محاكمة جيل زد في الرباط: بين احتجاجات الشارع ومتابعة شابة معاقة ذهنيًا.. أي رسالة تريد الدولة توجيهها؟

0
370

في الرباط، انطلقت أولى محاكمات معتقلي احتجاجات ما صار يُعرف بـ”جيل زد”. ثلاثة شباب مثلوا أمام المحكمة، بينهم شابة تعاني من إعاقة ذهنية وتعيش في وضعية التشرد. تُهم ثقيلة وملتبسة في آن واحد: “المشاركة في تجمهر مسلح”، “العصيان”، و”إهانة رموز المملكة”. ومع ذلك، فإن مجرد إدراج شابة بظروفها الصحية والاجتماعية ضمن قضايا سياسية حساسة، يطرح أكثر من علامة استفهام حول حدود المعقولية في المتابعات القضائية.

هل يُعقل أن نجد أنفسنا أمام متابعة قضائية قد لا تنسجم مع وضعها الإنساني؟ هل تتحول المحاكمات إلى أداة ردع لجيل كامل يطالب بالتعبير عن صوته؟ أم أن الدولة تراهن على الزمن الطويل في استنزاف زخم هذه الحركة الشبابية الناشئة؟

الجلسة أُجّلت إلى 7 أكتوبر. لكن الملف لم يتوقف عند هذا الحد: أكثر من 16 شاباً آخرين ينتظرون جلسة يوم 30 أكتوبر، بعدما جرى إطلاق سراحهم مؤقتاً مقابل كفالات مالية. وخلف هذه الأرقام، يظل المشهد الأوسع أكثر ثقلاً: 134 معتقلاً ما زالوا رهن الحراسة النظرية، بانتظار قرارات النيابة العامة. أعداد متفرقة من الموقوفين في مدن عدة، احتجاجات متواصلة، واستدعاءات قضائية تتوالى. فهل نحن أمام بداية “تأطير قضائي” لحركة اجتماعية يصعب التنبؤ بمسارها؟

المفارقة أن حركة “جيل زد”، وبالرغم من الضربات الأمنية، عادت لتدعو إلى مظاهرات جديدة مساء الثلاثاء في مدن مختلفة. هل هذا مؤشر على أن منطق الردع لا يوقف الدينامية، بل يزيد من شحذها؟

وهنا، يطلّ سؤال أعمق:

  • كيف ستوازن الدولة بين مقتضيات الأمن وبين الحق الدستوري في التظاهر السلمي؟

  • هل يمكن احتواء غضب “جيل زد” عبر لغة القانون وحدها؟

  • أم أن غياب الحوار يجعل من كل محاكمة وقوداً جديداً للاحتجاج؟

ما يحدث الآن ليس مجرد ملف قضائي. إنه اختبار سياسي واجتماعي في قلب العاصمة الرباط. فجيل جديد، وُلد وتربى في فضاءات رقمية مفتوحة، لا يخاطب الدولة عبر القنوات الكلاسيكية للأحزاب أو النقابات، بل عبر الشارع والمنصات. والرد الرسمي ما زال أقرب إلى المقاربة الأمنية منه إلى الاستماع أو الإصغاء.

إن وضع شابة تعاني إعاقة ذهنية في قلب هذا الملف، يكشف هشاشة الخطوط الفاصلة بين “العدالة” و”التأويل السياسي”. وإذا كان القانون يعلو ولا يُعلى عليه، فإن السياسة أيضاً حاضرة، بما تحمل من حسابات حول ما يُراد من هذه الرسائل: هل هو تحذير للأجيال القادمة؟ أم محاولة لحصر الحركة قبل أن تتحول إلى كرة ثلج أكبر؟

المحاكمات لم تعد مجرد شأن قضائي داخلي، بل تحولت إلى مادة للمتابعة الحقوقية والإعلامية داخل وخارج المغرب. وهنا يطرح السؤال: هل تدرك الدولة أن صورة هذه المحاكمات قد تصبح عبئاً على سمعتها الحقوقية في زمنٍ صار فيه كل حدث يتسرب فوراً إلى الفضاء الرقمي العالمي؟

الأكيد أن السابع من أكتوبر، وموعد الثلاثين من الشهر نفسه، لن يكونا مجرد محطات قضائية، بل محطات لقياس مدى صلابة “جيل زد” في الاستمرار، ومدى قدرة الدولة على تدبير هذه الموجة دون الانزلاق نحو مزيد من التشنج.

فهل نحن أمام بداية فصل جديد في العلاقة بين الشباب والدولة؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون عاصفة عابرة ستخمد بمرور الوقت؟