدي للريع والفساد، يشكل مؤشراً إلى أن الحكومة لا تعنيها قضية محاربة الفساد والرشوة، على الرغم من خطورة ذلك على البرامج أو السياسات العامة الموجهة للتنمية”. 

ويعتبر الغلوسي سحب المشروع “رضوخاً لبعض المراكز والمواقع القوية المستفيدة من واقع الريع والفساد، التي ليست لها مصلحة في إصلاح ديمقراطي حقيقي يؤسس لفصل السلطات والتوزيع العادل للثروة، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة”. 

أصل الحكاية

تعود المحاولة الأولى لإجراء تعديل متكامل لمجموعة القانون الجنائي، إلى 31 مارس/آذار 2015 حين أعلنت وزارة العدل والحريات عن إنهاء صياغة مشروع قانون جنائي جديد يشتمل على 598 مادة.

غير أن قرب الولاية التشريعية التاسعة، آنذاك، على الانقضاء دفع في اتجاه اختيار تشريعي آخر، يتم من خلاله انتقاء أهم التعديلات التي بدا للحكومة، أنها لا تثير اختلافاً فكرياً ونقاشاً سياسياً بين مختلف الفُرقاء السياسيين، حيث تمت المبادرة إلى تقديم مشروع قانون 10.16، وهو في عمومه مشروع قانون لم يتضمن سوى أربع مواد مست بالتغيير والتتميم والنسخ 84 مادة من مجموع فصول القانون الجنائي الـ 612.

وعُرض المشروع لحظة تولِّي المصطفى الرميد مسؤولية قطاع العدل والحريات، إذ تم تقديم المشروع أمام لجنة العدل والحريات في مجلس النواب في 28/06/2016، لتنهي اللجنة دراستها مواد المشروع في 14/07/2016، ولم يتم تتويج هذا المجهود التشريعي بالتصويت على مشروع القانون.

بعد ذلك، اختارت حكومة العثماني عدم سحب مشروع هذا القانون ضمن عدد من مشاريع القوانين الأخرى (38 نصاً) التي لم تسحبها، ليعود مجدداً وزير العدل، حينها، محمد أوجار، لتقديم مشروع هذا القانون في الـ6 من يوليو/تموز 2017، ليتلوها فيما بعد انعقاد متواتر لاجتماعات لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب طيلة سنوات 2017 و2018 و2019، وبلغ عدد اجتماعاتها لمناقشة مشروع هذا القانون 13 اجتماعاً، كان آخرها يوم 2 يوليو/ تموز 2019.

أبرز التعديلات

يكتسي هذا المشروع أهميته من خلال ما تضمَّنه من تعديلات تروم ملاءمة التشريع الجنائي مع مقتضيات دستور 2011 وتوجهاته في السياسة الجنائية وكذا ملاءمة هذا التشريع مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب والمرتبطة بمجالات حقوق الإنسان ومناهضة التعذيب والاختفاء القسري ومكافحة الجريمة المنظمة العابرة للدول ومنع الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين واتفاقيات أخرى تهم محاربة الفساد أهمها تجريم الإثراء غير المشروع.

ويأتي إدراج تجريم الإثراء غير المشروع في إطار إعمال اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الموقعة بنيويورك سنة 2003، وإعمالاً للمادة 4 من الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد التي وقعت عليها المملكة المغربية بتاريخ 2010، وتنزيلاً لمقتضيات النص الدستوري التي تنص على أن القانون يعاقب على الشطط في استغلال مواقع النفوذ وينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة.

وتعتبر المرجعية الدستورية هي عمود تجريم الإثراء غير المشروع، حيث نص دستور2011 في فصله الأول على أنه من الأُسس التي يقوم عليها النظام الدستوري للمملكة المغربية ربط المسؤولية بالمحاسبة، والمرجعية الاتفاقية المتمثلة أساساً في مقتضيات المادة 20 من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب.

المشرع المغربي اختار تضمين مقتضيات هذا التجريم ضمن القانون الجنائي وفِي مادة وحيدة مُدرجاً إياها ضمن جرائم الفساد التي يرتكبها الموظفون ضد النظام العام والمتعلقة بالرشوة واستغلال النفوذ، عوض إفراد جريمة الإثراء غير المشروع بقوانين خاصة من قبيل قوانين عدد من الدول.