محمد أشرقي… حين يتحوّل الصمت إلى لون، والتيه إلى ذاكرة

0
258

حين تتأمل أعمال محمد أشرقي، لا تكتفي بمشاهدة لوحات، بل تدخل عالماً تنبعث منه سيرة إنسانية حارقة، مشحونة بالأسى والتأمل، بالغربة والحنين، كأن الريشة تصبح نافذة تطل على داخله العميق. هو فنان لا يهادن ذاكرته، بل يواجهها بشجاعة، يوقظ جراحها، ويترجم صمته إلى صرخات لونية تنبض بالصدق والتوتر الهادئ.

في زمن طغى فيه الاستهلاك البصري على العمق الإبداعي، اختار محمد أشرقي أن يكون استثناءً، أن يغوص في ذاته لا ليستعرضها، بل ليستخلص منها ما لا يُقال. في معرض Living 4 Art بالدار البيضاء، يوم 3 ماي، قدّم خمس لوحات حملت عناوين:
Symphonie du Silence،
Les Cris et les Murmures،
Le Cœur en Quête،
Perdu dans ses Pensées،
Moments de calme dans la Médina.

كانت هذه الأعمال بمثابة محطات وجدانية توقفت عندها عيون الزوار، وأثارت انتباه النقاد لما تحمله من حمولة نفسية صادقة وتعبير تجريدي عن القلق الإنساني في زمن مضطرب يبحث عن المعنى.

محمد أشرقي لا يقدم لوحاته كمجرد إنتاج بصري، بل كوثائق وجدانية، كسجلّ ذاتي يعيد فيه كتابة تجربته الفنية والإنسانية، يقول: “منذ حوالي سبع سنوات، كل عمل فني لي هو محاولة لكتابة سيرة ذاتية، لاستعادة البدايات. الطفولة لا تحضر في ذاكرتي إلا بما ترك أثراً، وأكثر ما أسترجعه هو لحظة الخروج القسري من الطفولة إلى المجهول.”

Oplus_131072

لوحاته لا تجيب، بل تطرح الأسئلة. كل عمل هو مرآة يتأمل فيها ذاته، بجرأة وصمت. يرسم التمزق بين الحلم والواقع، بين ما كان وما لم يُكتَب له أن يكون. إنه يسعى إلى ترميم كيان شخصي انكسر في المنعطفات، لكنه اختار الفن كملاذ ومقاومة جمالية لا تعترف بالهزيمة.

وما يُميز أشرقي هو ذلك التوازن النادر بين الفنان والناقد الساكن في داخله. يصرّح:
“لا أكتفي بما أنجز، الناقد بداخلي يقظ، صارم، يوقظني في كل مرحلة، يسألني: هل ما أفعله فن حقاً؟ هل يحمل بذور التجدد؟ وهل فيه طاقة للحياة؟”

رغم تأثره بكبار الفنانين المغاربة، وعلى رأسهم عبد القادر لعرج، صديق الراحل محمد المليحي، إلا أن أشرقي اختار من البداية أن يسلك درباً ذاتياً، بصوت داخلي لا يُشبه إلا ذاته.

إنه فنان في طور تشكّل دائم، لا يسعى إلى قفزات فارغة نحو العالمية، بل يؤمن بأن التراكم والصدق والانغماس في الذات هي الطريق إلى التميز. يسير بهدوء نحو حلمه، لكنه لا يتوقف، مدفوعاً بقوة الرؤية وصفاء النية.

محمد أشرقي لا يرسم العالم كما هو، بل كما يشعر به. يرسم لأنه لا يستطيع العيش دون فن، ولأن الريشة باتت امتداداً لروحه، وسلاحه الناعم في مواجهة خيبات الحياة.

في زمن تتسارع فيه الإيقاعات وتغيب فيه التفاصيل، يمنحنا فن محمد أشرقي فسحة نادرة للتأمل. هو دعوة بصرية للتوقف، للإنصات لما لا يُقال، للغوص في المشاعر التي لا تجد مكاناً في ضجيج العالم، لكنه يمنحها حياة نابضة داخل حدود إطار ولوحة.